الأربعاء ٦ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم عزيز العرباوي

الأنا المفقود

لا أحب دائما أن أكون تلك الضحية كلما حلت كارثة علينا، سواء كانت كارثة إلاهية أو كانت من صنع الإنسان. ولا أحب أن أكون ذلك الرجل الضعيف في الشعب المسكين الذي يقبل بالأمر الواقع ويعيش في حاله ويطلب القليل ليسد رمقه وفقره. ولا أحب أن أكون ذلك الطاغية الذي يستحوذ على كل شيء ليشبع هو ويجوع الآخرون. فهذا من شيم الطغاة وأولاد الحرام.

في زمننا هذا هناك الكثير من هؤلاء الناس بشتى الأنواع والأصناف. وفي عصرنا هذا يوجد الجائعون والمنافقون والطغاة وأولاد الحرام والعلماء والأغنياء والحكماء... فمن يستطيع أن يحدد كل واحد منهم كل على حدة؟

من المفارقات العجيبة في زمننا هذا أن تجد الجائع صديقا للغني، أو الجاهل رفيقا للعالم. لكن أن تجد العالم صديقا للطاغية يرسم له خريطة الطغيان ويكتشف له فيروس التجويع والقتل. وقد تجد الحكيم رفيقا للمنافق يوضع له سبل السياسات المداهنة وطرق المراوغة والتحايل على الآخرين.. هذا زمن المفارقات حقا، ألم أقل لكم؟.

محمد ضحية الكوارث الإلاهية والإنسانية في آن. وأحمد رجل ضعيف من الشعب المسحوق في الكاريانات يقبل بالأمر الواقع ويعيش في حاله، يتعاطى المخدرات لينسى، ويشرب الكحول لينتشي، ولا يطلب لا القليل ولا الكثير. إنه الرجل المرغوب فيه في عصرنا هذا. وعباس رجل طاغية يستحوذ على كل شيء، يملك المدينة كلها بما فيها الكاريانات. ويستغل الرجال في توسيع نفوذه وممتلكاته، والنساء في إشباع رغباته الحيوانية، يشبع ويجوع الآخرون، ينام على الأرائك، وينام الآخرون على الحصر والأرض ويفترشون الرمال والتراب، هو لا يعرف أن أصله من تراب كما الآخرين، لذلك يحتقر هؤلاء، ويسخر من تربيتهم وأصلهم الطيني.

محمد الضحية، دائما تجده يتباكى ويتدور جوعا وألما لما لحقه، فالزلازل لا ترحمه، والبراكين تحرق كل ما يملك، ولا يستطيع في هذه الحالات إلا أن يشكر الله على ما فعل وما أعطى وما أخذ. وتجده يتحسر على خسارة الوطن لتنظيم كأس العالم. وانهزام المنتخب في المباريات النهائية، ويستغرب للقوانين الجائرة التي تسن وتنفذ. ويستنكر مدونة الشغل والمرأة والفساد الإداري والإنساني. محمد الضحية، متشائم من الحاضر والمستقبل ومن الحياة أيضا...

وأنا لا أحب أن أكون أي واحد من هؤلاء، وأحلم أن أكون أفضل من محمد وأحمد وعباس. هذا الأنا قد لا يتحقق الآن، لكني أحلم به، وأعمل جاهدا لأن أكونه، فهو صعب أن يكون الآن. وفب هذه الظروف الخانقة، ولكن المستقبل يحمل للأنا غدا أفضل وساحة أوسع للظهور والخروج إلى العالم.

وفي انتظار الأنا، فكل شيء ممكن، وكل سبيل مفتوح أمام أي أحد ليكون الأنا، لكن بشرط أن ينسلخ عن الهو...!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى