الخميس ٧ تموز (يوليو) ٢٠١٦
بقلم نارين عمر

احتفالات العيد طقوس كرديّة نقلوها إلى العرب والمسلمين.

نارين عمر، بهجت أحمد

كان لأعياد ديريك أجواء مميّزة، ولنا معها ذكريات رائعة ﻻ تنسى، ولكن لنلقي أوّﻻً نظرة على تاريخ هذا العيد وأهمّ المراحل التي مرتّ بها احتفاﻻت العيد وعلى مرّ العصور المختلفة:

كانت الدّعوة الإسﻻمية التي دعا إليها النّبي محمد (ص) قد انتقلت إلى مرحلة مهمّة وخاصّة بعد انتقاله وهجرته إلى يثرب التي سميت تكريماً له بالمدينة المنوّرة فيمابعد، وقد ﻻحظ أنّ سكّان يثرب يحتفلون بمناسبتين أوّلها في الأوّل من شوال، والثّانية في شهر ذي حجّة، وفي السّنة الثّانية من الهجرة فرض الصّيام في شهر رمضان، وبعد شهر من الصّيام والقيام كان يأتي العيد، وكانت من أهمّ شعائره صﻻة العيد -كان شهر رمضان يسمّى عند العرب ناتق، وعندما أرادوا تغيير أسماء الشّهور تزامن ذلك مع موجة حرّ شديدة أي الرّمض أو الرّمضاء، ومنه اشتقّ اسم رمضان- واستمرّ الأمر كذلك في العهد الأمويّ إلى أن جاء العصر العبّاسيّ، وفيه تمّ التّطور الأبرز على العيد وطقوسه، فنتيجة اختﻻط العرب الكثير بالكرد والفرس انتقلت بعض العادات والتّقاليد الكرديّة إليهم، ومن أبرزها "اﻻحتفاﻻت بالعيد" ومعلوم أنّ الكرد لعبوا دوراً رائداً في الثّورة العباسيّة حيث كان أحد أهمّ وأبرز قادة العباسيّين من الكرد وﻻسيما القائد أبومسلم الخراساني - وتسميه المصادر العربية باسم ابراهيم الزرقاني، بينما بعض المصادر الكرديّة فتسميه بهزاد اي المولود من الحزن- أسرة البرامكة التي بلغت درجة عالية من المناصب قبل أن تحلّ عليهم نكبتهم المشهورة في عهد هارون الرّشيد، والمؤسف أنّ معظم المصادر العربية تنسب الكثير من الشّخصيات الكرديّة إلى الفرس وهذا فيه غبن كبير، فالفرس كانوا تحت حكم أقربائهم الكرد وحتى بعد تمكّن قورش من اﻻنقﻻب على جدّه الكرديّ اقتبسوا الكثير من الكرد، وعلى سبيل المثال الدّيانة التي كانت محور الحياة في تلك العصور سواء اليزدانية أو حتى الزرادشتية التي تنسب إلى شخص كورديّ يدعى زرادشت، وعليه اقتبس المسلمون من الكرد والفرس ارتداء الثّياب الجديدة أثناء العيد، وكذلك عادة توزيع الحلوى في يوم العيد وكانت تسمّى الحلوى اﻻيرانية - ايران هنا تعني أرض الآريين وليس كما يظنّ البعض أنّها تعني الفرس- فضﻻ على أنّ قيام الأطفال بالطّواف على البيوت وأخذ الحلوى قد بدأت في هذا العصر، واستمرّت تلك العادات حتى يومنا.

إذاً، فاحتفالات العيد وتوزيع السّكاكر والحلوى، وزيارة الأطفال للبيوت وتبادل الزّيارات بين العائلات والنّاس كلّها طقوس كرديّة انتقلت إلى العرب والمسلمين في العصر العبّاسيّ.

سابقاً في ليلة العيد كنّا نترقّب إطلاق المدفع لثلاث طلقاتٍ متتالية بإيذان العيد، ومن ثمّ تكبير المؤذن أو الإمام في الجامع معلناً بدء العيد صبيحة اليوم التّالي، وبعد ظهور التّلفزيون بدأنا ننتظر إعلان التّلفزيون عن أوّل أيّام العيد، كما نتشوّق لرؤية النّشرة الجويّة، لنتعرّف على الجوّ في يوم العيد.

كنّا نتلقّى ثياب العيد من أهلنا بتمام الرّضا ودون أيّ اعتراض، وصبيحة العيد كنّا نتوجّه إلى بيوت الجيران أوّلاً وكيسنا بين يدينا يتلهف لتلقي السّكاكر والحلوى الّلذيذة، ثمّ نتوجّه إلى مقابر المدينة حيث تعجّ بالرّجال والنّساء الذين يزورون قبور أهلهم وذويهم، وبعد أن كنّا نحصل على نصيبنا، نعاود طرق أبواب بيوت الحارات والأحياء لنحصل على حصّتنا.

بعد الانتهاء من ذلك كنّا نتوجّه إلى ساحة قريبة من المطحنة الكبيرة على طريق عين ديور، وفيها كان هناك رجل يجلب في كلّ عيد ألعاباً مختلفة وجميلة، وفي موازاة السّاحة كان يكمن بيت الحاج محمد ايسو صاحب أشهر وأحبّ مرجوجة إلينا نحن الصّغار، وكنّا نتأرجح فيها وقتاً طويلاً، وهو يقول وينادي.. يا حجي محمد فنردّ بأعلى صوتنا… يو.. يو
بعدها كنّا نتسابق على صعود ذلك الباص العتيق أو الدراجة ذات الثّلاثة دواليب لتقلنا إلى بيت الشّيخ ابراهيم حقّي -طيّب الله ثراه- في قرية "بانه قسري؟ لنأكل ونشرب عندهم، وكنّا نفرح كثيراً، لأنّنا نأكل من بركات الشّيخ وبيته، وكنّا نتوجّه فيما بعد إلى قبّة الإمام علي، نطوف حولها سبع مرّات، ونعقد ونربط الخيوط وقطع الثّياب المعلّقة بشجرة مزروعة بحوش القبّة بالإضافة إلى حكّ حجر الفخّار بحائطها تيمّناً بتحقيق أحلامنا ودعواتنا وأمنياتنا.

كنّا نقوم بكلّ هذا طيلة أيّام العيدين الفطر والأضحى، حين كان للعيد رونقه، وطعمه وملذّاته، وحيث كان الجميع من دون استثناء من الرّجال والنّساء والشّبان والصّبايا والكبار والصّغار في المدينة والقرى التّابعة لها يتبادلون تهاني وزيارات العيد خلال أيّامه الثّلاثة أو الأربعة وحتِّى فيما بعدها بأيّام وأيّام، وكانت تُحَلّ خلالها المشاكل العائليّة والاجتماعيّة المختلفة والعويصة، وكانت أيّاماً للعفو والتّسامح وتناسي الأحقاد والخلافات.

وهناك ذكرى ترفرف في ذاكرتي كلّما أتذكّر العيد، فعلى الرّغم من أنّنا كنّا نجمع أكياساً من الحلوى والسّكاكر إلا أنّنا -أبناء وبنات الحارة- لم نكن نحسّ بطعمه إلا بعد أن نذهب إلى حانوت العمّ "موسى العطّار" ونشتري منه حلوى كانت تسمى "حامض حلو" معقودة بخيط طويل على شكل سلسلة، وكان حانوته بجانب بيتنا الواقع حينذاك على طريق عين ديور.

نارين عمر، بهجت أحمد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى