السبت ٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم محمود منير

«الإرهاب» صناعة درامية وفق رؤية مسبقة

«دم الغزال» يكرس تخلف السينما عن مواكبة قضايا العصر

ما زالت ظاهرة "الإرهاب" تستهوي صناع السينما المصرية التي قدّموها على الشاشة منذ الثمانينات من القرن الفائت ، لكن معظم هذه الأفلام وقعت في تناقضات ومطبات حرفت الظاهرة إلى مسار يختلف وواقعها الحقيقي الذي تعيش فيه ، حيث إصرار معظم المخرجين على تصوير "الإرهاب" وكأنه ظاهرة مستوردة من الخارج مثلها مثل المخدرات ، وأن المجتمع المصري يقع ضحية هذا الخطر الخارجي دون البحث عن دوافع تكوينه الحقيقية والتي تشكل عناصر الكثير منها مصرية خالصة.

من جهة أخرى حرص مخرجون على اعتبار "الإرهابي" نبتا شيطانيا خارجا عن المجتمع ولكنه يحيا حياتين مزدوجتين فهو في العلن يجاهر بتطبيق الشريعة الإسلامية وأحكامها على المجتمع المصري عنوة وقسراً ، لكنه في السر ساقط في الفاحشة مثله مثل الآخرين ، وهو ما جسدّه المخرج محمد ياسين والسينارسيت وحيد حامد في فيلمها "دم الغزال" الذي انتجته شركة روتانا للانتاج السينمائي وعرض في أيام عيد الأضحى المبارك ، علماً أن حامد عالج موضوع الارهاب في عدد من أفلام التسعينات مثل فيلم "طيور الظلام" لعادل امام.

ولم يشفع وجود أبطال محبوبين لأغلب الجماهير في الفيلم ، حيث شارك في بطولته الفنانون: نور الشريف ويسرا ومنى زكي وعبد العزيز مخيون ومحمود عبد الغني ، فالفيلم أراد وأصرّ على طرح رؤيته بطريقة مبسطة ومباشرة فالإرهابي (ومثل دوره محمود عبد الغني) أراد أن يصل لغايته الشخصية فلبس لبوس التدين بعد أن كان طبالاً ، وهو ما جعله يعقد تحالفاً مع الجماعة الإسلامية والتي دائماً تأتي دونما تسمية (بقصدية) ليختلط على المشاهد أهم "جماعة الإخوان المسلمين" كما يرد على لسان بعض شخصيات الفيلم ، أم "الهجرة والتكفير" أم "الجهاد الإسلامي" كما يسميهم أبطال آخرون.

تدور احداث الفيلم في إحدى المناطق الشعبية الفقيرة في القاهرة وهو حي "امبابة" في أواسط التسعينات ، ويقدم الفيلم قصة حقيقية تفتتح بعرس حنان ، الفتاة اليتيمة غير المتعلمة (منى زكي) من حشاش ، ينتهي المشهد باقتحام رجال الأمن الحفل والقاء القبض على العريس ، وبذلك تتطلق حنان ليفتح المجال لصراع جسدي بين الطبال وأحد البلطجية يهزم فيه الأول وتهدر كرامته أمام أهل الحي فيترك عشيقته الراقصة وينضم الى الإسلاميين ليصبح أميرهم ، في الوقت الذي يقوم فيه اصدقاء والد حنان المتوفى (نور الشريف وصلاح عبد الله) برعايتها وايجاد عمل لها في ناد رياضي ثم تنتهي العلاقة بينها وبين صاحبته (يسرا).

إن تحول الطبال إلى أمير جماعة إسلامية جاء في الفيلم بطريقة ساذجة لا تراعي أي سياق اجتماعي أو تنظيمي للجماعة ، إضافة إلى أن هذا الأمير ـ الطبال يشكل حالة استثنائية بدوام تعاطيه الحشيش ورغبته بمواصلة علاقته مع الراقصة ، إضافة إلى ان الجماعة توافق على تنفيذ غايته الشخصية باختطاف أو التزوج غصباً من حنان مقابل تنفيذ أوامرها ، وهو ما يخلط الكثير من الحقائق لا نعرف ما الذي سعى له صناع الفيلم من خلاله.

من جهة أخرى فإن الإتيان بحنان من قبل رجال الأمن لترجع إلى حارتها بغية استدراج الطبال كان يعني الكثير من المجازفة الحمقاء ، وهو ما أودى بها شهيدة "الإرهاب" لتبقى الحقيقة أن شبانا من الجماعة الإسلامية (مغررا بهم) قد وقعوا في قبضة الأمن ، فيما الجاني (الطبال) نجا من العقاب ، وحي امبابة الذي تمثله حنان قد بقي أسير التخلف والفقر والتطرف ، وهو ما ينبئ بعقلية بدائية كلاسيكية لتحليل الواقع لن ترقى في المنظور القريب للتعرف إلى دوافع الإرهاب الحقيقية وإلى مساره وتشعباته ، كون الدراما التي تعالجه - في الأغلب - مرسومة مسبقاً وفق مواصفات جاهزة لكنها في قمة البلاهة للأسف الشديد.

بعيداً عن تناول قضية العصر "الإرهاب" درامياً ، فقد جذب أداء الممثلين في الفيلم الذي يمكن ان يوصف بأنه حدوتة عيد مصرية خفيفة لطيفة هذا إذا ما أضفنا الموسيقا الجميلة للفنان عمر خيرت ، أو (النتف) الصغيرة في شخصيات كل من نور الشريف او صلاح عبد الله الاستثنائية.

«دم الغزال» يكرس تخلف السينما عن مواكبة قضايا العصر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى