الاثنين ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم صلاح السروي

الإسلام السياسى ومصير الثورة

لقد قامت الثورة المصرية ضد نظام الفساد والقمع والتفريط فى المصلحة الوطنية .. منادية بالحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية. ورغم أن هذه الثورة, قد قام بهما شباب ينتمى فى مجمله الى الطبقة الوسطى من طلاب وموظفين ومهنيين. وينتمى فى معظم جماعاته الى ايديولوجيات مدنية تحررية .. من ليبرالية الى يسارية مع تمثيل لشباب الاخوان. وغياب تام للجماعات السلفية التى زادت على غيابها هجوم دعاتها على الثورة والثوار ونعتهم بأسوأ الصفات, ليس أقلها ارتكاب الاثم نتيجة اقتراف جريمة الخروج على ولى الأمر الذى لاينبغى مخالفته, عندهم, "وان ضرب ظهورنا بالسياط". الا أن مرحلة مابعد الثورة قد شهدت بروز هذه القوى الاسلامية بشكل بالغ الوضوح والاعتداد, وتورط بعضها فى مهاجمة القوى الليبرالية واليسارية التى قامت بالثورة والتلويح باتهامها بالخروج على الملة (قول القيادى الاخوانى صبحى صالح وكذلك الشيخ المحلاوى امام مسجد القائد ابراهيم بالاسكندرية .. وغيرهما بأن الاسلام لايعرف مسلما علمانيا أو ليبراليا أو يساريا فليس مسلما من لم يكتف بالاسلام).

حيث تسود مخاوف كبيرة من سيطرة هذه الجماعات على السلطة فى الانتخابات النيابية وتحويل البلاد الى شمولية ديكتاتورية تحكم باسم الاسلام, وتهدد الديمقراطية. وتحجب كل القوى المختلفة معها, وتصادر الحريات العامة, وتهدد الوحدة الوطنية وامكانيات التقدم فى البلاد.

فمن أين جاءت هذه القوى ؟؟ وهل يمكنها أن تستولى على البلاد فعليا كما يتخوف البعض ؟؟
وهذه المقالة هى محاولة متواضعة للاجابة عن هذين السؤالين:

1- فريقان من أجل الاستقلال:

عندما انتفضت الشعب المصرى ساعيا نحو تحقيق الاستقلال فى الربع الأول من القرن الماضى كان الصراع داخل الجماعة الوطنية قائما بين فريقين رئيسيين : الفريق الأول مدنى مثقف, تلقت معظم رموزه تعليما عصريا (أحمد لطفى السيد ومحمد حسين هيكل وسلامة موسى اسماعيل مظهر .. الخ), أو قامت بالتمرد على التعليم الأزهرى التقليدى لصالح التعليم العصرى (طه حسين وأمين الخولى وأحمد أمين) . وقامت فلسفتهم على مبدأ : لكى ننتصر ونتحرر من الاستعمار الغربى لابد من احراز القوة القادرة على تحقيق ذلك , وهذه القوة لن تتحقق الا بتعليم حديث مستمد مما وصلت اليه أرقى علوم العصر فى أوربا ذاتها .. فالأوربيون لم يكن من الممكن أن تتحقق لهم الهيمنة على مقدراتنا الا نتيجة لضعفنا و"قابليتنا للاستعمار" .. كما قال مالك بن نبى .. ف"لكى نتقدم كما يتقدمون لابد أن نفكر كما يفكرون".. كما قال طه حسين.

على هذا الأساس تم بناء المشروعات النهضوية - الفكرية والسياسية الكبرى, والتى حمل لواءها هذا الرعيل الأول من المنورين الأفذاذ .. فكان مشروع الجامعة المدنية الأهلية لأحمد لطفى السيد. وكان مشروع الاصلاح الدينى على أسس عقلية وعلمية تتوافق مع روح العصر وأسئلته الكبرى للامام محمد عبده .. وكان مشروع تحرير المرأة والانتقال بها الى مستوى من الوعى والرقى النفسى والانسانى لقاسم أمين .. وكان مشروع تحرير البحث الأدبى من الأساطير والروايات البعيدة عن المعقولية, واعادة بنائه على أسس العلم التاريخى والفلسفى الحديث لطه حسين ..الخ.

وعلى الجبهة المقابلة كان هناك الفريق الثانى ممن يتفقون مع السابقين فى الحلم نفسه .. حلم الاستقلال والتحرر من الاستعمار, ولكن مع اختلاف فى الفهم والتحليل والتنفيذ : فالغرب عند أصحاب هذا الاتجاه ليس خصما سياسيا احتل البلاد وأذل العباد, بل هو خصم دينى, فهو نصرانى (صليبى) يحتل بلاد المسلمين. ولم يتسن له استعمارنا واستضعافنا الا نتيجة لتخلينا عن الايمان وعدم تمسكنا بالأصول الدينية والابتعاد عن المنابع الصافية الأولى التى تجسدها تعاليم النبوة والخلافة الراشدة والسلف الصالح. ومن ثم فالطريق واضح والحل فى غاية البساطة .. فلكى يتحقق هذا الحلم بالتحرر لابد من العودة الى المنابع الأولى للدين التى حقق من خلالها العرب والمسلمون الأوائل القوة والمنعة بما جعلهم سادة العالم حينا من الدهر ( فى خلط واضح بين السنوات الراشدة الأولى وسنوات التوسع الامبراطورى فى العهود الأموية والعباسية التى تمثل وقائعها فى المجمل انقلابا سلوكيا وفكريا علي الخلافة الراشدة ولايمكن وصف انجازاتها بالاسلامية !!). وبالتالى فلا خلاص لديهم الا بالعودة الى هذه الأصول واحياء تعاليم السلف. وتلك كانت دعوة الشيخ رشيد رضا ومن بعده حسن البنا.. حتى اذا وصلت الفكرة الى زمن أبى الأعلى المودودى وسيد قطب كانت قد تطورت الى مفهوم الحاكمية ودمغ العصر والمجتمع كليهما بالجاهلية, ومن ثم بالكفر الصريح. بما يستوجب اعادة تربية المجتمع والجهاد ضد كل ما وصل اليه من تطور موصوم بشبهة التأثر بالحضارة الحديثة, والعمل على نفى كل هذه المنظومة العصرية بالاتجاه نحو احياء واقامة دولة الخلافة الاسلامية على النمط التاريخى الذى أضحى فى تفكيرهم بمثابة الفردوس المفقود, خاصة بعد حل الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924(ولعلنا نلاحظ التزامن النسبى بين تاريخ حل الخلافة العثمانية, وتاريخ تأسيس جماعة الاخوان المسلمين عام 1928, حيث يرى العديد من الباحثين وجود علاقة مباشرة بين التاريخين). وهو الأمر الذى فاقم من الاحساس بأن الاسلام مهدد بتحولات العصر والزمان اللذين بدا أنهما (صليبيان) بامتياز – حسب هذا التحليل. فأصبح مضمرا لديهم فى الوعى أو اللا وعى, أن الحداثة (الأوربية) تمثل نقيضا جذريا للاسلام, أو فى الحد الأدنى خطرا داهما عليه. ولذلك نلاحظ نوعا من التربص والتوجس لديهم من كل جديد .. سواء على مستوى التكنولوجيا أو النظم السياسية, أو طرز الملابس .. الخ ومن هنا تولدت هذه المشاعر المعادية لحرية الفكر والفن والأدب ولمجمل تحولات ومستجدات العصر .

ورغم تعدد الجماعات الاسلامية وتنوعها من اخوان وسلفية الى تبليغ ودعوة وجهاد .. الخ فان الفكرة الرئيسية السائدة عندهم, على الاجمال, لم تخرج عن هذا التحليل الا فى التفاصيل والأساليب والتكتيكات.

وعندما قامت ثورة يوليو 52 لم يكن المنتصر فى هذا الصراع أي من الفريقين السابق ايرادهما, نظرا للضعف الهيكلى فى البنى الطبقية – الاجتماعية التى يمكن أن تمثل الحامل الاجتماعى للتغيير عن طريق الثورة الشعبية .. تلك البني التى كانت ترزح تحت وطأة تشكيلة انتاجية اجتماعية أقرب الى نمط الانتاج الاقطاعى (الريعى – الخراجى). وضمت المدينة أخلاطا من الرأسمالية الناشئة والقائمة على خليط من بقايا التقاليد الاقطاعية والممارسات الكومبرادورية التابعة, وكانت هناك الطبقة العاملة التى جرى استغلالها على نحو وحشى وعنيف وتم حرمانها من أبسط حقوقها الاجتماعية ومن معظم الحقوق النقابية والتنظيمية, وشريحة الموظفين الذين كانت تهيمن عليهم القيم المحافظة, والتابعين (فى الأعم الأغلب) لأيديولوجيا السلطة بأشكالها المختلفة .. الخ. فتكونت تلك الوضعية, التى تقبع (اجمالا) تحت منظومة القيم الأبوية (البتريركية) والطبقية (الهيراركية), والتى بقيت تتمتع بنوع من القداسة والمنعة. وهى الوضعية التى شكلت العوامل التى أدت الى ضعف الفاعلية المحتملة للتنظيم الاجتماعى الحر: كالنقابات والأحزاب والجمعيات .. الخ. ورغم قدم (بكسر القاف) الممارسة المدنية ومنظماتها المهنية والسياسية, منذ نهاية القرن التاسع عشر, الا أنها لم تكن من القوة والانتشار بما يجعلها قادرة على تجييش أمة بأكملها وراءها وقيادتها نحو اجماع سياسى عارم, رغم النجاح الذى تحقق فى قيادة الاجماع الوطنى ضد الاحتلال الانجليزى على نحو استثنائى. كذلك كان مفهوم الاستقلال الذاتى للفرد human outonomy , باعتباره عنوانا على وجود بناء اجتماعى مدنى حر وقادر على حمل أيديولوجيا التحرر بأدواتها التنظيمية والحركية المختلفة, منقوصا بسبب سيطرة القيم الأبوية - العائلية والطائفية.

2- الفريق الثالث:

لكل ذلك كان العسكر, فى غالب الأحيان, هم الفريق الأكثر جهوزية واستعدادا (من الناحية التنظيمية) للسيطرة على مقاليد الأمور لحظة قيام وانتصار ثورات التحرر الوطنى, أو بعدها. وهؤلاء العسكر, بالطبع, لم يكن منتظرا منهم اقامة أى نوع من الديمقراطية أواشاعة أى نوع من الحرية, بل قاموا باستنساخ أنماط القيادة العسكرية التراتبية الأقرب الى وعيهم وخبراتهم, والأكثر اتساقا مع بنية الوعى والموروث السائدين لدى الغالبية العظمى من الجمهور, وطبقوها على الحياة المدنية. فاقاموا نظاما شموليا تسلطيا واستبداديا (رغم الانجازات الوطنية غير المنكورة التى حققتها التجربة الناصرية على الخصوص) .. ينطلق هذا النظام فى بعض الأحيان من نوع من الاحساس بالفوقية والاستعلاء على الجماهير. بل والتعامل معها, فى أحيان أخرى, بنوع من الازدراء أوعدم الاكتراث (بصرف النظر عن قلة قليلة من المؤمنين بالخطاب الاشتراكى التقدمى. الذين لم يكونوا مطلقى السراح أو كاملى الحرية فى قيادة ثورة يوليو), مشبعين فى ذلك, وان كان على نحو غير معلن بالطبع وربما غير واع أيضا, بالفكرة الاستشراقية الاستعمارية, التى شكلت أحد روافد ثقافتهم السلوكية باعتبارهم منتمين (كضباط) الى طبقة الحكام , والقائمة على احتقار الشعب وعدم الثقة به.

ورغم نجاح السلطة المنتمية الى المؤسسة العسكرية فى تحقيق نوع من الاستقلال الوطنى وقدر معقول من التنمية الاقتصادية, عقب هذه الثورة, الا أن الحرية السياسية للمواطن قد تراجعت الى حدود بعيدة جدا عما كانت عليه قبلها .. تحت دعاوى وذرائع متعددة منها مواجهة العدوان الاسرائيلى أو حماية الثورة .. أو ما شابه .. هكذا ساد نمط الحكم الديكتاتورى وشاع استخدام التعذيب وتم اهدار كرامة المواطن وممارسة القمع الوحشى فى مواجهة أى حراك شعبى, ليس فى مصر فقط , بل فى كل أرجاء العالم العربى من أقصاه الى أقصاه (نتذكر مصائر شهدى عطية الشافعى والمهدى بن بركة وفرج الله الحلو .. وكل المناضلين من الشيوعيين والاخوان على حد سواء). الى الدرجة التى أصبحت فيها الجمهوريات (التى رفع معظمها شعارات تقدمية تماشيا مع الموضة السائدة فى ستينيات ذلك العصر, وأيضا للتمويه والخداع, وسرعان ما تراجعت عن ذلك بتغير الأقطاب وسيطرة الصرعة الجديدة) أشبه بملكيات العصور الوسطى المحكومة برجال العسس والمباحث الساديين .. تقبض على السلطة بالحديد والنار وتقوم بتوريثها (فى التطور الذى طرأ فى الفترة المتأخرة) للأبناء, وتقوم بتوزيع ثروة الأوطان على المحاسيب والمقربين من رجال (البلاط).

وهكذا تأجل مشروع تحرر الانسان العربى طويلا, رغم تحرر الأوطان. حتى هذا التحرر الذى أفضت اليه ثورات الاستقلال الوطنى, ما لبث أن تحول فى السبعينيات الى نوع من التبعية التى تسترها سيادة شكلية .. وصلت فى نهاية المطاف الى تبعية سياسية واقتصادية كاملة فى عهد مبارك ومعظم الحكام العرب المعاصرين له. تم هذا بالترافق مع ظهور الشرائح الرأسمالية الطفيلية المرتبطة عضويا بالرأسمالية العالمية ذات النزوع الامبريالى, وتدشين اجراءات تتبنى مفاهيم اقتصاد السوق القائم على الارتباط العضوى بالرأسمالية العالمية, بصرف النظر عن حاجات المواطنين وحاجة التنمية الوطنية والظروف الخاصة التى يقوم عليها الاقتصاد الوطنى المتخلف والمنتمى الى اقتصادات العالم الثالث أو مادونه. مما أتاح الفرصة لقيام نوع من النهب المنظم للثروة الوطنية والافقار المنهجى والمتواصل للطبقات الوسطى والكادحة.

فى الوقت نفسه, سيطر على هؤلاء الحكام نوع من الاعجاب المضمر بالغرب مصحوبا باحساس مفعم بالدونية تجاهه, وعجز مهين عن صيانة المصلحة الوطنية من بين براثنه, وصل مؤخرا الى حد الممالأة المفضوحة لقوى الاستعمار والصهيونية وتخل واضح (يصل الى درجة التواطؤ والتآمر فى حالة مصر)عن السيادة الوطنية والقضية الفلسطينية معا.

كل ذلك جاء مصحوبا بجرعات من التخريب المقصود لوعى الشعب عن طريق وسائل اعلام مدجنة وتعليم مشوه ومتدن, وقمع نفسى وبدنى ممنهج للطلائع الوطنية المعارضة, وصل فى بعض البلدان (ولايزال حتى هذه اللحظة) الى درجة اقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وارتكاب مذابح حقيقية فى حق الشعوب. طالت جميع القوى التى حاولت التغريد خارج سرب الحزب الواحد والرئيس الأبدى.

لقد كانت النتيجة الطبيعية لكل ذلك هى تجريف التربة المدنية وافقار الشرائح الرئيسية المكونة للطبقة الوسطى الحاملة للأفكار المدنية وصاحبة المصلحة فيها, ونفى وطرد أنبغ عناصرها ومفكريها الى الخارج.

3- جماعات الاسلام السياسى

واذا أضفنا الى ذلك عجز هذه النظم التسلطية عن بناء منظمات حزبية حقيقية واقامة حياة سياسية جديرة بأى نوع من الاحترام, ومع تجفيف منابع الفعل السياسى المدنى على النحو السابق ايراده الى جانب سيطرة أجواء القمع والقهر والانحطاط الفكرى والثقافى, فقد عانت الحياة السياسية من فراغ فادح وفقر مريع, لم يكن من الممكن أن يفرخ ذلك الوضع الا أنواعا من الوعى النووى الأولى البسيط الذى يمكن أن توفره المواعظ الدينية وكتب السحر والغيبيات .. وعلى ذات الموجة وبنفس الدرجة .. ظهور جماعات (الاسلام السياسى), التى ازدادت قوة وتجذرا, رغم هيمنة مناخات القمع والقهر على بلداننا (كما أسلفت). مستفيدة فى ذلك (أى هذه الجماعات) من كل أشكال الانحطاط التى وصلت اليها هذه المجتمعات. وممثلة, فى الآن ذاته, لأحد أبرز مظاهرهذا الانحطاط ومكوناته العضوية بامتياز, نظرا لبعدها المذرى عن كل ما حققه عصرنا من خبرات معرفية وتطور علمى وحضارى على مختلف الصعد. وكذلك لاستعدادها الانتهازى لأداء أدوار سياسية تقوم على تحالفات غير مبدئية مع هذا النظام فى مواجهة قوى اليسار, التى حاولت منذ بداية السبعينيات ايقاف عجلة الانقضاض على المنجزات الوطنية والمكتسبات الاجتماعية التى تحققت فى زمن الحقبة الناصرية فى مصر. كذلك استفادت تيارات الاسلام السياسى من الخطة الريجانية الثاتشرية القائمة على تديين العالم لمواجهة الخطر الشيوعى الذى رأوا أنه داهم, بعد التدخل السوفيتى فى أفغانستان. فتمت عمليات دعم وتسليح ودعاية واسعة النطاق لهذه الجماعات, الى جانب العمل على تديين وأسلمة الأفق الاجتماعى والثقافى العام, لتحقيق نفس الغرض (وصل الأمر الى حد مناداة البعض بأسلمة العلوم بانشاء علم اقتصاد اسلامى وعلم اجتماع اسلامى .. الخ), وانتشر ماسمى بالدعاة الجدد (والقدامى بالطبع) والقنوات والاذاعات الدينية.

وكان للمال النفطى السعودى دور محورى فى دعم وتقوية هذه القوى وتمكينها من شراء الولاء وتقديم الرشاوى الانتخابية (حتى هذه اللحظة هناك كراتين الزيت والسكر التى توزع على الفقراء وستزداد هذه الفاعلية فى شهر رمضان القادم) لشراء ولائهم.

ولقد كان للتحدى الدينى الذى خلقه وجود الكيان الصهيونى فى فلسطين تحت ذرائع دينية .. وطرح فكرة يهودية الدولة الاسرائيلية مؤخرا, دور هائل فى استفزاز مشاعر التعصب المضاد فى الجانب الاسلامى . فأسهم التعنت والاستكبار الاسرائيلى فى ايجاد أرضية بالغة المتانة والاتساع لقوى التطرف الدينى لدى قوى الاسلام السياسى.

كما كان لواقع الاحباط والافقار واليأس والهزائم الدور الأكبر فى دفع قطاعات واسعة من الجماهير الشعبية , وبخاصة فى الأرياف والمناطق الشعبية والفقيرة الى أحضان التدين, وبخاصة, الشكلى ذى المسحة الصحراوية الوهابية, الذى وصل فى أحيان كثيرة وعند بعض الجماعات, الى درجات من التعصب والعنف ضد كل من يخالف وجهة نظرهم تحت مسميات الجهاد ..

لذلك فان المستفيد الأول والوحيد من كل ممارسات القمع والخيانة اللتين قام بهما النظام المخلوع من قبل الثورة الراهنة , والمستفيد الوحيد من وجود وتعنت الكيان الصهيونى فى فلسطين والمستفيد الوحيد من المال النفطى .. كان قوى الاسلام السياسى والقوى الرجعية بصفة عامة, جنبا الى جنب مع قوى الفساد والرشوة ونهب المال العام. تارة باعتبارهذه الجماعات سلطويا نقيض الشيوعية المرعبة, وتارة أخرى باعتبارها, شعبيا, نقيض اللصوص والمطبعين من رجال السلطة, وتارة ثالثة من خلال حالة الاستقطاب الدينى الذى حققه وجود اسرائيل .. وتارة رابعة بقيام السلطة البائدة بمحاصرة وقمع كل الحركات والقوى والأحزاب السياسية المعارضة. فلم يتبق فى الساحات سواها ..

ليس هذا فقط , بل انها تتحرك من خلال المقدس الدينى الذى يحوز منذ البداية افتراض الصواب المطلق لدى العامة والبسطاء الذين اعتادوا تبجيل كل من يحمل صفة دينية, ولايجرؤون على مناقشته أو الاختلاف معه.

اختطاف ثورة الشعب :

لقد قامت ثورة 25 يناير ردا على وجود الفساد والخراب الذى أضحى مقننا وعلنيا , وفى الوقت نفسه, الانسداد السياسى الذى بدا فى أفق الحياة المصرية بعد احكام الحصار حول القوى السياسية الرسمية (الأحزاب) والتزوير العلنى للانتخابات الذى أصبح هواية أدمنتها أجهزة المخلوع. ومن ثم أصبح الفعل القانونى والدستورى مستحيلا, فانفتح الباب على مصراعيه الى الفعل الثورى الشعبى العارم الذى بدا أنه لامناص منه.

وبسبب هذا الضعف للقوى السياسية فانها لم تكن لتقوم هى بتفجير الثورة (لقد مهدت نضالات القوى السياسية وحركات الاحتجاج الاجتماعية لها بالطبع) لكن قام بها الشباب غير المسيس ولا المحاصر ولا المثقل باحباطات القوى السياسية ولا المقيد بالقيود الأمنية التى كبلتها. فكان هذا الشباب بمثابة النقيض الثالث الأكثر تطورا, حسبما تقول قوانين الجدل المادى. ولكن هذا الشباب منفرط وغير منظم فى أحزاب بعد, وخبرته السياسية محدودة وأشخاصه وقادته عير معروفين للجمهور العريض .. ولأن الثورة تحتاج فى النهاية الى من يترجم حصيلتها الى فعل سياسى على الأرض , فان القوى الأكثر عددا والأكثر تنظيما هى التى تربح الكعكة .. وهذا ما يحدث الآن بالفعل, حيث توارى الثوار ومن بذلوا الدم, أو تم دفعهم الى الخلف وتقدم السلفيون والاخوان .. ومن لم يفصح عن وجهه بعد!!!.

فهل تم اختطاف ثورتنا وانتهى الأمر؟ أم لازالت هناك فرصة لتثبيت مدنية الدولة المصرية واستنقاذ مصر من تهديد براثن الصحراويين الى نور الحرية والمدنية؟

أظن أن الاجابة هى: لا .. لن تختطف مصر . لأن مدنية مصر أقوى .. وقوة الزخم التاريخى والثقافى التنويرى فى مصر كبيرة جدا .. ولأن الشباب البديع الذى دفع الثمن دما وجراحا من أجل الحرية لن يقبل عودة الديكتاتورية بثوب دينى هذه المرة .. ولأن الشعب المصرى وان كان متدينا بطبعه الا أن تدينه طبيعى ووسطى ولايقبل أن يملى عليه أحد نوعا آخر من التدين . ولأنه قد آن الأوان لانشاء أوسع جبهة ممكنة بين كل القوى الديمقراطي والمدنية فى مصر , من أجل الحفاظ على مدنية ومصر وديمقراطية نظامها السياسى وحرية أبنائها.
هل ما أقوله يعد من الحقائق أم الأمنيات ؟؟

ربما كان الاثنين معا..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى