الأحد ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم ممدوح طه

التحرر الثقافى أعلى مراحل الاستقلال

"الآرابوفونية" ثقافة حوار لاتبعية ، وسلام لااستسلام ..
 لهذا تستعصى على الذوبان فى" الأنجلو أو الفرانكوفونية "

لم يعد ممكنا فصل الثقافى فى العلاقات الدولية عن السياسى ، بما جعل معظم الصراعات العالمية تحركها عوامل ثقافية ، وبما جعل العولمة ذاتها تسبق تقدمها السياسى فرق الموسيقى الثقافية ، و تتعثر حركتها أما م الخلفيات الثقافية للشعوب ، وبما جعل " الفرانكوفونية " تنشأ فى مواجهة " الأنجلوفونية" ، و"الأمركة" تنشأ لوراثة " الأنجلوفونية" سعيا لقيادة حركة " العولمة" .

والأمر فى النهاية هو شكل من أشكال المواجهة بين قوى الإستعمار القديم وقوى الهيمنة الجديدة بالثقافى وصولا إلى السياسى ، وبالسياسى وصولا إلى الاقتصادى ، وبالاقتصادى للسيطرة على ثروات شعوب العالم لتحقيق أهداف الرأسمالية الدولية بالانتصار النهائى على الاشتراكية ، وتنصيب وحيد القرن الأمريكى إمبراطورا للعالم ،وفقا لنظرية نهاية التاريخ التى روج لها " فوكوياما" .

وتتحرك هذه المواجهة المستترة غالبا والعلنية أحيانا بتأثير أحلام الدول الكبرى " العجوز" فى استعادة نفوذ " الصبا" الاستعمارى القديم فى مستعمراتها السابقة ، بينما تهدد هذه الأحلام الأوروبية القديمة ، أحلام منافسة لقوى الهيمنة الأمريكية الجديدة " الشابة" الساعية إلى وراثة الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية وفقا لمشروع "القرن الأمريكى" الذى يبدو حاليا آيلا للسقوط بفعل الرفض العالمى ، رغم كل محاولات ترميمه على يد المحافظين الجدد فى واشنطن .

لكن هذا التنافس المحموم لإعادة تقسيم النفوذ فى العالم ، وخاصة فى شرقنا العربى، والذى ينفذ إلى السيطرة السياسية والاقتصادية عبر البوابة الثقافية يجد فى مواجهة نفاذه سعيا لنفوذه ، مواريث ثقافية عريقة لحضارات و رسالات لديانات سماوية عميقة الجذورلدى الشعوب يصعب اقتلاعها بما تشكل حوائط صد أمام هجمات الغزو الثقافى أو الوصاية السياسية يصعب تجاوزها، مما يجعل التناقض طبيعيا بين الثقافات الغربية والثقافات القومية للشعوب ، وبالتالى بين السياسات الغربية والسياسات العربية ، وبما يفرض على الطرفين إما الحوار وإما المواجهة.

ولاتتورع بعض القوى الاستعمارية الكبرى فى محاولاتها لفرض الهيمنة على خيارات وثروات غيرها من الشعوب عن القيام بالمغامرات الفاشلة لإعادة الاحتلال من جديد بوسائل الغزو العسكرى لفرض الأنماط الثقافية الغربية والغريبة على شعوب الحضارات الأخرى تطبيقا لأفكار "صراع الحضارات" التى روج لها " هانتنجتون " .

غير أن هذه المغامرات العسكرية كثيرا ماتتخفى وراء شعارت ثقافية ، ولافتات إنسانية تستهدف بها تذويب مناعة الشعوب ضد التبعية بكل أشكالها فى محاولة لتطبيع " القابلية للاستعمار"f خصوصا لدىالأجيال الجديدة البعيدة نسبيا عن قيمها الحضارية والدينية ، لتستسلم فى حالة من الاستلاب الثقافى ، إنبهارا بالقيم العصرية الغربية الحديثة بفعل الصورة النمطية البراقة التى تروجها عبر وسائل الاتصال الجديدة بفعل ثورة تكنولوجيا الاتصالات.

وحتى تحت لافتات الحوار بين الحضارات أو الحوار بين الثقافات التى نراها وسيلة لإحلال الحوار بدلا من المواجهة بين الأنا والآخر، تحاول تلك القوى الاستعمارية القديمة بأوهام استعادة النفوذ القديم ، والقوى الاستعمارية الجديدة بأحلام الهيمنة الجديدة فىظل العولمة ، فرض نماذجها وأنماطها وقيمها الثقافية، التى هى نتاج لسياق حضارى مغاير خصوصا لشعوب مازالت قيمها الثقافية النابعة من معتقداتها الدينية البناءة ومن ميراثها الحضارى المبهر عصية على الذوبان فى الآخر.

وتبدو شعوبنا العربية ذات الميراث الحضارى العريق ، والمبشرة بالرسالات الدينية السماوية العظيمة هى النموذج الساطع للشخصية الحضارية ذات الخصوصية الثقافية التى لم تفلح بعد كل فيروسات " الإيدز الثقافى " وكل ميكروبات " الانهزام الحضارى " وكل أعراض " النصرفوبيا "أن تفرض عليها الاستسلام الفكرى ولا القابلية للسيطرة والخضوع ..

والدليل على ذلك تلك المناعة الذاتية " للآرابوفونية" التى استعصت على الذوبان فى المؤتمر الفرانكفوني الأخيرفى رومانيا بوصاية فرنسية ، حينما دفعت نزعة الوصاية على لبنان العربى الرئيس الفرنسى للتدخل المباشر فى الشأن اللبنانى لتغليب طرف يتوافق مع الإليزبه ، على طرف يرفض الوصاية الفرنسية ..
كما دفعت تلك النزعة المرفوضة "الموسييه" الفرنسىإلى الوقوع في مجافاة القواعد البروتوكولية المحترمة بين الدول ، وإلى الخطأ البالغ فى الحساب
بعدم توجيه الدعوة لرئيس جمهورية لبنان الذى كان رئيسا لأهم مؤتمر فرانكوفونى على الإطلاق ذلك الذى عقد فى بيروت عام2000 وجعل لهذه الحركة الثقافية الدولية وزنا سياسيا ..

لأن الثقافة الديمقراطية الفرنسية لديها مشاكل نفسية مع ذلك الطراز من رؤساء الجمهوريات العرب الذين يرفضون الوصاية الفرنسية مثل الرئيس اللبنانى والرئيس السورى ، وباعتذار رئيس الوزراء عن الحضور فشلت محاولة للوقيعة بين القوى اللبنانية ، وبغياب القيادات العربية عن مثل هذا المؤتمر خسرت فرنسا أيضا مشاعر لبنانيين يعارضون " لحود " وخسرت الفرانكوفونية عربا يخالفون " بشار".

وفى الوقت الذى تستعصى فيه الثقافة " الآرابوفونية " على الذوبان فى " الفرانكوفونية " وفى" الأنجلوفونية" وفى " العولمة الأمريكية" ، تشعر فيه الأمة العربية الهائلة الثراء بالقيم الدينية التى نزلت من السماء على أنبياء من أبنائها ، وكا نت أرضها هى حاضنة رسالاتها، وشعبها هو المبشر بها فى العالمين، أنها أمة حوار مع الآخر لاتبعية ،وأمة كرامة لامذلة ، وأمة سلام لا استسلام ، حاملة رسالة السماء للأرض لخير الإنسانية ، والوريث الشرعى والتاريخى لأولى الحضارات العالمية التى انفتحت على البشرية كلها وخاصة على أوروبا من الأندلس بضياء العلوم والثقافة والمدنية فى عصور الظلام .

ومن هنا ترتطم محاولات الاستعمار الجديد والهيمنة و غارات الغزو الثقافى من قوى أوروبية ليست لها عمق الجذور ، وأمريكية ليست لها أية جذور، كما سبق وارتطمت من قبل بمقاومة شعبية عربية وإسلامية ، ثقافية وحضارية ، مما دفع تلك القوى للعداء لكل ماهو دينى إسلامى وقومى عربى باعتباره ذخيرة المقاومة للتبعية ودرع المناعة على الخضوع، ونبع النضال من أجل التحرر ، من كل أشكال الاستعمار الثقافى والسياسى والاقتصادى ، بأشكاله القديمة والجديدة .. مع إدراك عميق بأن التحرر الثقافى هو أعلى مراحل الاستقلال .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى