الاثنين ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم أحمد الخميسي

الحركة الثقافية وحياة خليل كلفت

ارتجفت يدي وأنا أسجل على رأس المقال يناير 2007 ! إنه عام جديد حقا ، إنه يعلن عن نفسه ، ويقول لنا إنه عام جديد حتى لو واصلنا نحن حياتنا القديمة ، وتظاهرنا بأن شيئا لم يحدث ! وكل وقت جديد يرتبط بإحياء آمال ما في النفس ، وبعث ذلك التصور المتفائل بأن الزمن يمنحنا فرصة أخرى ، وصفحة بيضاء جديدة ، ويرقبنا ليرى إن كنا سننتهز هذه الفرصة ونعيش بشكل مختلف أم لا . أمنيات عديدة تصحو مثلما تتفتح أوراق الشجر ، وكلها أمنيات بسيطة ، أقرب إلي السير على الأرض منها إلي تحليق يعبر السماء بعنفوان وقدرة ورغبة جارفة . في مقدمة أمنياتي مع مطلع العام الجديد ، وربما تكون تلك كل الأمنيات ، أن أرى أصدقائي أصحاء لا أكثر . لم يعد يهمنى كثيرا ما يكتبون ، ولا ما يفعلون ، المهم أن يكونوا أصحاء سالمين . أن أرى نعمات البحيري تواصل إطلاق ضحكاتها ، وتهب الجميع الأمل الذي هي أحوج ما تكون إليه . وأن أرى خليل كلفت الكاتب والمترجم وقد شفي من مرضه ، واستطاع أن يجوب القاهرة كلها من جديد ، وأن يواصل الكتابة والإبداع . وأن يتوفر الدواء الغالي لابن الكاتب أمين ريان ، فلا يعاني من الضائقة التي تمسك بخناقه . وأن أجد أنور إبراهيم وقد تخلص من هم تكاليف عملية القلب المفتوح . أريد أن أتمنى لنعمات البحيري من صميم القلب عاما جديدا سعيدا ، تواصل فيه وهي المريضة شفاءنا جميعا بالتفاؤل وبثقتها الغامرة في أن كل يوم جديد هو مكسب يجب أن نحياه ، حتى لو كانت الدولة واتحاد الكتاب مازالا كالعادة يتظاهران بالعجز عن تقديم شئ لها في محنتها الصحية . ولكني أود أن أتوقف عند حالة خليل كلفت ، الناقد ، والمفكر السياسي ، والكاتب ، والمترجم ، الذي أثرى الثقافة المصرية بالعديد من الأعمال الهامة . فقد أصيب خليل بفيروس الكبد الوبائي سي ، الذي تطور منذ عامين لورم غير حميد ، وفي حينه ساهمت الدولة في إجراء عملية قسطرة في المستشفى العسكري بالمعادي ، ثم انتهت مدة سريان القرار الكريم ، وتوقف علاج خليل كلفت ، وأجرى خليل عملية أخرى بمساعدة مالية من أصدقائه ، ومع مرور الوقت وتراجع الحالة الصحية ، لم يعد ممكنا لانقاذ حياة خليل كلفت سوى عملية زراعة كبد ، وهي جراحة لا تجرى في مصر ، وتترواح تكلفتها ما بين مائة ألف إلي مائتي ألف دولار أمريكي ، أي حوالي نصف المليون جنية مصري . وقد بدأ أصدقاء خليل كلفت في جمع تبرعات لإجراء العملية . لكن المبلغ المطلوب يفوق قدرات كل الأصدقاء .

لقد رحل من قبل أمام أعين الجميع شاعر شاب وصحفي شريف هو فتحي عامر ، وكان بحاجة لعملية مماثلة ، فلم يتحرك أحد ، و ادعى اتحاد الكتاب في حينه ، والدولة ، ومؤسساتها الثقافية ، ومجالسها المختلفة ، أنها لم تسمع نداء فتحي عامر ، وطلبه العلاج . وها هي نعمات البحيري تعاني من المرض في صمت وكبرياء فلا يعيرها أحد انتباها . وأذكر من قبل الأزمة التي استحكمت حين مرض طاهر البرنبالي . والمحصلة دائما واحدة : لا شئ . وقد اعتدنا ألا تتحرك الدولة ، لأنها ليست بحاجة لمثقفين خارج إطار السياسة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للدولة ، ومن ثم فإنها تعتقد وتتصرف على أساس أن ذنب المثقف على جنبه ، وعلاجه على حسابه ، ما دام قد تخير أن يكون خارج الحظيرة . لكن تكرار حالات المرض المستعصية أصبحت تستلزم أكثر من مجرد إلقاء اللوم على الدولة ، أصبحت تستلزم أن يتحرك المثقفون أنفسهم دفاعا عن حياتهم بالمعنى المباشر لكلمة حياة . وحل تلك المشكلة لا يتطلب من المثقفين معجزة ، ولا هو إجراء خياليا . والشعور بالتضامن بين قطاع كبير من المثقفين كفيل بتأمين العلاج لهم ، ولغيرهم ، ووضع أساس لتفادي ذلك الشعور بالعجز والحيرة في مواجهة كل صديق مريض . لقد أصبح المثقفون بحاجة ماسة إلي شكل محدد ، وليكن صندوق الأدب ، يشارك فيه من يرغب باشتراك شهري ، ويكفي جدا أن يكون هناك ألف مثقف يدفع كل منهم شهريا عشرة جنيهات ، ليتجمع لذلك الصندوق مبلغ ضخم ، يوضع كوديعة تتزايد وترصد فقط لعلاج الأدباء والكتاب ، على أن يعمل من يريد في خدمة الصندوق ، شرط أن يكون عمله بلا مقابل . لقد حاول الكتاب منذ زمن إنشاء أكثر من شكل يجمعهم ، ويستجيب لمطالبهم السياسية والاجتماعية ، لكنهم لم يتمكنوا – للأسف – من القيام بتلك الخطوة . أذكر أنه كان هناك محاولة لإقامة اتحاد كتاب مستقل ، ثم جبهة مثقفين ، ثم حركة أدباء وفنانين من أجل التغيير ، ولكنها جميعا لم تستطع أن تستوعب لا مطالب ، ولا حركة الكتاب ، واكتفت كلها في الأغلب الأعم بالتجمع لحظات ظهور أزمة هنا ، وأخرى هناك ، ثم الانفضاض . إنني أدعو الجميع للمشاركة ، وللتحرك ، ولانشاء الصندوق ، وليكن إنقاذ حياة خليل كلفت خطوة أولى نحو ذلك الهدف . إما إذا كنا غير قادرين على حماية أنفسنا ، رغم توفر الإمكانية ، فلماذا نلوم الدولة ؟

مازلت في مطلع العام الجديد لا أتمنى سوى أن أرى أصدقائي سالمين أصحاء ، يكتبون وقتما يريدون ، أو لا يكتبون ، يترجمون حينما يعن لهم ، أو لا يترجمون ، فلم تعد القضية حماية الثقافة ، لكن الدفاع عن الحياة بالمعنى المباشر لكلمة حياة . عام سعيد للجميع .

***


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى