الأحد ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم يونس أحمد عفنان

الرحيل إلى قصيدة أخرى

في الأزقة الموحله
المدمنة على الأحلام و الخمر و الضغينة
تشطف الدموع عن العتبات كل صباح
و تفتح النوافذ العمياء لرماد المداخن
و زعيق السيارات
تتلفت العصافير التائهة فوق الأسلاك و بقايا الخشب
كالمتهم...
و تقفز القطط الجرباء
بين الخطى و اللعنات
هناك... للزمن عينان من البنفسج
و للوداع فتنة مسـترسـلة
حيث بوسعك أن ترى الفرح الغض
يخطو خارج القلب
خطواته الأخيرة... راحلا للأبد !
 
* * *
هنا كنا منذ الولادة و ما زلنا
قطيعا من الأمل و الهراء
نشتري ما يبصقون
وما يخترعون
ثم نتساقط على باب الليل الأصم
قوافل من التنك و الذهول
و لم نكن نبكي
لأن الدموع تهدر دون حساب على الأحذية و الأوطان والمومسات
لم نكن نبكي
كنا فقط نتأمل السياح و الدمامل
و أرداف النساء الهادرة تحت الشرفات المهجورة
كالجيوش العائدة من الفتوحات !!
 
* * *
اطفئوا العالم...
ولترحلي أيتها النهارات القاتمة
عودي إلى الكهوف الغامضة
إلى دفاتر البؤساء
و اتركي لنا الليل
حيث تقفر الأزقة من العابرين بلا هدى
و تتكوم الأجساد في الغرف الرطبة
مستجيبة للحلم و نحيب الأرواح المتعبة
أطفئوا العالم...
لم يعد لدينا ما نرغب نراه
نحن كتل الموج الحبيس في الفناجين و المحابر
سئمنا حتى وجوه أطفالنا
تلك الأرغفة الشهية
سئمناها و هي تطارد المستقبل
كاللص الهارب من زقاق إلى زقاق
أطفئوا العالم...
وليمت كل كما يجب
زناة التاريخ في الغرف الحمراء
و الشعوب المعتمة كالأقبية
في الصيدليات و غرف الانتظار
الطلاب في المراحيض
و الآباء الدراويش على خشب الأمس
و صفيح الحلم !
و الرجال ذوي الزنود الهائجة
أمام السفارات و شاشات الحواسيب
......
إلى الحاويات أيها المفكرون
إلى المطابخ أيها المقاتلون
إلى المقاهي أيها العرسان الجدد
إلى الجحيم أيتها الخرائط المضحكة.
* * *
لقد كان شتاء مريرا لرجل وحيد
حيث الطمي و الوحل البارد يتراكمان على مدخل القلب
و حيث الريح تصفر في ضجر
و الأيدي التي تتصافح على عجل
تفترق على عجل
كموظف في مهمة مقيتة...
حيث الأقدام مسرعة في الذهاب و الإياب
في النزول و الصعود و الدخول و الخروج
في الليل و النهار
مسرعة كالمحبة
مسرعة و حسب...
كن
أكثر جمالا أيها الأرق
بعد قليل سيطرق الياسمين المخذول بابي
ليبكي على وسائدي
حيث سأضطر لكتابة مرة أخرى
عن بقايا الأصدقاء في حطام الذاكرة
عن الشعوب الهاربة من الفجر و المرايا
عن الطيور التي ترشى
و الذباب الهائم في المكتبات
سأضطر لقتل القصيدة مرة أخرى
كجزار أعمى...
* * *
سأجن قريبا
أيها الحزن الجامح كالفرس البرية
أنني أبتسم لطفلي
و الأسى يحملني بين يديه كالجثة
و يرمي بي من النافذة...
أضاجع زوجتي و الشجن
يذبحني بسكين الفاكهة !
سأغرس أسناني في كل جدار
إذا لم ينبت الوطن الحبيب بين سطوري
وطن بلا جامعات و لا إذاعات
بلا بطولات و لا أبطال
وطن دافئ كبطن المراهقة
نظيف كإبطيها
حيث سألقاه بابتسامة عريضة كالحذاء
و بقلب سعيد
كسوط في يد طاغية...
سأموت قريبا مختنقا تحت الورق
أنا المهاجر من وحل القصيدة إلى وحل قصيدة..
لكن روحي لن تهدأ في أي قبر
قبل أن يقتل هذا الشرق
طعنا بين خصيتيه .... !

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى