السبت ٢٤ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم أحمد مظهر سعدو

احتفِ بالألم لأنك ستتعلم منه

تتحدث «أحلام مستغانمي» عن طقوس الكتابة، فتصف حالات دخول الكتابة لدى الكاتبـــــة الروائية التشيلية الشهيرة (ايزابيل أليندي) فتقول: (ايزابيل تدخل الكتابة كما تدخل قصـة حب.. بشغف وصبر وتفانٍ، وبمتعة تعادل متعة جنسية.. بالنسبة إليها «الكتابة تجدد الحيوية، وكأنها تمارس الجنس مع عشيق مكتمل».. الكتابة هي وسيلتها للمتعة، وهي طريقتها في الحزن أيضاً، هي تكتب لتتداوى، وتعترف كما سادة الحبر.. بأن «المرء لا يتعلم شيئاً وهو سعيد، وحده الألم يمدنا بالوجود الحقيقي»).

لعله الألم العميم الذي يعلمنا.. لعله الوجع النازل فوق رؤؤسنا ينتج منا حالات وهالات من الوعي المطابق، من العشق للحياة، ومن عشق مازال فينا ساكناً بين جوارحنا، وظهرانينا.. إنه عشق الوطن، هو التماهي مع الوطن.. الوطن الثاوي في مخيالنا، والقابع على مر الزمن في جوانية ذواتنا والشاخص أبداً في كل حيواتنا.. نعم هو الألم يا أحلام.. هو الألم ياايزابيل الصاعد كل يوم وكل لحظة، في كل حارة، وفي كل درب، في كل كفر، في كل معرة.... وكل مزرعة، وبين زواريب حارات الماغوط، وضمن أزقة شام الياسمين، شآم نزار قباني.. ومآذن الأموي، المنتمي إلى الوليد بن عبد الملك، والممتد جغرافياً وتاريخياً إلى معرة النعمان حيث يرقد جثمان القائد العربي الكبير عمر بن عبد العزيز على " دكة شلب من شلابات" الريف العربي ذي الطبيعة المسلمة.. الألم الذي سيعلمنا يا أحلام ليس بعيداً عن بلد المليون ونصف شهيد، كما أنه ليس بعيداً كذلك عن أرض الرباط وجوار المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله..هو الألم ياايزابيل الواصل أممياً بين تشيلي وبلاد الشام، وشرقي المتوسط التي تحدث عنها الراحل الكبير عبد الرحمن منيف.. وجال جولته فيها عبر مدن الملح التي لابد آيلة للانفراط.. ولعل الملح المنيفي الآيل للانحلال مازال بيننا، وما زلنا بين ملاذاته ومآلاته.. هو الألم يا أحلام الذي نصحنا به أحد الفلاسفة بقوله " احتفِ بالألم لأنك ستتعلم منه" فهل سنتعلم حقاً من كل هذه الجبال من الآلام، وهل سنحفظ الدروس من هذا التراكم الكمي والنوعي لانتصاف الوطن وتوسط الحي، ونواة عين الفرح والفكاهة والضحكة.. ضحكة الطفل الذي إذا غرد في ظامئ الرمل أعشبا.. ياسادة الحبر.. يا سادة القلم إن الألم ينبئنا بأن مستقبلاً أكثر إشراقاً لابد قادم نحونا وآناً آخر مختلف ومنتقض يرنو إلى الأعلى.. لابد قادم نحونا.. يا هذي الأقلام التي مدادها الألم والعشق.. عشق الوطن.. وعشق ما فيه من بذور حمل لولادة طبيعية وليست قيصرية – آتية لامحالة، وراسمة لمنعرجات أمة نواتها في بلاد الشام شآم الحب والأمل.. شام فارس الخوري، ونزار قباني، وشكري القوتلي وحسن الخراط.. شام ألفة ادلبي، وبدوي الجبل.. وعمر أبو ريشة.. شام النصر، والمبتدأ والخبر، وكل معاجم اللغة العربية، وكل أصحاب الفكر الموسوعي، وقادة الفتح العربي، الذين وصلوا الصين شرقاً والأندلس غرباً.. فحق لنا منهم وعبرهم وبأحفادهم الميامين، أن نبتسم قليلاً بعد ألم عميم، وقوس قزح يبزغ كل يوم مع أمطار ربيعية تنهمر رخاً.. وسخاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى