السبت ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
أشرف شهاب يلتقي المخرج المصري سمير عصفور
بقلم أشرف شهاب

الجمهور ضائع بين المخرج والممثل

الكثيرون منا يعرفون اسم المخرج الكبير سمير العصفورى ، ويعرفون أنه واحد من قلة قليلة من المخرجين الجادين فى المسرح المصرى. ولكن الكثير من معجبيه هم الذين لاحظوا أنه يحيط نفسه فى الفترة الأخيرة بدائرة من الصمت، والتوقف عن الإبداع على خشبات المسرح. قدم العصفورى مسرحيات نجحت فى توصيل رسائل جادة فى قالب كوميدى، ومن أشهر أعماله مسرحية "العيال كبرت"، و "بوم شيكا بوم"، و "ألابندا" ، وغيرها. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود إلتقى سمير العصفورى، ودار بينهما الحوار التالى:

 فلسطين: قدمت الكثير طوال حياتك الفنية لمسرحى القطاع العام، والخاص. ولكنك منذ فترة طويلة لم تعد تمتعنا بأعمالك الجميلة. لماذا؟

 سمير العصفورى: عندى مشاكل كبيرة فى إختيار النصوص الملائمة للعروض، وفى إختيار الفنانين المناسبين لتقديم هذه الأعمال. وأنا مصر على التدقيق جدا فى أعمالى، ولا أحب أن ترى النور إلا بالشكل الذى أراه أنا مناسبا للعمل، وبما يليق بمكانتى وبتاريخى الفنى. وبالتالى أدت هذه العوامل إلى قلة ظهورى، وخروجى بأعمال جديدة.

 فلسطين: ولكن هناك مجموعة ضخمة من الفنانين الذين نراهم يوميا على شاشات التليفزيون والسينما والمسرح.. فلماذا لا تجد بينهم من يتمتع بإمكانيات للعمل معك؟

 سمير العصفورى: أحترمهم جميعا، ولكننى لى شروطى الخاصة لمن أتعامل معهم من الفنانين، وهناك عدد من الفنانين الكبار والعمالقة الذين أتعاون معهم، ولدينا تاريخ مشترك من العمل والصداقة، ولن أتوانى عن التعاون معهم عندما تأتى الفرصة المناسبة.

 فلسطين: هل هذا الإقلال من الأعمال الفنية قرار مقصود؟

 سمير العصفورى: لا ليس قرارا مقصودا، وإنما الهدف منه هو البحث والتأنى حتى تأتى النتائج بأنسب شكل. وهناك حقيقة أحب أن الفت نظرك إليها هى أن النجم هو الذى يختار العرض، هذا ما يحدث حاليا، وطالما أن الأمور تسير بهذا الشكل فإن على المخرج أن يكون واضحا ومحددا جدا فى أساس اختياره للنجم قبل أن يعرض عليه العمل معه. وفى المنتصف بين المخرج والنجم يضيع الجمهور الذى هو العنصر الأهم فى العمل الفنى لأنه الهدف الأساسى للعمل.

 فلسطين: هل تعنى أن المخرجين والفنانين يفتقدون لرؤية ما يحتاجه الجمهور؟

 سمير العصفورى: نعم. ما زلنا فى حقيقة الأمر نعانى من عدم معرفة حقيقة ما يريده الجمهور. وهل يريد الجمهور مجرد الضحك؟ أم يريد السخرية من الواقع السياسى والاقتصادى والإجتماعى ؟ أم يريد الترويح عن نفسه والتنفيس عن همومه؟ هل يريد المسرح التحريضى؟ وما نفع الخطاب النقدى المسرحى فى وقت لم تترك فيه القنوات الفضائية شيئا إلا وانتقدته؟ نحن فى الواقع محاصرون بكم هائل من الأسئلة التى تحتاج إلى إجابات واضحة وشافية حتى يمكن أن يتقدم المسرح بخطة واثقة.

 فلسطين: الواقع أن لدينا مشكلة أعمق وهى تتناقض نظريا مع ما تطرحه. فالمبدعين دائما يلقون بالتهمة على الجمهور، ويلقون فى وجوهنا بعبارة "الجمهور عاوز كده" على أنها قاعدة مقدسة يجب أن نحترمها.. مما يعنى أنهم فهموا الجمهور، وأن النقاد هم الذين لا يريدون إدراك هذه الحقائق.

 سمير العصفورى: لا أرى تناقضا هنا.. قلت أن الجمهور مظلوم بين المخرج والنجوم. وما تقوله هو جزء من هذه المشكلة حيث أن الجميع يحاولون أن يقولوا أنهم يفهمون ما يريده الجمهور.. ويعتبرون أن ما يقدمونه هو ما يريده الجمهور. وهذه ليست حقيقة لأنه للأسف لا توجد معايير واضحة للمسرح. ولا يمكن ان أقيس الإبداع المسرحى فى مصر على فترة الصيف فقط حيث أن لهذه الفترة نوعية محددة من الجمهور.

 فلسطين: نحن فعلا ضائعون بين مسرح القطاع العام ومسرح القطاع الخاص، ومسرح المقاولات وغيرها من العبارات التى لا أدرى السبب فى تعددها وتنوعها.

 سمير العصفورى: حتى نحن نضيع بسبب محاولة البعض فرض شروطه الخاصة على الناس، وعلى الوسط الفنى بحجة أنه الأقوى والأكثر فهما. وأنا أرفض هذه التصنيفات وأرفض أن يفرض النجم شروطه على المخرج. فالمخرج هو سيد العمل ولا يمكن أن أتصور نفسى وقوم بإخراج عمل بالتفصيل على مقاس نجم معين، أو على مقاس جمهور معين حتى لا أفقد مصداقيتى. كما أرفض التداخل بين عمل الفنان وحجمه فى العمل ورؤية المخرج وحجمه فى العمل.

 فلسطين: ماذا تقصد بهذه العبارة؟

 سمير العصفورى: أقصد أن دور النجم ورؤيته محاطان بظروف حجمه فى العمل كممثل واحد أما المخرج فتحكمه الرؤية العامة والشاملة للعمل ككل، وتحكمه عوامل مختلفة مع الوظائف الأخرى التى تحيط بالعمل الفنى فالمسرح ليس مجرد ممثلين، بل هناك أدوار أخرى للديكور والإضاءة وغيرها. وبالتالى لا يجب أن تتداخل الحدود بين عمل أحدهما والآخر. لا يمكننى أن أغامر كمخرج وأترك لأحد أن يفرض شروطه ثم أنظر إلى قاعة المسرح فأجدها خاوية من الجمهور.

 فلسطين: البعض يطالب الدولة بأن تتدخل لدعم مسرحها والبعض ينادى بعكس ذلك، ويطالبون بخصخصة المسارح.. هل تعتقد أنت أن مسرح الدولة ممل وقاتل لدرجة أن يطالب البعض بإغلاقه بحجة أنه يقتل الممثلين؟

 سمير العصفورى: لا يمكن أن نطلق الأحكام بصفة عامة. فمشكلة مسرح الدولة وحتى مسرح القطاع الخاص هى الإدارة.. وإذا توافرت الإدارة الجيدة سنشاهد حياة مسرحية نشيطة وفعالة. وعلى سبيل المثال ليست كل مسارح الدولة مملة وقاتلة للإبداع. أنظر مثلا إلى مسرح الهناجر الذى شاهدنا عليه مسرحيات عظيمة وناجحة، ومسرح الطليعة الذى قدم عددا كبيرا من الأعمال التى لا يمكن إغفالها. وأنا كنت فى وقت ما مديرا لمسرح الطليعة، ونجحت إلى حد كبير فى تحريره من البيروقراطية. ورغم ذلك تم التحقيق معى فى إحدى المرات بحجة إهدار المال العام سبب عدم توريدنا لقرشين (ملحوظة: الجنيه المصرى يساوى مائة قرش والدولار الأمريكى يساوى ستة جنيهات وخمسة وعشرين قرشا). وبالتالى يجب أن ألتمس العذر لمن يعملون وسط قيود روتينية لا تراعى ظروف الإبداع الفنى. ولكن مثل هذا الموقف لا يعنى أن على الدولة أن تتخلى عن مسرحها. بالعكس يمكن أن نقدم أعمالا جيدة، وأن يلعب مسرح الدولة دورا لا يمكن الإستهانة به لعدة أسباب منها أنه لا يسعى وراء المكسب فقط كما هو الحال فى بعض مسارح القطاع الخاص، بل يقدم رسالة ولديه مسئوليات إجتماعية لا يمكن أن نمحوها بجرة قلم.

 فلسطين: البعض يتهم الروتين أيضا ويقول أنه عندما يصل الفنان الموظف فى الحكومة إلى درجة مدير مسرح يكون قد كبر وأصبحت قدرته أو رغبته فى التغيير قد توقفت..

 سمير العصفورى: هذا أيضا صحيح، وهو واحد من عدة عوامل.

 فلسطين: هل صحيح أن الفنانين يهربون من مهمة إدارة مسارح الدولة؟

 سمير العصفورى: هذه إشاعة غير حقيقية.. فهناك دائما من يشتاق إلى تولى الوظائف الكبيرة.. وهؤلاء عددهم أكبر من عدد المناصب المتاحة. وبالتالى نلاحظ أن هناك تقاتلا وصراعات للوصول للكرسى. ولكن المشكلة الحقيقية التى أراها هى غياب الصف الثانى من الإدارة المؤهلة.

 فلسطين: جيلكم هو السبب فى هذه المشكلة؟

 سمير العصفورى: لا مجال للتعميم. وإذا كنت أتحدث عن نفسى فإننى أستطيع أن أنفى لك هذه التهمة بسهولة. فقبل تركى لموقعى كمدير لمسرح الطليعة تركت ليس فقط صفا ثانيا، بل وصفا ثالثا من الأجيال القادرة المتدربة على الإدارة. ومن بين من هذه الأسماء أذكر لك المخرج محمود الألفى، والفنان أحمد ماهر، والفنان أحمد عبد العزيز، والمخرج إنتصار عبد الفتاح. ومن جيل الشباب هناك المخرج ناصر عبد المنعم.. وغيرهم الكثير وكلهم معروفون ومشهود لهم بالكفاءة. لقد كان معى خمسة نواب للمدير، وكنت أسند إليهم الإدارة بالتناوب. وأذكر أن الفنان محمود مرسى عندما كان يدير المسرح الحديث كان يكلفنا أنا وعزت العلايلى وحمدى أحمد بتحمل مسئولية الإدارة بالتناوب كل ليلة. ومن خلال هذا الأسلوب تعلمنا الإدارة. ولكن للأسف أصبحنا الآن نرى من يدير وهو لا يمتلك الفكر ولا يمتلك الرؤية المناسبة للإدارة.

 فلسطين: حديثك عن تجربة تناوب الإدارة ونقل الخبرة يدفعنى للسؤال عن سبب إحجام المخرجين الكبار عن تنظيم ورش ودورات تدريبية لنقل الخبرة وتعليم أصول فن التمثيل.

 سمير العصفورى: نظام العمل فى مسارحنا لا يتيح لنا هذه الفرصة، فلا يوجد استقرار يمكن من خلاله تنظيم هذه النوعية من الورش التدريبية. وعملية التدريب تحتاج إلى جهد جبار ومستمر حتى تثمر. وهنا أشيد بجهود الدكتورة هدى وصفى مديرة مسرح الهناجر التى تعتبر رائدة فى هذه التجربة حيث تعمل بجد وإصرار على تاسيس جيل جاد ومجهز بالمعرفة اللازمة.

 فلسطين: لديك تجارب ناجحة ولكن هناك أيضا تجارب غير ناجحة.. فما هى الأسباب التى يمكن أن تؤدى إلى فشل عمل مسرحى؟

 سمير العصفورى: فى البداية أكون متحمسا للعرض.. وبعدها يحدث نوع من أنواع عدم التوفيق.. والتوفيق من الله ولا يمكن أن يتم قياسه لأنه لا يمكنك أن تحكم على مدى إقبال الجمهور على العمل الفنى. وعندما أتعامل مع منتج أجد أنه يريد أن يكسب الملايين من وراء العمل الفنى إعتمادا على تاريخى الفنى.. ولكن الحقيقة أن هذه الملايين لا تتحقق إلا فى ظروف إستثنائية، ويصعب تحقيقها فى مجتمع يعانى من أزمات إقتصادية ضخمة كمجتمعنا المصرى. كما أن هناك مشكلة أن المنتج فى القطاع الخاص يعتقد أنه يمكن أن يتكرر النجاح فى كل مرة، ويتعجل هذا النجاح، وبالتالى يأتى الفشل. وفى إحدى المرات ماتت المسرحية قبل أقل من ثلاثين يوما على ولادتها بسبب الإستعجال. وأنا هنا لا اريد أن أنفى التهمة عن نفسى، ولكن أعترف أننى أخطأت بإختيارى نجوما لم أكن مقتنعا بهم. وفى مسرحية "حبيبى يا" وجدت نفسى أمام جمهور رافض للعمل فلم يكن أمامى سوى إسدال الستار على العمل ككل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى