الأربعاء ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم محمد نادر زعيتر

الروحُ تحضرُ إذ تذكرُ

توفيت والدة الأديبة المعروفة الآنسة بيانكا ماضية في أوائل هذا الشهر/ تشرين 2010 إثر حادث أليم، أرسلت لها معزياً، وقلت في كتابي إليها "الروحُ تحضرُ إذ تذكرُ" شكرتني على التعزية، وطالبتني أن أثلج صدرها، وهي في غمرة الأسى،بأن أكتب لها عن الروح، وكيف تحضر الروح؟
وأنا المؤلف موسوعة عن الروح، كتبت لها المقال التالي وهو توليفة من الشعر والفلسفة والعقائد، (وأعتذر بسبب حجم النص)
مقدمة
الملاك الهاوي

وتســأل المفـجوعة عـن النـوى   إذ فجـأةً ملاكـُها قـد هـوى
هلْ يعقلنْ أن غادرتْ إلى الأبدْ   تلك التي كنا معاً سـوا سوا
هلْ يعـقـُلنْ أن الثـرى مهـادُهـا   وأن قلبـاً حانيـاً قــد انـزوى
 أليس بالإمكان أن أحـظى بهـا إذ باللـظى مفارقٌ قد اكـتـوى
لعـلها تـنـقضي أتـراحـِــــــــيَ  والـذي بـداخـــلي قــد ارتــوى
أنى لـروح تحضـرُ إذ تـذكـــرُ  والجســم في مآلـه قد اســتوى
يا ربُّ لطـفاً،جاورتكَ مهـجتي  إرأفْ بها إذْ مالها عنك سِوى
أهديكِ (بيضاءَ) النوى جوابيَ  تـأمّلـي وارقـبـي ما قد حــوى

 (نظم: م. ن. زعيتر)
(النوى الأولى هي البعاد وأعني الموت، النوى الثانية من النواة اللب والقلب ،وبيضاء اسم المفجوعة)
 
أيتها المفجوعة السائلة

أوتسألين عن الروح وحضورها؟ وما تدرين أنك أسيرةٌ في عالم الآفاق الذي يسيطر عليه طيف الوالدة الراحلة (لروحها الرحمة)، فإذا هي حيال الوضع المستجد بلا ميعاد، وفي كل مرحلة انتقالية يوجد حراك بين المألوف (حياة الدنيا) والحضور بلا هموم الجسد ومتعلقات المادة.
وقد أدركتْ أنها كانت في عالم سفلي متحجبة بالجسم العليل، فإذا هي الآن في عالم حر طليق يسوده الله، ويصعب أن نستوعبه فيكون ثمة حزن ولوعة.

******

أيتها المفجوعة السائلة

بعد تلك المقدمة التي هي مجرد تمهيد للارتقاء نحو عالم آخر، أحاول الإجابة على سؤاليك:
هل هناك روح حقاً؟

وهل حقاً تحضرُ الروح إذ تذكرُ؟

أنا شخصياً مقتنع بوجود الروح، وليس كل مقتنع يمكن أن يولّـد نفس القناعة لدى الآخرين، لماذا؟ لأن لي بخاصة: 1)القاعدة، 2) والثقافة المؤهلة، 3) واهتمامي ومتابعتي إلى درجة الشغـف ثم تأليف موسوعة من جزأين كبيرين في هذا الموضوع .
 
القاعدة هي الإيمان، الإيمان بأن هذا الوجود المنظم ليس عبثاً ولا صدفة بل له مدبر، ليسمِّهِ كلٌّ ما يشاء، كلُّ من هو إنسان هو مؤمن حكماً، والإنسان حيوان يتميّز بالإيمان.

الإيمان صنو الروح، من لا إيمان له لا يدرك للروح معنى.

وقد خاطب السيد المسيح تلاميذه مبيناً أثر الإيمان بقوله: " الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها" ( يوحنا/14 : 12) إذن الإيمان ثقة واعتزاز بالنفس.

وقال السيد المسيح أيضاً مخاطباً تلاميذه المتشككين: "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون للجبل انتقل من هنا إلى هناك، فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم".(متى/17 :20) إذن الإيمان قوة وجبروت.

السيد المسيح أكبر الإيمان في امرأة كنعانية (غريبة عن قومه وعن دينه) إذ قال لها وهي ترجوه أن يشفي مريضها: "أنت امرأة عظيم إيمانك، ليكن لك ما تريدين"، إذن الإيمان هو العَـظَـمَـة.

الإيمان غاية، والروح هي مطرح الإيمان، وإذا كان ثمة إيمان كان الاطمئنان، وكانت النفس المطمئنة لمن هو حيٌّ أو ميت، وفي ذلك يقول الله في قرآنه: " با أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ريك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي * (آخر سورة الفجر).

ومثل الاطمئنان " السكينة" ومثلها في أدبيات الكتاب المقدس "الشكينة" ومثل ذلك لدى أتباع الديانات الشرقية كالبوذية والجانتيه " النيرفانا" وهي تعني السعادة بطول التأمل في الحياة والمآل.

وأعيد ما سبق قوله من أن الإيمان فطرة إنسانية لا محيد عنها، وإذا كان من ينكر فإنما يعبر عن حالة إيمان سلبي وهو إيمان على أية حال.

حتى الذين يدعون أنهم علمانيون، هم إما مكابرون أو مؤمنون مع وقف التنفيذ، إن ادعاء العلمانية هو رد فعل لفعل، وكلاهما في الحقيقة فعل، بل والماديون هم مؤمنون من نوع خاص، وأنا احترم كل هؤلاء،

حتى من سموا في الإسلام كفاراً اعتبر أن لهم ديناً (هناك سورة قصيرة بذلك)، ثم هو الله يشير إلى التعدد بقوله " لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجا" ( سورة المائدة/48). إن الطرق كلها تؤدي إلى الله، ومعيار الإيمان هوالحب العام. بعد ذلك فليكن ما يكون اسم دينك أوشكل إيمانك وعبادتك.

أرى من اللائق في هذا السياق التمثل بقول الشاعر الصوفي الفيلسوف محيي الدين بن عربي في قصيدة له:

كنت قبل اليوم أنكر صــــاحبي
إذا لم يكن دينه من شرعتي داني
لقد صار قلبي قابلاً لكل صورة
فمرعى لغزلان، وديرٌ لرهبــا
نِ
وبيـتٌ لأوثـان، وكعبـةُ طــائفٍ
وألـواحُ تـوراةٍ، ومصـحف قـرآنِ
أدين ب ديـن الحـب أنى توجّهتْ
ركائبه، فالحـب دينـي وإيمانـــي

 
وفي نفس الاتجاه كتب أمير الشعراء أحمد شوقي يقول:

الدين لله من شـاء الإلـه هــدى
لكل نفسٍ هوىً في الدين داعيها
ما كان مختلفُ الأديان داعــيةً
إلى اختـلاف البـرايا أو تعـاديها
الكتب والرسل والأديان قاطبةً
خزائـن الحكمة الكبرى لواعيها
تسامحُ النفس معنىً من مروءتها
بل المـروءةُ في أســـمى معانيها

*******

أنتقل من القاعدة إلى الثقافة المؤهلة: إني أنا الآن في مكتبي في غرقة موصدة: ها هو التلفاز يعمل ويوصل الإعلام من بعيد بعيد، والخليوي يورد ويصدر صوتاً من وإلى آخر الدنيا، والحاسوب يستحضر ما نشاء، والهاتف السلكي واللاسلكي يقرّب البعداء، والمذياع يصدح بما يجود به الأثير،

 طيب! لاشك أن هذه الأجهزة تعمل بواسطة ما يسمى أشعة أو موجات أو ذبذبات أو قنوات فضائية غير مرئية تخترق الجدران ولا نقر بوجودها إلا نتيجة لآثارها، وإضافة لها التيار الكهربائي الذي لا نراه والذي تدلنا عليه آثاره، وقس عليها الليزرالمكتشف حديثاً عظيم الفوائد، أضف إليها أشعة رونتجن (المسماة بأشعة ‪X‬ لجهالتها)، يضاف إليها التصوير بالصدى وبالرنين المغناطيسي، كل هذه الحقائق - وهي غيض من فيض – لا ترى، ولا تنكر، إن عالم اللامرئيات هو الأكثر في الكون، ومثله عالم الماورائيات. أخلص مما سبق إلى أن ما حولنا وإلى أقصى مدى هو ما ليس موجوداً مادياً وغير مشهود. إن العيون الإنسانية لها آفاق بصرية، وكذلك السمع والحواس الأخرى، لكن ما في الطبيعة – والأكثر مما فيها – لا تدركه حواسنا، فهل يؤدي بنا هذا إلى إنكار وجودها؟

الروح هي تلك الطاقة التي تديم الحياة، ماذا بين النائم والميت سوى وجود الروح في الحالة الأولى وافتقادها في الثانية. لا يستوي النائم والميت أبداً حتى لدى ألحد الناس، تلك حقيقة، ولا يتذرع منكر أن الروح وهم لأنها غير مرئية.

وهذا مصداق الحديث الشريف: "والله لتموتنَّ كما تنامون، ولتبعثُنَّ كما تستيقظون" .

وفي كتاب "في النفس والعقل لفلاسفة الإغريق والإسلام/ د. محمود قاسم" ورد عن الفيلسوف أفلاطون قولُهُ: "إن صلة الحياة بالموت لشديدة الشبه بتلك العلاقة التي توجد بين اليقظة والنوم، فكما أن المرء ينتقل من اليقظة إلى النوم ومن النوم إلى اليقظة، كذلك ينتقل من الحياة إلى الموت ومن الموت إلى الحياة، والانتقال من أحد الضدين إلى الآخر أمر لا مفرّ منه، إذ لو كان الانتقال في اتجاه واحد لاختلّ التوازن في الطبيعة"

وأقول: لكن ذلك الفيلسوف لم يذكر أن الانتقال هو حراك روحي!

والآن ما هي تلك الروح، وما هي دلائل وجودها؟

الروح هي أثر من الله في الناس، وتتميّـز بخصائص الله: القداسة والخلود، هذه الروح (الإلهية أصلاً) ليس لها عد ولا حصر، ولا نهائية الأبعاد، من ينكر الروح ينكر الإلهَ مُـصْدِرَها، وإلا ما معنى أن تتوقف الحياة في جثة صاحبها وهو أشبهُ بالنائم؟ يقول العلماء مات فلان بسبب جلطة مثلا أو حادث، أجل، ولكن لا بد من اعتبار أن الروح قد آذنت بالرحيل، كم من ميت سريرياً وروحه لا تغادر الجسم فتطول الحياة وليس بمستطاع أمهر الأطباء أن يفعلوا شيئاً ( وليس من الأسف أن نضرب مثلاً حالة الصهيوني دايان العائش شكلاً منذ سنوات وروحه لا تفارق جسمَه) ويعجز الطب مهما تقدم أن يحلَّ هذا اللغز.

إن الروح حتمية الوجود، وإنني أتحدى من ينكر أن ليس له روح تقيم حياته، الروح جوهر الأشياء والكائنات، أليست المادة ذرات ، وفي هذا يقول العلم:

"إن الذرة ‪Atom)‬) تتكون من نواة ( ‪Neucleus‬) تتركز فيها كتلة الذرة وإلكترونات ‪(Electrons)‬، تدور الإلكترونات حول النواة فى مسارات محددة، وهى تشبه إلى حد كبير حركة الكواكب حول‪ ‬الشمس.

والنواة تتكون من بروتونات ‪(Protons) ‬ موجبة الشحنة ونيوترونات ‪(Neutrons) ‬ متعادلة الشحنة والإلكترونات سالبة الشحنة لتكون الذرة متعادلة."

 

والذرة هذه كيان وحيوية معينة، لها فعل وأي فعل! هل تنكر الطاقة الذرية الهائلة؟ فلماذا نتردد في الإيمان بالطاقة الإلهية - الإنسانية؟ وهي أولى!

" وتحسب أنك جرمٌ صغيٌر * وفيك انطوى العالَـم الأكبرُ"

إن في الحياة أسرار الإله ومنها ما هو في الأشياء ولم تعرف بعد، وقـد أشار الله في القرآن إلى فعالية الأشياء بقوله: " تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهنَّ وإن من شيئٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم" (سورة الإسراء/44).

لقد أشارت كل العقائد والأديان إلى الروح:

  المصريون القدماء كانت الروح هاجساً لهم، ويتجلى ذلك في أهراماتهم التليدة. وكان كهنتهم يوحون إليهم أن هناك أرواحاً أخرى تعلو طبقات الجو حتى تبلغ الشمس وتعيش أزلية ( عن : "تاريخ مصر القديمة/ جيمس بريستد/ ترجمة د. حسن كمال) ومن هنا كان الرمز الأثري للروح: إنسان بجناحين.

ومن الطريف أيضاً أن الفراعنة كانوا يعرفـون الأرواح المرشدة التي يعرفها علم الروح الحديث، والتي قد تلازم الإنسان حال حياته الأرضية بحكم روابط معينة فتحميه من بعض أخطار الحياة، وقد ترشده في بعض مواطن الإرشاد، وكانوا يطلقون على الروح المرشد وصف "آخ". وقد بقيت هذه الكلمة لغاية الآن على ألسنة المصريين، ثم شاعت، يطلقها الواحد منا عند التألم من جرح أو من سقطة، وكأنه يستنجد – كالأجداد القدماء – بروحه المرشدة أن تعينه على تحمل الألم، دون أن يعرف حقيقة مصدرها التاريخي. (مفصل الإنسان روح لا جسد/ د.رؤوف عبيد، ص60)

  في ديانات الامبراطوريات الإقليمية القديمة كالبابليين ومن شاكلهم غابراً كان رمز عشتروت قائد الحياة والمتحكم بالأرواح.

  ولدى الفرس القدماء كانت الروح تتأرجح بين أهورامازدا إله الخير وأهريمان ملك الظلمات والعالم السفلي.

 ويذكر هوميروس في الإلياذة عالم الأرواح بلغة عصره.

· وعند الهندوس، فإن الديانة البرهمية غاصة بالحقائق عن الروح، كما تؤمن أن الروح الإنسانية نفحة إلهية، وأن الموت يعطي الروح جسداً شفافاً نورانياً به ينتقل إلى الملأ الأعلى. ويعتبر مذهب اليوغا الهندي بوجه خاص من المذاهب الشرقية الهامة في الفهم العميق للروح.

  أما لدى الإغريق، فإن الفيلسوف سقراط الذي حكم علبه بالإعدام بسبب آرائه يقول قبيل تنفيذ الحكم: "الموت باب نلجه فنمضي من الأرض إلى السماء، إنه المدخل إلى رحاب الله". وفي نفس المعنى يقول تلميذه أفلاطون: "بالموت تعبر بنا الروح إلى الأبدية" .

  وفي أسفار اليهود لم يرد شأن للروح والبعث إلا لماماً، إلا مثلاً عند ذكر استحضار روح النبي صموئيل، وقـد جاء في التلمود اليهودي: "إن الذي يحفظ هذا السر، سر الاتصال بالأرواح، نقياً طاهراً في فؤاده، له من الله الكرامة وحسن الزلفى، ولدى الناس الفضيلة وحسن السمعة، ويكون اسمه مقروناً بالإجلال وعلمه غير قابل للزوال، ويرث بعد ذلك الحياتين، وينال السعادتين في هذه الدار و ما بعدها."

 وفي المسيحية، أشار القديس بولس إلى أن الذات الإنسانية تتألف من جسم ونفس وروح.

 وفي نشيد السيدة مريم العذراء: "لتبتهج روحي بالله مخلِّصي" (انجيل لوقا/ 9- 47)، والجانب الروحي في المسيحية كبير وهام.

 وفي القرآن الكريم سئل النبي عن الروح، فكان الجواب من الله تعالى: "قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" وثمة جدل بين المفسرين حول هذه الآية لا محل له هنا.
وفي الحديث الشريف: " الأرواح جنودٌ مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"
ولابن سينا شعر بالروح وهذه بعض الأبيات:

‎‫هبطت إليك من المحــل الأرفــع * ورقـــاءُ ذاتُ تحجب وتمنـــــع‬
 محجـــــوبةٌ عن كل مقلة عارف * وهي التي سفرت ولم تتبرقـــعِ ‬
‫وصلت على كـــــره إليك وربما * كرهت فراقك وهي ذات تفجع‬
‫أنفت وما سكنت فلمـــــا واصلت * ألفت مجاورة الخراب البلقـــع‬
‫وأظنهـــا نسيت عهــودا بالحمى * ومدامعا هطلــــت و لم تتقطع‬
‫تبكي إذا ذكرت ديارا بالحمى * بمدامع تهمي ولما تقطع‬
‫وتظل ساجعة على الدمن التي * درست بتكرار الرياح الأربع‬
‫حتى إذا قرب المسير إلى الحمى* ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع‬
‫هجعت وقدكشف الغطاءفأبصرت *ما ليس يدرك بالعيـون الهجع‬
‫فهبوطها إن كان ضربة لازب* لتكون سامعة بما لم تسمع‬
‫وتعود عالمة بكل خفية* في العالمين فخرقها لم يرقع‬
‫وهي التي قطع الزمان طريقها* حتى لقد غربت بغير المطلع‬
‫فكأنهـــا برق تألـــــق في الحمى* ثم انطوى فكــــأنه لــــم يلمــــع‬

 وجمهور كبير من علماء المسلمين طرق أبواب الروح مما تضيق عنه مجلدات....

 أما عن العلم الحديث فقد استجدت مدارس ومؤسسات عنيت بالروح ختى غدا علماً أكاديمياً.

أخلص مما تقدم إلى ثبوت حقيقة الروح, ولكن لماذا لا نراها؟

هنا يبدو السؤال عن ماهية الروح؟ وهنا يجيب الروحانيون:
إن الإبصارعلى أشكال:

1) رؤيا العين الإنسانية المجردة: أو بمساعدة أجهزة متخصصة. كالعدسات أو المجاهر.

2) رؤيا الأحلام وهي بلا شك بغبر العين الإنسانية.

3) الرؤيا القلبية وهو الحدس بالبصيرة وليس بالباصرة.

4) رؤيا العالم اللامرئي، ويسمى الإدراك.

وهنا نستشهد بالمأثور التالي،
يقول الحكيم الهندي ما جاتا :

"إن ما ندركه من الحقائق أقل بكثير مما لا ندرك،
إن من يصعد جبلاً ليرى أكثر يتبدّى له ما هو أكثر مما كان يرى,
ليس ما نراه هو الحقيقة كاملة، بل هو ما تبديه لنا حواسنا القاصرة،
إن عالم المرئيات هو بعض بعض عوالم أخرى أعظم،
يستهين الناس بما يسمونه الماورائيات أو اللامرئيات أو الباراسيكولوجي أو الغيبيات أو الروحانيات وما يدرون أنها هي المتحكم الفائق في الوجود.
ويلٌ لهم: يهابونها، ولا يؤمنون بها، ولا يحسبون لها حساباً."

*******

نعود للسؤال الأهم
هل من صلة بين الأحياء والأموات؟

أقتطف من "مفصل الإنسان روح لا جسد/د.رؤوف عبيد ج 3 ص 227" تحت عنوان:
الموتى أقرب إلينا مما نتصوّر
هذا، وقد أجمعت الدراسات الروحية على أن من نسميهم /موتى/ هم قريبون منا، وعلى صلة دائمة بنا، فهم يشاطروننا أفراحنا وأتراحنا، ويرغبون بكل السبل في الاتصال بنا لتخفيف أحزاننا، وإعطائنا أخبارهم، وهم يعلمون تماماً أخبارنا، ويباركون خطوات الخير التي قد نخطوها، كما يتألمون لأخطائنا، فهم في النهاية يسعدون بسعادتنا ويشقون بشقوتنا.

فلا توجد دراسة روحية واحدة خالفت ذلك في كثير ولا في قليل، وفي ذلك ما يبعث على الثقة فيها وفي الأسس التي تقوم عليها.

فأولئك الذين تعودنا أن نطلب لهم الرحمة والرضوان تعودوا هم أن يطلبوهما لنا عن فهم تام واطلاع كاف على آلامنا القاسية في المستوى الذي نشغله من الوجود، وأيضاً عن إحساس بروعة المستوى الذي يشغلونه من نفس الوجود، حتى أن الموت ليبدو لهم نشيداً نظمته الطبيعة للخلود في عالم لا يعرف القيود ولا الحدود.

ذلك أن عالم الأثير هذا ليس موقعاً جغرافياً معينا على النحو الذي نفهمه ونحن على المستوى الأرضي، بل هو مجرد رتبة مرتفعة في سلم الأمواج والاهتزازات الكونية، في حين أن عالمنا المادي هذا ليس سوى رتبة منخفضة من نفس السلّم، فهو في داخلنا ومن فوقنا ومن حولنا، وإن كنا لا نشعر به الآن فلأن حواسنا المادية تقف في الشعور عند حد محدود لا تتجاوزه، إلا بعد أن تتحرّر من اتصالها بما يربطها بهذه الرتبة المنخفضة ممثلة في الجسد المادي.

إن لحواس الإنسان حدودا ولا تعود في حال تجاوزها إلى التقدير الحقيقي، فقد تتغير الرؤية مثلاً إننا نرى النور الكهربائي المنزلي مضيئا باستمرار بينما هو في الحقيقة تيار متناوب متقطع تجاوزت تردداته مدى المتابعة البصرية لعين الإنسان، ومثلاً فقد تقطعت أصابع سائق السيارة وهو يعالج محرك سيارته غير منتبه إلى دوران المروحة الذي كان سريعا بحيث لم ترها عينا السائق، كم من الأصوات لا نسمعها لأن ترددها أعلى أو أدنى من الساحة السمعية المحددة لأذن الإنسان.

إن نظرية الاهتزاز كفيلة بأن تترجم المعاني العامة التي يعرفها الروحيون إلى حقائق علمية، وبأن تبدِّدَ مخاوف الإنسان من الموت والفناء، وبعض أحزانه من فراق الأعزاء، وبعض آلامه ومتاعبه التي لا تضيع هباء.

وهذه النظرية هي أيضاً التي توضح كيف أن المواد الصلبة أمكن إرجاعها كلها إلى كهارب تهتز على مستويات مختلفة فتبعث أمواجاً مختلفة تلتقطها حواسنا، فإذا ارتفع تردُّد هذه الأمواج إلى مستوى يتجاوز اهتزاز الضوء اختفت تماماً من حواسنا لكنها لا تتلاشى من الوجود، إذ ليس للتلاشي مكان في نظريات الفيزياء الحديثة التي تسلِّم بأن المادة لا تفنى، وأن الطاقة أيضاً لا تفنى.

فعلام إذن يحزن الحزانى ويبحثون عن أجداث موتاهم في ظلام القبور؟ !
إن علم الروح لا يعرف ظلاماً ولا حطاماً ولا يعترف بهما، بل يعلم جيداً أن موت الجسد انتقال من الموت إلى الحياة لا من الحياة إلى الموت. وأنه إذا كانت هجعة الليل – في سلام واطمئنان – هي مكافأة الطليعة عن كفاح النهار فإن رقدة الانتقال هي مكافأتها العظمى عن كفاح العمر وجهاده الشاق. كما يعلم جيداً أنه إذا كان الموت لوعةً وفراقاً، فهو في نفس الوقت خطوة للأمام إلى تلاق محتوم ما دام الحب باقياً لعمر القلوب.

( اقتباس من "مفصل الإنسان روح لا جسد" ج3 ص227)

*******

الروح تحضرُ إن تذكرْ

إن المقصود بالقول "الروح تحضرُ إن تذكر" هو أن طيف الغائب (حياً كان أم ميتاً) يتبدى أمام من يذكره، فمثلاً أنا أتخيل طيف والدتي – وهي على قيد الحياة - حين أذكرها أو أتكلم معها هاتفياً وأنا في موضع آخر، كذلك يتراءى لي طيف والدي المتوفى منذ سنوات عديدة كلما أذكره وكلما أدعو له أو أزور قبره ، ألا يعني هذا المثول الروحي (الطيفي) في الحالتين نعمة ومعنى من معاني الحضور؟ التذكر عملية فكرية معقدة، وبخاصة بالنسبة للميت، إذ يظهر على شاشة الفكر منبعثاً من أغوار الحياة السابقة شكل وقوام الميت وهو تحت الثرى؟ فيناجيه ويتذاكر معه حالة أو مشهداً مضى عليه حين من الدهر.

هذه عملية إرادية – عقلية واعية ميدانها العقل الباطن، وهي نوع من التواصل بين عالمي الغيب والشهادة. كم هو مفيد أو ممتع أن يراجع المرء مع حبيب راحل كوامن الماضي ويبوح من هوحاضر لمن هو راحل بالنجوى شؤونه وشجونه، ولربما بث كل منهما للآخر شوقه وآهاته. أفلا يكون في ذلك سلوى للطرفين و تعبيرٌ عن دوام الوفاء بين ذوي القربى أو الأخلاء أو حتى الأجيال! أنا - شخصيا - كثير الشرود وأرى في هذه الحالة - التي تضايق من حولي - سعادة وحلاً لكثير من الهموم، وأنا أحب الاستذكارلأنني أتخيل من أشاء حين أشاء وبلا كلفة أو عناء وبأفضل حال. ما أجمل الحرية في التأمل (يسميه البعض شروداً) دون متطفل يلح في أن يعرف مسار مداي الفكري.

ما أجمل أن يُسْتَحْضَرَ طيف المحبوب أو الفقيد من خلال طول تأمل، كما هي اليوغا أو الكارما أو الإشراق أوالتصوف الإسلامي أوالغنوصية المسيحية، ما أحسن ذكرى حبيب هو معك على الرغم من النوى!

إن السعادة الحقيقية هي هناك في الآفاق، حيث سعادة الملتقى و إذ لا حدود، إنها سياحة فكرية سامية في عالم الأطياف (الأرواح) ولا أروع.

*******
 

بالأمس كنتَ تسير لا تخشى الموانعَ في الطريـق
واليومَ قد هبطتْ عليك سكينةُ اللحدِ العميـق
بالأمس كنـتَ إذا أتيتُكَ باكيـاً سلَّيْتَنـي
واليومَ صـرتَ إذا أتيتُكَ ضاحكـاً أبكيتنـي
بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّـدِي وتوجُّعِـي
تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى