الأحد ٢٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم سهام جبار

الشاعرة

الشاعرةُ أتتْ من بئر العالم
بسحاليها وقواقعها
تخترعُ الماس.. تغرفُهُ،
تُنضي الهواء وتبدأ عاشقاً
قد لا تُتمُّهُ حين يفعل البحث ويسعى،
ـ ماذا أفترضُ، أ هو سببٌ؟ .. سببٌ لأذهب؟
نعم، سببٌ لأقصى الماء والنمل والشمس التي تغيم،
هكذا نشرق.
وتغنّي لا الدفوف، المضيّ يغني من جهته.
الشاعرةُ أتتْ.
تغسلُ أنثاها بالطرائق إلى رجلٍ أو خطوتين
أو امرأةٍ بعباءةٍ ترتدي عباءةً،
معها مفاتيح الشوارع..
كذا يفكّها اللغز، ثم تنام في فاعلٍ لا يصدأ.
تلك نملتي أرسلها إلى بطون العسل،
ثم أسرّح النحل، كلُّ النحل أسرّحهُ،
أ لا يعرفُ قابضو الفراشات أنها معي؟
الترابُ يلفُّ سيكاراً من جيشه ويفخر،
أنه يفعلُ ما يفعل بلا هوادة.
كذا ضلعُكَ أيها التراب في خانةِ الدواء المرّ،
"أقطّهُ" وينفد الحبر..
فألد سحليةً...
على الطبيعةِ أن تُلقي أوديبَها،
لا فاعلَ إلاه في الصورةِ التذكارية.
"ذا درسكِ حتى تكبري عن تجميع الوجود في وديعة"
سحليتي تجوبُ التلال،
وترمي بالقمم من أعلى الرؤوس.
عيناها تبطلان التاريخ من عقربيه
والحقيقةَ من الوصيّ الذي
لا الخيانة ولا البلاهة تفزعانه،
بل المصادفة التي تمرّغُ الشكَّ في الأحضان.
ثم يحبلُ أو تلدُ، أو يقلّبان الصفحات،
إلى ما ليس للأيام من فهرسٍ أو حكيم.
لا أتصوّرُ ما وقع قبل قليل،
ربما اليوم،.. كما مات أمس.
وأصدعُ لتوالي الحطب في مغارتي الباردة.
كل سلالةٍ وشتاؤكِ بخير يا حمّالة المطر
أقرضُ الخريطةَ فيتبقّى من أسناني الحليب،
أو النهد الذي فرقعني بزوابعه
جمعتُها في أوراق العالم، إنه موجودٌ لذلك.
حتى أن "غروتنبرغ" الذي ما عرف من العراق غير ألمانيا
.. صدع لرغبتي، ورآني في الكتب أتجوّل.
وحين لم ألتقِ برفيقتي.. صرتُ سحليةً
حبلُها السريّ مع أميبا يفرغان الشعراءَ في زاوية.
وتتكاثرُ الحشرات .. فألد جسدي
كما لم يخطر لأمي التي تنقلُ من رفث الطبيعة ما نقلتْ.
الشاعرةُ أتتْ..
هل يكفي ما حلّ.. ليتخلّف هنا عن هناك،
والسياسة عن إدارةِ الكعبةِ أو الكعاب؟
ـ كيف يمنع الناسُ أنفسَهم عن النهر؟
إذ دجلة في مكانه يراود كل واحدةٍ بطريقتها،
ويلمّ البرصَ والكروش عن الشوارع والحانات..
الغرفةُ داميةٌ، منذ تركتُها وسَكَنَةٌ يغمرونها.
أتوقّعهم كلّ نومٍ تحتي أو بين أذرعي
تُزلقهم النوافذُ مع الحروب
رأيتُهم، مرةً، في الغزو يملؤون الغرفةَ بالصياح.
وجاء إطفائيون وإسعافيون
ومعترفٌ بشهاداتهم ينقذون، وما أنقذوا.
عرفتُ أن نوعين من الأشباح
تخطرُ في الوقت من الموتِ ورديفهِ.
وإنْ تخترْ، فليس مناص من موتٍ ورديفهِ...
الشاعرةُ لم تخترْ
كانتْ تظنُّ أنها مضادٌ حيويّ لعفاريتها.
تبحثُ عما ليس قنبلةً موقوتةً في كائنٍ كامن.
أو لها إشارةٌ تردُّ الأصلابَ عن التزوير،
لكن كلُّ شيء تهاوى فوقها:
الأحلام والفرقعات والوحدةُ والميّتون والمبعدون..
ربما دميةٌ مدّت لها العون،
صارتْ تذكرُ جهةً حتى يسلمَ العالمُ من انهياراتهِ..
كلُ شيء يُعيدني وأنا وددتُ أن أذهب،
أقصد وددتُ.
هل أذكرُ ما لا يعنُّ للوجوه المسالمة،
تلك التي تميتُها الحربُ كلّ مرة؟!
وأنا بين شاهدةٍ وإنذار أتلفّت،
لستُ منهم، ليسوا مني..
ليس الموت، ليست الحياة، ليست منطقةٌ بينهما.
لستُ مني..
الشاعرةُ كانت آتية
أوقفها حرسٌ يقرّبون الحدود ويبعدونها.
وكيف لا يمتنعُ الناسُ عن النهر، أ لهم خيار؟
الحربُ أجابتْ، ورأيتُ بعينيّ هاتين
كيف ملأوا أجسادَهم وأقفلوا حتى ارتداهم
وهو يضحكُ، منذ قرون يعرفون أنهم هم
وأنا أهامسُ: ضعْكَ فيّ ورُحْ، أو لا ترحْ..
إنا معاً.. أنا وأنتَ، وأنتَ.
الغرفةُ امتلأتْ بالأفاعي والعظايا والعناكب،
أ لم أقلْ جئتُ من بئر العالم
الأصول القديمةُ نفسها تترسّم
والخلايا زهرةٌ تطلعُ أينما يغرفُ السهر
ولا يبالي صائغو الكلام أيّ ميلادٍ سيخلع عنهم الوجوه
كل وجهٍ وهم بخير
شذّاذ الخير النائم مع الملثّمين في العصبة!
لم تكن تعرفُ أنها فاقدةٌ
في المدينةِ منحةَ البريّة،
كانت تصعدُ.. تصعدُ حتى تتّصل
وتفقد ذاكرةً من الشوائب.
ثم لا تعرفُ كيف لا يفقد الناسُ أنفسَهم،
ويتمسّكون بمقاعدهم على أَرَضةِ الطريق.
لا تعرفُ كم لــ "يوسف" هذا الفلك من الساعات.
تتلقّفُه لترميه دوراتُ النجوم،
وسُقْ أيها السائق،
هل تعلم أين تذهب بنظارتك المانعة عنك البكاء.
وأنا أعودُ كل يوم بحفنةِ الكلام
خذْ اقرأ الروايةَ.. كاذبة،
نعرفُ الفاصلَ بين اللغة والشيء
ولن نتوزّعَ في المدينة، يكفي ما رأينا، لكن ننأى.
الشاعرةُ تنأى مبتلّة تخطرُ للحليب
فيُجنّ حتى يلفظ بئرَه ويختبئُ فيها.
تنامُ مع الهواء وتشاكس الأرض،
تكلّم الأسماكَ عن سرّها،
ويخيّلُ، أي ربما، أنها مع الزعانف تسبحُ
حتى أن موجةً من الماء طلعتْ من سرّتها..
والشرخ الذي أتى بها استردّها.
لم تكن تعلمُ أنها غير مقتولةٍ.
وهل تصحُّ لها النجاة؟
تنتفضُ ثم يطرقها القاتل،
مرةً قتلها، وانسكبتْ..
تظنُّ أنها مدركةٌ ما سيروح عنها. لكنها أتتْ.
تسير مع الصغار،
إن يُتلفوا ماسَهم تعود بالعلم الطفوليّ
إلى أناشيد هناك.
كانت تسبقني إلى الهزيمة بعقدين من السنين.
عشرين عاماً بين الوطن وردّتهِ.
أخذني بمركبتهِ إلى فضاء الأشباح
وصرخاتِ المغدور في الرَّبع الخالي،
وأنا أغنّي نشيدي.
اكتشفُ الموكبَ المحمّلَ،
لم أظنَّه أرضاً حراماً حتى سكنني،
وأنا أفلّي نشيدي.
آلاتُه وإنسانُه المبقور والذئابُ تتحاشاني
فلا براءةَ من الطفولةِ حين تصيب،
وأنا أطحنُ نشيدي..
الأطفالُ تهاووا في الكِبر
وتردّدين أطرافَ اللعبةَ،
مَنْ في اللعبةِ غير الموتِ ورديفهِ؟
لا حسن، لا مهدي، لا علي، لا بيداء ، لا صابرة....
ذلك كان بمدرسةِ الإيمان.
لها جنّي وعصا مديرةٍ بلهاء،
يحدُّها أبي بفرنه،
ومخفرٌ من الحلوى والشرطةُ العاطلين عن القسوة،
والحارسُ الشافي.
وأنتِ تغنّين النشيد بلا قياس.
تصفّقُ الأبواب، ويتداخلُ القول مع الشيء،
لأستبدل اللعبةَ فأقولُ كُنْ.. وأكون..
أكونُ في الغرفةِ الدامية !
أقطنُ المسافةَ، ولا يغنّي المضيُّ من جهتِه.
الشاعرةُ سارقةٌ..
تتلصّصُ عليها امرأتان من ثقبِ العينين،
...... "ما المسروق ؟" تلفّتَ الأخوةُ،
هذا يردِّدُ الأدعية، وذاك يتلو الطريقة،
وسوطٌ كالذي يُتقنُ الجلاد
يحملُه كلُ الضحايا فرحين،
وأنا أباعدُ وأُقرِّبُ الصورة..
هل تنجو أمّي منّي؟ ..
يتردّدُ الذباب،
وشفاهُ النساء حواملُ بما ليس في مقدورهنّ.
وأغور في مرض الضحايا
يفسحون بطوناً لاحتمالي
الشــاعرة..
غارقةٌ في بئر العالم،
مَنْ ينقذها من الكلام؟
لم يعدْ من بللها غير اللسان..
الكلُّ ذَهَبَ....
وهي تأتي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى