الأربعاء ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم عيسى شريط

التقوقع حول الذات وزيف إشكالية المقروئية

مهما كان رأي الأديب والناقد في الفعل الأدبي الجزائري الراهن سواء اعتبره جيدا أو رديئا، يظل هذا الرأي نافعا يعكس على الأقل، الاهتمام بما ينشر..من المواضيع التي أثارت وتثير الجدل ما يلتصق بمحتوى النص وبالمقروئية ، وهما في اعتقادي موضوعان يستدعيان المناقشة المستمرة تحقيقا لغاية السعي خلف ترقية الفعل الإبداعي الأدبي من جهة، والمساهمة في البحث عن السياسة الملائمة لفضاء الكتاب ذلك لأن الموضوعين يعدان من العوامل الأساسية المساهمة بشكل مباشر في ترقية الكتاب كتابة وصناعة..أما في يتعلق بغياب المقروئية أعتقد جازما أن هذه الإشكالية مزيفة سواء بالنسبة للقارئ الجزائري خصوصا أو القارئ العربي عموما، لا يمكن أن تعكس حقيقة هذا القارئ المتهم دوما باللامبالاة واللإهتمام، هذا الاستنتاج استخلصته من تجربة خاصة مكنتني من الوقوف على زيف هذه الإشكالية، واعتقادي أن المصدر الحقيقي الذي ساهم في تنفير هذا القارئ يكمن في المواضيع ذاتها التي تناولتها النصوص النثرية الجزائرية..خضت تجربة نشر رواية متسلسلة موسومة "الجيفة" بإحدى الصحف اليومية، اعتمدت فيها التطرق الى معاناة الإنسان الجزائري الراهنة خصوصا الاجتماعية منها، بأسلوب يقترب جدا من الواقع المعيش، وكانت مفاجأتي كبيرة حين تلقيت عشرات الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية والمداهمات في الشارع، تعكس الاهتمام الكبير الذي أولاه القراء للرواية مما دفعني الى الاعتقاد بأن إشكالية المقروئية المطروحة في الجزائر إشكالية مزيفة..القارئ يقبل بشغف على استهلاك الأعمال النثرية التي تعتنق همومه وأماله وما عدا ذلك فلا يعنيه على الإطلاق، وأقصد هنا تحديدا تلك النصوص التي تتقوقع حول ذاتها- ذات الكاتب- التي تصول وتجول في فضاءات وهمية لا قرار لها، وتندرج ضمن فلسفة الذين يتكلمون كي لا يقولون شيئا في النهاية..وقد نجد من القراء الجزائريين العاديين جدا من التهم كل أعمال نجيب محفوظ رحمه الله مثلا، لأنها بكل بساطة اعتنقت الهم الاجتماعي المصري بكل تفاصيله، ولعله فعل الإسقاط وحده هو الذي دفع بهؤلاء القراء الى قراءة هذه الأعمال، لماذا يصر الروائي الجزائري على الخوض في مواضيع لا تعني أحدا سواه؟..ربما يسعى الروائي الجزائري عبر هذه الأعمال الذاتية الى مغازلة النخبة فقط ، مما يحتم عليه استعراض مهاراته الإبداعية والفكرية والتأملية الفلسفية بين قوسين؟..المادة الروائية المعروضة على القارئ إذا، هي التي ساهمت في تنفيره وبالتالي المساهمة في إحداث إشكالية فقدان المقروئية خصوصا في أوساط القراء المعربين، في حين يؤكد أصحاب دور النشر أن القارئ "المفرنس" وحده يشكل النسبة الكبيرة من المقروئية عبر إقباله بشغف على استهلاك كل ما ينشر من روايات باللغة الفرنسية، وأصبح هذا الطرح – المزيف أيضا- من المسلمات دون تمرير السؤال التقليدي "لماذا؟"..والسبب في اعتقادي ليس في توفر واهتمام القارئ بالفرنسية إنما يكمن في محتوى الروايات، والتي اعتنق معظمها الهم الجزائري من كل الزوايا عبر نقد سياسي واجتماعي وثقافي جريء، وهو الأسلوب الذي يستهوي كثيرا القارئ الجزائري والعربي أيضا..لو تحذوا روايات الحرف العربي حذو نظيرتها "المفرنسة" عبر اعتناقها للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي بكل التفاصيل الجريئة لتمكنت من استقطاب اهتمام القارئ، وبالتالي المساهمة في ترقية فعل القراءة..

وخلاصة الكلام ألتمس من الكتاب أن يلتفتوا قليلا الى هذه الإشكالية النصية من حيث المحتوى والتمعن فيها، ربما ذلك يقنعهم بالعودة الى واقعهم وبيئتهم ومجتمعاتهم وهمومهم التي ربما يتجنبون النظر إليها، وبالتالي يمكنهم القيام بالدور المنوط بهم – بعيدا عن ادعاء النبوة- عبر الفعل التعبوي والتنويري والنقدي والجمالي، ذلك فقط ما يصب في النهاية يقينا، في ترقية الإنسان الجزائري على الخصوص والعربي على العموم.. أما إذا عجز الأدب عن تحقيق مثل هذه الغايات التي وجدها فرضا من أجلها، فلماذا بقاؤه وديمومته أصلا؟...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى