الجمعة ٢١ تموز (يوليو) ٢٠٠٦

السيرة الذاتية في النقد الأدبي الحديث

جرت يوم الاثنين 19 ماي 2006 على الساعة الرابعة عشية بقاعة العمادة بكلية الاداب والعلوم الانسانية، ظهر المهراز- فاس مناقشة اطروحة الطالب: عبد الله توفيقي التي تقدم بها لنيل شهادة الدكتوراه من شعبة اللغة العربية وآدابها في موضوع:" السيرة الذاتية في النقد العربي الحديث والمعاصر:مقاربة في نقد النقد"، أمام لجنة علمية تتكون من السادة الاساتذة:

الدكتور عبد الرحمان طنكول رئيسا
الدكتور حميد لحمداني مشرفا ومقررا
الدكتور عبد الاله قيدي عضوا
الدكتور سمير بوزويتة عضوا
وبعد المداولة قررت اللجنة منح الطالب ميزة مشرف جدا.
وفي مايلي نص التقرير الذي تقدم به الطالب في هذه الجلسة:

دوافع البحث:

يستمد موضوع رسالتنا الموسوم بـ"السيرة الذاتية في النقد العربي الحديث والمعاصر: مقاربة في نقد النقد" مشروعية طرحه من تداخل عدة مسوغات ذاتية وأخرى موضوعية. لعل أهمها خلو المشهد النقدي العربي من أية مبادرة أكاديمية جادة تستحق الاهتمام في مجال نقد نقد السيرة الذاتية. فبرغم التراكم الكمي والنوعي الهام الذي تحقق على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين في مجال الدراسات التي تعنى بالسيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث والمعاصر, سواء على مستوى النقد الأكاديمي (رسائل وأطاريح) أن على مستوى النقد الصحفي (مقالات نظرية- دراسات تطبيقية...)، فإن هذا الرصيد الهام من الكتابات النقدية لم يحظ لحد الآن بالتفاتة أكاديمية معمقة تؤرخ لتمفصلاته الكبرى, وترصد أسئلته وإشكالاته النظرية المهمة (المفهوم/ التجنيس/ النمذجة/...) وتسائل اختياراته المنهجية المعتمدة, مما قد يضمن لعملنا هذا سمة التميز والأسبقية, ويجعل منه مبادرة تأسيسية في هذا المجال.

الأهداف:

يتوخى عملنا هذا تحقيق الأهداف التالية:
 تتبع صيغ اشتغال نقد السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث والمعاصر عبر مقاربة أهم اشكالاته وأغلب العناصر المكونة لنسيج تبنينه.
  مساءلة نقد السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم والحديث والمعاصر، والوقوف على أهم مواصفات الوضع الإشكالي الذي يمر به.
  ربط التفكير النقدي في السيرة الذاتية بعوامل إنتاجه وتلقيه مما يضفي عليه سمة الفاعلية، ويجعله مشروطا بمحيط تداوله وإواليات إنتاجه.
 كشف الخلل في الممارسة النقدية، والسعي إلى تصحيحه وتقويمه.

الإطار المنهجي:

يتأطر البحث في مجال نقد النقد (Métacritiques) باعتباره اشتغالا ضمن مجال فلسفة العلوم أو نظرية المعرفة أو ما اصبح يعرف اختصارا بـ"الإبستمولوجيا".
وسنتخذ من المبادئ الإجرائية التي بسطتها الناقدة "جوهانا ناتالي" في مدخل دراستها للكتابات النقدية التي تناولت "قطط" بودلير بالتحليل والنقد إطارا منهجيا لمقارباتنا النقد نقدية هذه، والمتمثلة بالأساس في الكشف عن الأهداف الرئيسية والثانوية للدراسة، وتحديد الرؤية المنهجية المعتمدة فيها، و تحديد المتن المدروس، والتحقق من ضوابط الممارسة النقدية عبر خطوات إجرائية ثلاث لا تخلو من شيء من التداخل هي على التوالي: الوصف، التنظيم، التأويل، اختبار الصحة( ).
مستثمرين في ذلك الإضافة المنهجية التي طعم بها الناقد حميد لحمداني هذه الوصفة والمتمثلة في مبدأ التقويم الجمالي ، ومن الصيغ المتعددة والثرية لتطبيقه لهذا الإطار المنهجي في أعماله النقدية التالية: سحر الموضوع( 1990). والنقد النفسي المعاصر(1991). وبنية النص السردي من منظور النقد الأدبي(1991). والنقد الروائي والإيديولوجيا(1991). والنقد التاريخي في الأدب (1999).

التصميـم:

وتوخيا منا للتركيز والدقة والإحاطة العلمية الشاملة التي يقتضيها موضوع نقدي بهذا الحجم. فقد آثرنا أن نمفصل هذه الرسالة إلى بابين اثنين: أفردنا الأول منهما لتسليط الضوء على بعض قضايا وإشكالات السيرة الذاتية في النقد العربي الحديث والمعاصر، وخصصنا الثاني منهما لـتتبع مسار تطور نقد السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث والمعاصر وتحولاته الكبرى.
ومراعاة منا للانسجام والتوازن اللذين يتطلبهما مثل هذا العمل فقد فضلنا تقسيم كل باب إلى فصلين اثنين، فتناولنا في الفصل الأول من الباب الأول:
السؤال التاريخي في السيرة الذاتية العربية بطرح إشكالية الكتابة عن الذات في الأدب العربي القديم من منظور النقاد العرب المحدثين، عبر مقاربة نقدية لعينة مقالات نقدية عربية:

الأول بعنوان "الحديث عن الذات في كتاب التعريف لابن خلدون" لعبد الفتاح كيليطو (1987).
والثاني بعنوان "في استنطاق النص: حي بن يقظان سيرة ذاتية لابن طفيل" لعبد الله إبراهيم (1990).

لنعرض بعد ذلك في الفصل الثاني من نفس الباب السؤال التجنيسي في السيرة الذاتية العربية بملامسة إشكالية تجنيس السيرة الذاتية في النقد العربي المعاصر ما بين أطروحتي الجنس الخالص والتداخل الأجناسي عبر مقاربة نقدية لمقالين اثنين:
الأول لعبد المحسن طه بدر بعنوان "رواية الترجمة الذاتية" الفصل الثالث من الباب الثاني من كتابه تطور الرواية العربية الحديثة في مصر(1963).
والثاني لحميد لحمداني بعنوان "طبيعة السيرة الذاتية وعلاقتها بالرواية" (1984).

في حين عرضنا في الفصل الأول من الباب الثاني لتلمس الإرهاصات الأولية لتشكل وعي نقدي طليعي بالسيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث عبر مقاربة نقدية لثلاثة كتب مشرقية ذات مرجعية انجلوساكسونية هي:
ـ "فن السيرة" لإحسان عباس (1956).
ـ "الترجمة الشخصية" لشوقي ضيف (1956).
ـ "الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث" ليحيى إبراهيم عبد الدايم (1975).
وفي الفصل الموالي من الباب عينه قمنا برصد الجهود الكبرى لتأسيس نقد أكاديمي في جنس السيرة الذاتية في الأدب العربي المعاصر عبر مقاربة نقدية لأربعة كتب نقدية مغاربية ذات مرجعية فرنكفونية هي:
ـ "الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث: سبعون لميخائيل نعيمة" لفوزية الصفار الزواق (1999).
ـ "سيرة الغائب.. سيرة الآتي : السيرة الذاتية في كتاب الأيام لطه حسين " لشكري المبخوت (1989).
ـ "البوح والكتابة: دراسة في السيرة الذاتية في الأدب العربي" لعمر حلي (1998).

ـ "الكتابة والوجود: السيرة الذاتية في المغرب " لعبد القادر الشاوي (2000).
واستهللنا هذا كله بتقديمٍ بسطنا فيه دوافع اختيارنا لهذا الموضوع وبيان أهميته وتحديدا لأهدافه وإطاره المنهجي والمتن الذي نقترح دراسته وبيان تصميمه والعوائق والصعوبات التي اعترضتنا إبان إنجازه. وأتبعناه بمدخل نظري قمنا فيه بمقاربة نقدية لحدي مصطلح ومفهوم السيرة الذاتية في الوعيين اللغوي والمصطلحي العربيين، وذيلنا المجموع بخاتمة أوجزنا فيها حصيلة الاستنتاجات التي خلصنا إليها في دراستنا هذه. قبل أن نختم العمل بملحقين بيبليوغرافيين، رصدنا في الأول منهما حصيلة الكتابات النقدية المنجزة في موضوع السيرة الذاتية في النقد العربي الحديث والمعاصر: (كتب ودراسات نقدية وأطاريح جامعية ومقالات نقدية.). وألممنا في الثاني بحصيلة الكتابات النقدية الغربية المنجزة حول جنس السيرة الذاتية في الأدب العربي.
 استنتاجات:
لقد حقق التفكير النقدي العربي في جنس السيرة الذاتية في الآونة الأخيرة تطورا كميا ونوعيا هامين، إذ لم يعد رهين مسار تداولي واحد، بل تنوعت مسارات ومستويات نشاطه، وتعددت منظوراته، وتشعبت مرجعياته، وتكثفت تضاريسه بتوالي السنين وتعاقب الأجيال وتلاقح التجارب، مما أهل لتحقيق يقظة في الوعي النقدي العربي بجنس السيرة الذاتية. وقد اقتصر التفكير النقدي العربي طيلة حقبة زمنية تناهز أربعة عقود على تداول قضايا وإشكاليات نقدية محددة من قبيل: المفهوم؛ والتجنيس؛ والتصنيف.

واتسم هذا التناول ـ في مجمله ـ بشيء من الرتابة والجمود حينا والتقليد الحرفي حينا آخر؛ يزكي ذلك نوع وحجم الاختيارات النصية والمنهجية والمرجعية التي أقدم النقاد العرب على طرحها طيلة هذه الفترة، إذ توجهت معظم الاجتهادات النقدية إلى العناية بالدراسة التطبيقية (تحليل نصوص ودراستها)، على حساب الإدلاء بمقترحات وبدائل نظرية يمكنها المساهمة في إغناء الحقل النقدي، أو على الأقل نقد ما هو متداول فيه، واتسمت غالبيتها بالنمطية إذ اقتصرت على تكرار دراسة نصوص حديثة محدودة (الأيام ـ سبعون). كما خضعت تلك المقاربات للرؤية المنهجية نفسها، إذ اعتمدت "المنهج التكاملي" أداة إجرائية لمقاربة المتون المدروسة، مما أفقدها صفات التنوع والتخصيب بالرغم من تمايز إطارها المرجعي المعتمد، والذي تأرجح بين الامتياح من المدرسة الأنجلوساكسونية طيلة عقدي الستينيات والسبعينيات، ومن نظيرتها الفرنسية خلال العقدين المواليين الثمانينيات والتسعينيات، مما جعلها في منأى عن التأسيس لتراكم نوعي مبني على الاستيعاب والتجاوز.

كما أن تعمد بعضها الفصل بين التداول النقدي للسيرة الذاتية كنص أدبي وبين التصور الفلسفي المؤطر لها (الفردانية) جعلها مجرد مقاربات جزئية قاصرة تفتقد إلى الرؤية الشمولية الواضحة والملمة، في حين أضحى تناولها للسؤال التاريخي في السيرة الذاتية أو الكتابة عن الذات في الأدب العربي القديم أشبه ما يكون بالبسملة التي تتردد على كل الألسن وبنفس الطريقة عند بداية كل بحث متكئة في ذلك على الاجتهادات الاستشراقية.

يأتي هذا كله في غياب الإدلاء بمسوغات موضوعية مقنعة تبرر الاختيارات الكبرى في معظم هذه الأعمال، وتجعل القارئ على بينة من أمره يدرك المقدمات التي ينطلق منها حتى تمكنه من تتبع مسار العمل النقدي بشكل واع متدرج مبني على حجج منطقية إلى أن يخلص إلى نتائج معقولة. وفي ظل جو هيمن فيه اقتيات النقاد العرب المعاصرين على خلفية تاريخ أدبي سالف تتخذ كتجل بارز لها هنا مقولات من قبيل: مركزية جنس الرواية وأسبقيته التاريخية؛ واحتكاره سمة التخييل؛ وأفضلية جنس "الرواية" على جنس "السيرة الذاتية".

كما تفتقــر الممارسة النقدية العربية المعاصرة إلى شيء من الحياد والتجرد العلميين إزاء مكونات الظاهرة الأدبية، إذ جنح دعاة النقد الإيديولوجي إلى اتخاذ المنهج مطية لخلق تفاضل أجناسي داخلها، بانحيازهم لجنس "الرواية" على حساب "السيرة الذاتية" التي عَدّوها "جنسا منبوذا".

لقد ظلت الكتابات النقدية العربية الحديثة والمعاصرة على مستوى التصنيف نزاعة إلى الانحياز إلى نص أو صنف بعينه، على حساب النصوص أو الأصناف الأخرى التي تعدها تقليدية أو ناقصـة؛ ومثال ذلك تفضيل يحيى عبد الدايم نص "سبعون" واعتبار عبد المحسن طه بدر "عودة الروح" نصا نموذجيا، و انحياز التونسيين لنص "الأيام" وتفضيل عمر حلي لأعمال محمد شكري. ولتحقيق تلك الغاية تحول "التصنيف" من آلية إجرائية محايدة للتمييز بين نصوص السيرة الذاتية من موقعها في خط أفقي ساكن، إلى آلية منحازة تمكن من التمييز بينها بحسب موقعها التراتبي في خط عمودي متحرك. وقد هيمن "التصنيف" وفق اعتماد معايير خارج نصية لدى نقاد السيرة الذاتية العرب المحدثين والمعاصرين على السواء، يحظى فيها التصنيف وفق اهتمامات الكتاب السياسية والثقافية والاجتماعية بالنصيب الأوفر.
كما يركز معظم النقاد العرب على تلخيص مضامين النصوص دون إيلاء أي اعتبار لاختياراتها الجمالية المتمثلة في أشكال الكتابة التي يوظفها الكتاب لأجل تذكر مراحل حياتهم، بحيث تحولت مجموعة من الكتب النقدية من دراسات تطبيقية لسيرٍ ذاتيةٍ إلى نصوص سير غيرية تعمد إلى إعادة كتابة هذه السير الذاتية بضمير الغائب.

آفاق البحث:

إن أهم ما تشي به مبادرة من هذا القبيل هو المساهمة في فتح آفاق البحث أمام باحثين شباب للمساهمة بدورهم في تحقيق إضافات نوعية في هذا المجال الخصب والفتي تخص مواضيع نقدية جديدة من قبيل:
  دراسات للتلقيات النقدية لنصوص السير الذاتية الرائدة في الأدب العربي الحديث. كـ"الأيام" و"في الطفولة"، أو التي حققت قفزة نوعية مثيرة في الرقي بتقنيات كتابة السير الذاتية العربية كـ"الخبز الحافي" و"السيرتان".
  دراسات للتلقيات النقدية الغربية للسيرة الذاتية في الأدب العربي القديم أو الحديث أو المعاصر.
  كما أن موضوع "نقد السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم" مازال في حاجة إلى جهود أكاديمية جادة تنهض بالإلمام بإشكالياته العميقة، عبر مقاربات تأويلية لأهم نصوصه.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى