الجمعة ٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم أحمد الخميسي

الدكتورمحمد غنيم من أحلام مصر

المرة الأولى التي سمعت فيها بمركز علاج الكلى في المنصورة وبالدكتور. محمد غنيم لم تكن في القاهرة، بل في موسكو، عام 85 أو86، عندما جاءنا زميل مصري لعلاج الكلي، وتوجهت معه إلي أفضل معهد في روسيا، وهناك فحصه أستاذ كبير ثم سألني بدهشة: لماذا لم يتوجه زميلكم إلي د. محمد غنيم ومركز الكلى بالمنصورة ؟! ليس لدينا ما يمكن أن نقدمه له أفضل مما يستطيعون في مصر. تلجلجت في الكلام بين الحيرة والدهشة والشعور بالفخر لأن عندنا في مصر علماء يستشهدون بأسمائهم في الخارج بكل ذلك القدر من الاحترام. وبدأت أسأل عن مركز الكلى الذي بدأت قصته بمجموعة من الأطباء الشبان المجهولين في مقدمتهم د. غنيم نجحوا عام 1976 رغم الإمكانيات المتواضعة في اجراء أول عملية نقل كلى في مصر.

وكان ذلك انتصارا علميا، وأخلاقيا، لأطباء لم يسعوا للشهرة والجوائز والمال والألقاب في الخارج بل لخدمة بلدهم فحسب. وحفزهم النجاح على التفكير في إنشاء مركز متخصص شغل في البداية جناحا صغيرا في مستشفى المنصورة الجامعي، إلي أن خصصت المحافظة للمركز قطعة أرض وفرضت قرشا على كل أردب أرز أو قمح لصالح المشروع، وأخذ د. محمد غنيم يطرق أبواب المنح الخارجية فلم تستجب أمريكا وأوروبا ولا حتى الدول العربية لدعم المشروع، هولندا وحدها هي التي قدمت 15 مليون جنيه مع دعم فني، وفي عام 1983 أصبح المركز حقيقة، وخلال نحو ربع القرن استقبل مائة وثلاثين ألف مريض، تم علاج تسعون بالمئة منهم مجانا.

المركز الذي رفضت أمريكا ودول أوروبا المساهمة في تمويله ( رغم الإنفاق السخي لتلك الدول على مجموعات نشر الديمقراطية)، أخذ يستقبل أطباء من أمريكا ( 18 طبيبا ) ومن بريطانيا ( 13 طبيبا ) ومن فرنسا وألمانيا وغيرها ويتولى تدريبهم على عمليات نقل الكلى! وبهذا الصدد يقول د. محمد غنيم " لابد أن نساهم في تراث الإنسانية فلا يصح أن نكون مستفيدين فقط دائما ". يعبر د. محمد غنيم عن الفكرة التي قادته إلي إنشاء المركز بقوله : " المشكلة في مصر إن اللي معاه فلوس يتم علاجه في أفضل المستشفيات، ومن يملك المال والنفوذ يستطيع السفر للخارج ويتم علاجه على نفقه الدولة ولو كان لإجراء بواسير، (واللي ما فيش معاه يروح في داهية) .. لهذا كان مركز الكلى بالمنصورة مؤسسة غير ربحية ".

هذه الفكرة ذاتها هي التي تجعل د. غنيم يقضي إجازته في فندق رخيص في الغردقة يقدم له صاحبه خصما معقولا لأنه بلدياته من المنصورة، ولأن د. غنيم لا يستريح في " مارينا " و" الشرم " وغيرها، حيث يعم " مجتمع مفتعل قوامه الأثرياء الجدد ". علماء مثل د. محمد غنيم هم جزء من أحلام مصر وآمالها وثرواتها الأخلاقية والعلمية والوطنية،

ولهذا أثار الحريق الذي شب في المركز مؤخرا حزن الكثيرين، وردا على رسالة وجهتها إلي الصديق العزيز القصاص المبدع محمد المخزنجي الذي يقضي إجازة في سوريا مع أسرته كتب يسألني: " هل علمت بالحريق الذي وقع في مركز الكلى بالمنصورة ؟ أنا لا أعرف حدود ما حدث، لكنني أشعر بحسرة مريرة لأن النيران هاجمت ذلك المركز، جزيرة الرحمة التي أنشأها د. محمد غنيم، أحد أعظم وأنبل علماء مصر، إنني من حيرتي وألمي والبعاد عاجز عن الكتابة في هذا الموضوع الذي أظنه يخص الحضارة ومآثر الإنسان المصري ويستحق بلاشك استنفار الضمير الثقافي. لست قادرا عن الكتابة من هنا فهل تفعلها أنت ؟ ".

لقد خسر المركز الكثير من الإمكانيات في الحريق الأخير، وفتح أبواب التبرع على أرقام حسابات معلنة ومعروفة ، فهل يحتشد أدباؤنا وكتابنا – على الأقل الذين فازوا مؤخرا بمختلف جوائز الدولة – ويفتتحون حملة تبرعات، وهل يمكن لجريدة أن تتولى تلك الدعوة إلي أن يعوض المركز ما أهدرته النيران من معدات تصل قيمتها إلي ملايين الجنيهات ؟ هل ننجح كما يتمنى المخزنجي في " استنفار الضمير الثقافي " ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى