الأربعاء ١٠ آب (أغسطس) ٢٠٢٢

الزوجات والأدب

علي حسن

تُرى هل يكون الأديب ظالمًا حين يتزوج من امرأة لا يشغلها الأدب؟ هل يصبح مصدر سعادتها حين تكون عاشقة للإبداع؟ وما الحال إذا كانت الزوجة مبدعةً هي الأخرى؟

الأدب والإبداع لا يستقيمان بغير هدوء وسكينة، والزوجة أصل هذا الهدوء وسر الإبداع يكمن فيها؛ فما الإبداع إلا سطوة امرأة؟!.

من أعجب ما قرأت عن صاحب"أوراق الورد"و"رسائل الأحزان"الأستاذ مصطفى صادق الرافعي (1 يناير 1880 – 10 مايو 1937) ما ذكره الأستاذ محمد سعيد العريان (ديسمبر 1905 – يونية 1964) في كتابه"قصة حياة الرافعي"أن أديبنا أبى أن يكون خائنًا لزوجته وهو يراسل الأنسة مي زيادة (11 فبراير 1886 – 17 أكتوبر 1941) برسائل مشوبة باللوعة ومفعمة بالعشق؛ لذلك أخبر الأديب زوجته، واتفقا على أن تكون زوجته أول من يقرأ رسائل مي ثم تضعها على مكتبه، وحين يرد على الرسالة يُطلِع زوجته عليها ثم تُرسلها هي لمي! واستمرت الرسائل بين الثلاثة لسنوات طويلة. هل هناك امرأة تستطيع أن تصبر على مثل هذا الأمر؟

الدكتور طه حسين (15 نوفمبر 1889 – 28 إكتوبر 1973) هل تبوء مكانته كعميدًا للأدب العربي بغير دعمٍ من زوجته؟ إن السيدة سوزان قد عاشت له. قرأت وكتب له، دفعته إلى النجاح دفعًا وكانت عزيمته وإصراره وعناده.
كثيرة هي قصص كفاح الزوجات مع أزواجهن الأدباء، وما السيدة"عطية الله"إلا صورة رائعة للزوجة التي تدفع زوجها إلى الإبداع؛ السيدة"عطية الله"هي زوجة صاحب نوبل نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 – 30 أغسطس 2006) تزوجها عام 1952 بعد أن تخطى الأربعين، واستمر الزواج عشر سنوات لا يعلمه إلا الأهل حتى شاع على يد المبدع صلاح جاهين.

قال نجيب محفوظ:"إن كان لأحد فضل عليً بعد الله فهي زوجتي -عطية الله- فهي بالفعل عطية الله لي". مَن مِن الزوجات تتحمل غياب الزوج خارج البيت وداخله، الصباح في وظيفته ثم قَيلولتهُ ثم يفضي إلى خلوته ينفق الساعات مع كتبه ورواياته.

كان نجيب محفوظ مترددًا في الإقدام على الزواج، يخشى أن لا يحسن الإختيار فيندم، أو يصرفه الزواج عن الكتابة فيقول:"اخترت الزوجة المناسبة لظروفي، لم تنشأ بيننا قصة حب سابقة على الزواج، كنت فقط في حاجة إلى زوجة توفر لي ظروفًا مريحة تساعدني على الكتابة ولا تنغص حياتي". وعن تفهمها لطباعه يقول:"كانت عطية الله زوجة تفهم أنني لست كائنًا إجتماعيًا، لا أحب أن أزور أحد أو يزورني أحد وأنني وهبت حياتي كلها للادب ووجدت ذلك في عطية الله". إذن هي صاحبة فضل عليه وعلى الأدب العربي يوم تنازلت عن حقها كزوجة في سبيل تفرغ الزوج للإبداع والأدب، يقول:"لا يمكنني أن أنكر أن زوجتي تحملتني كثيرًا وساعدتني على تطبيق النظام الصارم الذي فرضته على حياتي، ووفرت لي جوًا مكنني من التفرغ للكتابة".
على النقيض من ذلك لم يستطع الأستاذ عباس محمود العقاد ( 28 يونية 1889 – 13 مارس 1964) أن يهضم فكرة الزواج من الأساس؛ لم يستطع استيعاب شيئَا أخر غير الكتاب بين يديه حتى وإن كانت زوجة جميلة مثقفة مثل مي - وعشق العقاد لمي زيادة ليس سرًا - وإن كان يشاع أن العقاد كان يغار من جبران ورسائله لمي، ويغار من هؤلاء المسحورين بشخصيتها الفريدة والجديدة.

إن كانت الغيرة قد فرقت بين العقاد ومي إلا أنني لا يساورني شك في أن العقاد لم يحتمل شخصية مي القوية، وأن مي أبت على نفسها أن تكون تلك الزوجة التابعة للزوج، وتعففت أن تذوب وتختفي داخل شخصية الزوج الأديب وإن عشقته.

نظرة سريعة إلى عدو المرأة كما كان يحب أن يُشاعَ عنه ذلك، الأستاذ توفيق الحكيم ( 9 أكتوبر 1898 – 26 يولية 1987) كان يرى نفسه فنانًا، ويخشى أن يشغله الزواج عن الأدب والفن؛ يقول:"زوجة الفنان يجب أن تفهم أن كل حياتها ينبغي أن تُقدَم لزوجها الفنان، وأن رسالتها في الحياة أن تكفل له الحياة الهنيئة التي في كنفها يكتب ويخلق"!

تزوج الحكيم في عام 1946 من سيدة مطلقة وأمًا لطفلتين وعاشقة لكتاباته، هي السيدة"سيادات بيومي"التي وصف زواجه منها بأنه"زواج عقلي الغرض منه تأسيس بيت يصلح لحياة فنان، الكتب فيه أهم من الفراش والموسيقى أهم من الطعام".

أصر الحكيم أن توقع زوجته قبل الزواج على خمسة عشر شرطًا، وتقر بالموافقة عليهم كتابةً؛ وكانت شروطًا قاسية تصب جميعها في مصلحته ككاتب وأديب ومفكر لا يريد من الحياة غير الكتابة!
وعندما أهدى زوجته كتاب"سجن العمر"ذكر في الإهداء"إلى من عاونتني وساعدتني في إخراج هذا الكتاب وانتاجه، لما دبرته لي من جو الهدوء التام بإبتعادها عن البيت"!

هذا حين يتزوج الأديب من امرأة لا علاقة لها بالأدب كتابة أو قراءة، أو أن تكون شغوفة بالقراءة دون أن تنزل إلى النهر لتغترف منه؛ فكيف إذا كانت أديبة تتخذ الكتابة حرفة؟

محليًا قد يكون هذا الأمر غير شائعٍ، حالة شهيرة صارت فيها الزوجة أكثر شهرة من زوجها، وسار هو في ركابها، الدكتورة نوال السعداوي وزوجها الدكتور شريف حتاتة، لقد قالت عنه:"أنه الرجل النسوي الوحيد على وجه الأرض"، ويفتخر الزوج بأن على باب بيتهما إشارة تحمل اسم الزوجة وليس اسمه كما تعود الناس، ذلك لأن اسم زوجته محل فخر واعتزاز له.

عاشا الزوجان معًا فوق الأربعين عامًا في تفاهم وتناغم وإحترام متبادل لكن الزواج انتهى بطلاق!

عالميًا الأمر أكثر رحابة؛ عطاء الزوجة يخضع للغريزة والعاطفة والثقافة والبيئة التي تجمع بينهما.

جمع الإتفاق في وجهات النظر وعشق الفلسفة الوجودية والأستاذية بين جان بول سارتر (21 يونية 1905 – 15 إبريل 1980) وبين سيمون دي بفوار (9 يناير 1908 – 14 إبريل 1986) ووقع كلاهما على وثيقة زواج لسنتين، وتعاهدا على ألا يتدخل أحدهما في شؤون الآخر؛ ولا يتقابلا كأزواج إلا حين تدفعهما الرغبة ولا يخفى أحدهما عن الآخر سرًا.

كانت دي بوفوار مصدر إلهام لسارتر وتحديدًا كتابه الأشهر"الوجود والعدم"أما سارتر فكان لها عشيقًا وزوجًا وطفلًا وأستاذًا لا تنتبه لنزواته ولم يقيدها العقد المبرم بينهما فتعددت علاقاتها بين الطبيعية والشاذة، اتفقا في الحياة واجتمعا في قبر واحد!

التكافؤ بين سارتر وسيمون منع الصراع بينهما؛ الصراع الذي تأجج بين صوفيا بيرس والروائي العالمي ليو تولستوي (9 سبتمبر 1828 – 20 نوفمبر 1910). لقد تزوجا عام 1862 وتناست خلف سعادتها وانبهارها بشخصيته أنه يكبرها بستة عشر سنة.

أنجبت صوفيا ثلاثة عشر طفلًا مات منهم خمسة – بعض المصادر تسعة عشر ومات خمسة – ومازالت شابة رائعة الجمال، تقوم من فراشها رغم ألم المخاض لترعى زوجها، وجمعت أوراق رواية"الحرب والسلام"وكتبت المسودة كاملة سبع مرات.

لم تكن لصوفيا ميولًا أدبية ولكنها داومت على كتابة يومياتها؛ وساءت علاقتها بزوجها عندما شعر تولستوي بأنه يشيخ وتزداد هي بريقًا واستدارة، وكان أكثر ما يربطهما هو ذلك الشئ الذي يفضي غالبًا إلى الحمل.

هل كتب تولستوي روايته العظيمة"أنا كارنينا"نتيجة هذا الشعور أم أنه كتبها ثم عاش فيها وتقمصها؟ وشعرت صوفيا أن الرواية رسالة لها واستقبلتها بحذر.

صادق تولستوي الفقراء ووهب ثروته للفلاحين فكانت الحرب ولم تخمد إلا صباح يوم 20 نوفمبر 1910 حين مات تولستوي شريدًا على محطة قطار وحوله المجانين والمهمشين كما ذكرت صوفيا في يومياتها وفي البوح أحيانًا لذة!

زوجان عاشقان للكتابة؛ وعندما صار أحدهما أكثر شُهرة انسحق الحب تحت وطأة الغيرة والحقد والسرقات الأدبية! في عام 1920 تزوجت الروائية الأمريكية زيلدا ساير (10 يولية 1900 – 10 مارس 1948) من الروائي الأمريكي فرانسيس سكوت فيتزجيرالد (24 سبتمبر 1896 – 21 ديسمبر 1940) لتصبح زيلدا فيتزجيرالد؛ استمرت حياتهما هادئة حتى نشر سكوت روايته"الجميلة والملعون"عام 1922.

نجحت الرواية التي تحمل تفاصيل علاقته بزيلدا واشتهر سكوت! تقول زيلدا في مذكراتها:"إن دفاتر يومياتي القديمة اختفت من بيتي بعد فترة قصيرة من زواجي بسكوت وبعدها وجدت مقاطعًا كاملة من مذكراتي في رواياته"! وقالت:"أعتقد أن فتزجيرالد يؤمن بأن السرقات الأدبية تبدأ أولًا ن البيت!".

فسدت العلاقة بينهما وأصيبت زيلدا بإنفصام استوجب علاجها داخل مصحة عام 1930 وعاشت داخلها ثمانية عشر سنة كتبت خلالها رواية"دع رقصة الفالس لي"عام 1932 وفي الوقت نفسه كتب سكوت رواية"الليلة الناعمة"واستغل الزوجان حياتهما الشخصية في كتابة الروايتين!

ولأن سكوت أكثر منها سطوة في عالم الأدب فقد أجبرها والناشر على تغيير أحداث الرواية واستسلمت لهما وغيرتها ففشلت الرواية بينما نجحت رواية سكوت!

مات سكوت عام 1940 بتأثير الخمور ولحقت به زيلدا محترقة بعد ثماني سنوات إثر حريق تعرضت له المصحة.
بمأساة مشابهة انتهت حياة الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث (27 أكتوبر 1932 – 11 فبراير 1963) بعد زواجها من الشاعر الكبير تيد هيوز (17 أغسطس 1930 – 28 أكتوبر 1998). بدأت سيلفيا حياتها معه بحب تحول إلى غيرة، ثم انفصال وعشت مع طفليها بغير أب.

حاولت سيلفيا مواصلة الكتابة، وأصدرت روايتها"الناقوس الزجاجي"في يناير 1963، وكان النقد لاذعًا، مما دفعها للإنتحار بالغاز في 11 فبراير 1963.

تركت سيلفيا طفلين وروايتها وديوان"آرييل"وقصائد مجمعة نالت عليهم جائزة بوليتزر عام 1982 وصارت هي أيقونة الشعر والمرأة في العالم!

علي حسن

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى