الأحد ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم طلال الشريف

اخلاص حتي اللحظات الأخيرة!!!

ابتعد عنها قليلاً بعد أن رفضته، واستكبرت أن تتزوجه حين عرض عليها الزواج، فهي في الثلاثين من عمرها، جميلة ومثقفة وبنت ناس، وهو في الخمسين، ومازال يتمتع بحيوية الشباب، واحترام الناس، وأصغر أبنائه قد بلغ الخامسة عشرة، ولا يدري كيف؟ ولماذا؟ ومن أين جاءت هذه المرأة؟ لتقتحم عليه سكونه، وعقلانيته، فأحبها، أحب فيها الشخصية التي كان يتمناها، أحب فيها عقلها، وعيناها اللتان تتقادحان فطنة وذكاءً، فأصبح لا يعرف كيف إنشّد إليها، وماذا جري له؟ انه الاعجاب الناضج، والحب الراكز، وقمة الخبرة، وليس طيش الشباب.

يقولون. إن هذه المرحلة من العمر خطيرة، وهوأيضاً يوافق على ذلك، لكنه أحياناً، يقنع نفسه بأنه يشفق عليها من مجتمع لا يرحم الأنثى، التي فاتها ثلاثة أرباع قطارات الزواج الشرقي، ذات الثلاثين ربيعاً، والتي قد لا تظفر برجل، أو عريس يهون عليها كما تقول جدتي ،أو يخفف عنها الشعور بالوحدة، ويشعرها بأنوثتها، وأمومتها.

هو مندفع لدعمها اجتماعياً، فهو من مناصري المرأة في كونها ضحية مجتمع، لا ينظر إلا لسطحيات تعود عليها، وتوارثها جيلاً بعد جيل، فيدمي أناساً يبذلون العطاء، ولا يجدوا من يعطيهم ما يستحقون رجالاً أونساءً.

ويعود أحياناً للتحليل النفسي، الذي يقول، بأنك إذا أعجبت بشخص ما، فقد يكون هذا راجع لمخزونات قديمة في الذاكرة عن أشخاص، لهم ملامح، تشبه ملامح الشخص الذي تنشد إليه، فأما أن يكون هذا له عينان، تشبهان عيني قريب، أو جار، أو لها ملامح تشبه عمة، أو خالة قد عطفت عليك، وأنت صغير، فتولد لديك شعور الانجذاب نحو الصورة المخزونة في مخيلتك منذ القدم حتي وان لم تكن بالجمال الاخاذ لكنها ألفة السحنة وعلامات الاشكال الحفورة في الذاكرة.وكما قيل قديما ان الشاب يبحث عن شبيهة امه، والفتاة تبحث عن شبيه أباها وكيف لا وهما أول الصور المخزونة في العقل البشري ومقرونة بالحنان والعشرة الطويلة وأول الدروس والبدايات.

ويعود صاحبنا. فيتذكر، أن الواقع أقوى من أي ماض، فهو "براغماتي" إلى أبعد الحدود لا يهمه أحياناً التاريخ، بقدر ما يهمه الواقع الحالي، والمستقبل.

وهو يعر ف أنه مشدود إليها، وهي في لحظة، قد رفضت حتى النظر إليه، ولا يعرف سر ذلك، فقد تكون هناك أشياء، وأشياء لا تخطر على البال، فالناس أسرار، وهو لم يدخل بعد في حياتها، وأسوارها قد أغلقت بعنف في وجهه، لكنه ظل يحبها.

ومضت الأيام وهو يتقدم في العمر، وهي تتقدم في الوزن ، وزداد وزنها بطريقة غريبة لم تستطع ايقافها. ووصلت الي عدم القدرة علي التنقل والحركة إلا نادراً، وأصبحت أضخم امرأة في البلدة.

وأخذ يسترجع ويعيدعليها ما حدثها به سابقاً، من أنه كان يتوجب عليها الزواج، إن لم يكن منه فمن غيره، ولو كان ذلك العريس أقل مما رسمت في خيالها، تذكر أنه قد شرح لها على الأقل المشاكل الصحية التي تصاحب المرأة بعد سن الثلاثين، ومشاكل الولادة، وحتمية العمليات القيصرية بعد هذا العمر، وأخبرها أيضاً باحتمالات الأطفال المنغوليين، وأيضاً بأن المرأة حين لا تتزوج تكون أكثر عرضة لسرطان الثدي، وألياف الرحم، والأدهى من ذلك عدم الشعور بالأمومة السليمة بإنجاب الأطفال ، لكنه حقيقة, لم يخطر علي باله, أو بالها في أي لحظة، هذه السمنة المفرطة، وعما يفعله القدر بالناس من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون .

وتذكر أيضاً أنه قد حدثها عن كثير من المشاكل الاجتماعية، حينما تتقلص كل عناصر الدعم النفسي، والارتياح الأسري، والاجتماعي عندما يتخلى الأخوة، والأخوات الذين أضاءت لهم الطريق، إن لم يكن ذلك بفعل الإجحاف "الزمني" أوالمصلحي" ، فهو بفعل الظروف المتعلقة بكل منهم، بأسرته الجديدة، ومتطلباتها، فتعود هي بمثابة جزء ثانوي، أو ثالثي، وبنفس الطريقة التي كانت تنظر هي بها له حين أرادها، حيث كانت تريد أن تقترن بمن في عمرها ورفضت أن تقبل الزواج ممن هو أكبر منها، وكانت تقول له: أنت لا تناسبني، وهي لم تسمع نصائحه، ولم تدرك عثرات الزمن..

نعم، بقي هو يتقدم في العمر، بينما هي تتقدم في الوزن، وبقي على حبه لها، ولا يدري إلي اليوم لماذا هذا الحب؟

لكنه لم يتركها، وعاد يقف بجانبها، رغم أنه لم يعد ينفع للزواج بحكم العمر، وهي لم تعد مقبولة من أي أحد للزواج، وعاد يقص عليها من قصصه، لأنه الوحيد الذي يمر عليها فيسليها في عزلتها.. وفي لحظة كان يتابع في ذهنه سارحاً شريط الماضي حين رآها أول مرة، وسحرته فأحبها، أدمعت عينه علي ماجري لها، واقترب منها، وقال هامساً: هل تتزوجينني يا ( فداء )؟
فعدلت جلستها، ونظرت إليه بعينيها اللتين مازالتا تشعان بريقاً، وأخذت دموعها تسيل على خدها وهي تقول له: ماذا تقول يا ( جلال )؟ ماذا تقول؟

أي قدرة لك على الاحتمال كل هذا الوقت؟ وكيف تفهم الأمور؟
فهل بقي لدينا ما نتزوج لأجله؟ فأنت رجل عجوز، وأنا كما ترى لا أقوى على الحركة، "ولكن مازال دمك خفيف يا مضروب، ولم أكن أتصور بأنك بهذا الإخلاص" فماذا تريد مني أنا لم أفهمك بعد؟
فرد قائلاً: لا أدري فأنا أحببتك عقلاً وعينان ووجه جميل، ولم أكن أنظر لشيء آخر، ومادام عقلك وعيناك، ووجهك جميلاً ،ومازلت أرتاح لهما، فدعينا نكمل العمر معاً، دعيني أحدثك عن الدنيا وتسمعين، وأدعوك لتفهمي الإخلاص فلا تحرمين من رجل حتى آخر أيام العمر تستظلين بظله فأنت نهر الحياة، فلماذا يريد أن يجففك الظالمون؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى