الأحد ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

اعترفي

رغم أنها لا زالت لحد الساعة تمطرك بموجات حنانها النرجسي الدفاق، ورغم أنها تخشى عليك من غطرسة الشتاء وجنونه الأبكم، ومن فحيح الصيف اللاسع ورتابته المقيتة، ورغم كل شيء جميل موشى بأزهار المحبة، وتغاريد الوفاء إلا أنك لا تسعين جاهدة للاعتراف بصدق في محكمة الحياة.

يا للخيبة ! صرت لا تعيرين للأمور أدنى أهمية، تخلطين بين الجد والهزل، وتتمادين في زرع بذور الغش والغل بين بنات جنسك، وبقلبك ذاك الذي لا يخلو من أدران الخبائث إذ يستهويك التشتت والدمار، وتلتذين بآلام الآخرين، وبنكهة الانتصار المجيد على غيرك.
ما أقبح فظاظة خصالك! وما أسوأها!

مؤخرا خالطت ثلة من المشاغبات المستهترات اللائي لا يعترفن مطلقا بعالم الفضيلة، والطهر، والنقاء، بل تمردهن على تقاليد المجتمع زادهن تعجرفا وانحرافا وانغماسا في أوحال مستنقعية آثمة، تغوصين مثلهن في قاع التمرد الآسن غير آبهة تماما بأرذل العواقب الوخيمة التي ستحصدينها مستقبلا.
أسدت لك الوالدة نصيحتها الذهبية خوفا عليك من التلاشي: كوني ودودة، مطيعة، مخلصة يا بنيتي، ولا تنجرفي وراء التيار الفاسد لأنه أصعب درب تسلكينه.
رددت عليها بصوت ينضح بالزهو والافتخار: أنا ابنة الثامنة عشرة ربيعا، أفعل ما أرغب به، أنا حرة في تصرفاتي.
ـــ للحرية حدود يا صغيرتي.
ـــ لست صغيرة كما تتوهمين.

انسكبت العبرات الحارة من عينيها الخرزيتين، واندست خلف قلاع الذكريات الغابرة كما تندس عروس النهار خلف السحب، تراقصت صورة ذلك الزوج الوفي في زوايا خيالها البديع الذي طالما شاطرها حفنة أفراحها وأتراحها، لقد وافته المنية على حين غرة، وغيبه التراب الندي بين طياته للأبد.
عاتبتك بقولها: لو كان والدك حيا يرزق لما تماديت في اقتراف الآثام.

الفساد ما هو إلا شيطان مارد سكنك حتى النخاع، تحولت من أطهر إنسانة تموج دواخلها بالدفء والحب إلى حية لئيمة تسعى.
رغم أنها لا زالت لحد الساعة تمطرك بموجات حنانها النرجسي الدفاق، ورغم أنها تبسط لك يد المساعدة لانتشالك مما أنت فيه لكنك تحتجين، وترفضين الجلوس على كرسي الاعتراف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى