التجارة بالمرأة وشعارات الحرية
صرحت إحدى النسويات من صاحبات دكاكين التمويل الأجنبي:"المرأة ليست ملزمة بالرضاعة". وعلينا أن نتساءل أولا : لماذا تطرح قضايا المرأة من زاوية نقاط الاختلاف والشقاق، والعداء المفترض، من منظور التنافر وليس التكامل؟ بمنطق هي غير ملزمة بهذا، وهو غير مطالب بذلك، بينما تنمو العلاقات في المجالات كافة على أساس من الالتزام الطوعي المتبادل بين الطرفين؟ باختصار لماذا لا نبحث في العلاقة بين الرجل والمرأة من منظور البناء وليس المشاحنات والكراهية كما تصر على طرحها المنظمات النسوية المتمولة. لعل هذا ما دفع شيخ الأزهر د. أحمد الطيب إلى التصريح بأن تغذية روح المادية والعدائية داخل الأسرة "جريمة أخلاقية"، وهي جريمة ترتكبها بوعي النسويات اللواتي يموهن بوعي على قضايا المرأة الحقيقية بأخرى مصطنعة من باب تحليل القرشين واللمعة الاعلامية. في السياق نفسه تصرح سيدة أخرى منهن بأن أول ما قالته لزوجها أنه لا حقوق لديه "إلا في السرير". وتضيف:" لست عندها رسالة أحسن من شغل البيت، إنها تدلع جوزها"!
هكذا تشوه النسوية عندنا قضايا المرأة بخليط مفتعل، ثم تحيل المرأة نفسها إلى موضوع جنسي، فلا يعود هناك فرق بين نظرة الحركات السلفية والنسوية إلى المرأة سوى أن السلفية تجعل المرأة موضوعا جنسيا في إطار التقاليد والتراث، بينما تضعها النسوية في الاطار نفسه لكن تحت راية التحرر، وتصبح النسوية والسلفية وجهين لعملة واحدة، تتجاهل القضايا الأصلية وترى قيمة المرأة كلها على السرير. وبقضية " غير ملزمة بالرضاعة " ومثيلاتها، يفتعل صراع بين المرأة والرجل، بدلا من أن نرى الطرفين وحدة إنسانية تتكامل وتنمو بالحب والتعاطف والالتزامات المتبادلة. وبالصراع المفتعل والتركيز على ثنائية "الذكر والأنثى" تتم التغطية على أن الطرفين يواجهان معا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كما يتم التمويه على قضايا المرأة النوعية الحقيقية وفي مقدمتها ارتفاع نسبة الأمية بين النساء لدينا حتى أنها تصل إلى اربعين بالمئة، وهي ضعف النسبة بين الرجال. وقضية العبء الواقع على المرأة نتيجة أن خمس عشرة بالمئة من الأسر المصرية تعولها الأم، وأن أجور المرأة المنخفضة قياسا بأجر الرجل الذي يصل في القطاع الخاص في المتوسط إلى نحو تسعمئة جنيه، بينما تحصل المرأة على سبعمئة جنيه، وهي مشكلة عالمية لأن فجوة الأجور هذه تصل إلى خمسة وعشرين % على مستوى العالم، حتى أن الأمم المتحدة خصصت يوما للمساواة في الأجور في 18 سبتمبر من كل عام، بل وسنجد أنه حتى ساعات العمل أزيد عند المرأة منها عند الرجل. أيضا ترتطم المرأة المصرية بمجموعة تشريعات تحتاج إلى تعديل، منها أن شهادة المرأة في قضايا الأحوال الشخصية تعد نصف شهادة، بالرغم من أنه لا توجد في القانون مادة تنص على ذلك، لكن المحاكم بشكل تلقائي تعمل على أساس أن شهادة المرأة نصف شهادة. أيضا تعاني المرأة من مشكلة أحكام بيت الطاعة، رغم أن شيخ الأزهر قد صرح بأنه "لاوجود لبيت الطاعة في الإسلام".
هذه هي مشكلات المرأة الحقيقية وليس أن المرأة غير ملزمة بالرضاعة، وهي مشكلات سيحلها الرجل والمرأة معا، بالالتزامات المتبادلة، والمحبة، وليس بالتنقيب عن نقاط الكراهية والتنافر، ويشهد تاريخ الفكر المصري بأن الرجال كانوا أول من ناصر حقوق المرأة قبل أن تظهر نسوية التمويل بزمن طويل، وتموه على هموم المرأة بقضايا موهومة لمجرد اللمعة الاعلامية وشغل الأنظار عن الواقع تحت رايات التحرر، ووسط زغاريد زائفة.