الأربعاء ٥ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم عارف خطيب

الأُغْنِيَــة الـخَـالِدَة

ذَاتَ صَبَاحٍ جَـمِيلٍ..

جَلَسَ شَاعِرٌ إِلَى مَكْتَبِهِ، تَنَاوَلَ قَلَمَهُ، لِـيَكْتُبَ أُغْنِـيَةً ..

أَبَى القَلَمُ أَنْ يَكْتُبَ، ضَغَطَ عَلَيْهِ الشَّاعِرُ، لَـمْ يَكْتُبْ حَرْفاً!

سَأَلَهُ الشَّاعِرُ مَدْهُوشاً:
 مَا لَكَ لَا تَكْتُبُ يَا صَدِيقِي؟!

 كَيْفَ أَكْتُبُ، وَأَنَا ظَمْآنُ، لَـمْ أَشْرَبْ مِدَاداً؟!

 لَا تُؤَاخِذْنِي بِـمَا نَسِيتُ!

فَتَحَ الشَّاعِرُ مِـحْبَرَتَـهُ، غَمَسَ قَلَمَهُ فِي حِبْرِهَا، شَرِبَ حَتَّى ارْتَوَى.

انْتَشَى القَلَمُ فَرَحاً، كَتَبَ مَا يُـمْلِيهِ صَدِيقُهُ ..

فَرَغَ الشَّاعِرُ مِنَ الكِتَابَـةِ، دَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ أُسَامَةُ، قَرَأَ كَلِمَاتِ الأُغْنِيَـةِ ..

غَنَّى بِهَا مَسْرُوراً، أَقْبَلَ عَلَى أَبِيـهِ، عَانَقَهُ، وَقَالَ:

 أَحْبَبْتُ الأُغْنِيَـةَ كَثِيراً، لَيْتَ الأَطْفَالَ يَسْمَعُونَهَا!

 خُذْهَا هَدِيَّـةً لِلْأَطْفَالِ.

أَخَذَهَا أُسَامَةُ إِلَى مَدْرَسَتِهِ، نَالَتْ إِعْجَابَ التَّلَامِيذِ، أَنْشَدُوهَا مَسْرُورينَ ..

وَكَمَا تَطِيرُ الطُّيُورُ، طَارَتِ الأُغْنِيَـةُ الـجَمِيلَةُ، تَطُوفُ في الوَطَنِ، وَتُـمْطِرُ الفَرَحَ ..

أَشْرَقَتْ وُجُوهُ الأَطْفَالِ، تَرَنَّـمُوا بِـهَا مَسْرُورينَ، كَأَنَّـهُمْ بَلَابِلُ الرَّبيعِ!

أَرَادُوا أَنْ يَشْكُرُوا الشَّاعِرَ، اخْتَارُوا ثَلَاثَــةً، أَرْسَلُوهُمْ إِلَيْهِ ..

لَـمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ أَحَدُهُمْ : جِئْنَا نَشْكُرُكَ عَلَى الأُغْنِيَةِ.

قَالَ الطِّـفْلُ الثَّانِي : أَفْرَحْتَ أَطْفَالَ الوَطَنِ!

قَالَ الشَّاعِرُ : مَا أَعْظَمَ فَرَحِي، حِينَ يَفْرَحُ الأَطْفَالُ!

قَالَ الطِّـفْلُ الثَّالِثُ : نُـهَنّـِئُكَ بِـنَجَاحِ الأُغْنِيَـةِ.

قَالَ الشَّاعِرُ : نَـجَاحِي أَسْهَمَ فِيهِ غَيْرِي.

قَالَ الأَطْفَالُ مَدْهُوشِينَ:

 مَنْ أَسْهَمَ فِي نَـجَاحِكَ؟!

 أَصْدِقَائِي : القَلَمُ، وَالـمِحْبَرَةُ، وَالوَرَقَــةُ.

 كَيْفَ ذَلِكَ؟!

 هَذَا القَلَمُ كَـتَبَهَا، لَوْلَاهُ مَا ظَهَرَتْ، وَلَا رَآهَا أَحَدٌ!

فَرِحَ قَلَمُ الشَّاعِرِ، نَظَرَ إِلَى صَدِيقِهِ، نَظْرَةَ مَـحَبَّةٍ وَتَقْدِيرٍ!

تَابَعَ الشَّاعِرُ كَلَامَهُ : وَهَذِهِ الـمِحْبَرَةُ الكَريـمَةُ، جَرَى حِبْرُهَا فِي حُرُوفِي.

فَرِحَتْ مِـحْبَرَةُ الشَّاعِرِ، نَظَرَتْ إِلَى صَدِيقِهَا، نَظْرَةَ مَـحَبَّةٍ وَتَقْدِيرٍ!

تَابَعَ الشَّاعِرُ يَقُولُ : أَمَّا صَدِيقَتِي الوَرَقَةُ، فَقَدْ حَضَنَتْ أُغْنِيَتِي، كَأَنَّهَا أُمٌّ رَؤُومٌ.

فَرِحَتْ وَرَقَةُ الأُغْنِيَةِ، نَظَرَتْ إِلَى صَدِيقِهَا، نَظْرَةَ مَـحَبَّةٍ وَتَقْدِيرٍ!

سَأَلَ الشَّاعِرُ الأَطْفَالَ:

 حَفِظْـتُمْ أُغْنِيَـتِي؟

 حَفِظْنَاهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.

 أَسْمِعُونِي إِيَّاهَا.

أَخَذَ الأَطْفَالُ يُنْشِدُونَ، كَأَطْيَارِ الغُصُونِ ..

مَسَحَ الشَّاعِرُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، قَالَ مَسْرُوراً:

 لَا أَنْسَى فَضْلَكُمْ عَلَى أُغْنِيَـتِي.

 لَيْسَ لَنَا فَضْلٌ!

 لَوْلَا غِنَاؤُكُمْ يَا أَحْبَابِي، لَظَلَّتْ أُغْنِيَـتِي صَامِتَةً، لَا يَسْمَعُهَا أَحَدٌ.

فَرِحَ الأَطْفَالُ الصِّغَارُ، نَظَرُوا إِلَى شَاعِرِهِمْ، نَظْرَةَ مَـحَبَّةٍ وَتَقْدِيرٍ!

مَرَّتْ أَيَّـامٌ وَأَعْوَامٌ، مَاتَ شَاعِرُ الأَطْفَالِ، أَبْقَى بَعْدَهُ ذِكْراً، لَا يَـمُوتُ!

ظَلَّتْ أُغْنِيَتُهُ خَالِدَةً، تُعَايِشُ الأَجْيَالَ، تُصَاحِبُ الأَطْفَالَ ..

تُوَزِّعُ الأَفْرَاحَ، وَتَزْرَعُ الآمَالَ!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى