الثلاثاء ٨ آذار (مارس) ٢٠٢٢
مطارحاتٌ في فضاءِ الفكْر
بقلم رامز محيي الدين علي

الشّرُّ

قالُوا:
الخيرُ يُطفِئُ الشّرَّ، كما يُطفئُ الماءُ النّارَ. لقمان الحكيم
مفتاحُ البطنِ لقمةٌ ومفتاحُ الشَّرِّ كلمةٌ. عليّ بن أبي طالب
الخوفُ ألمٌ نابعٌ من توقُّعِ الشّرّ. أرسطو
أغلبُ النّاسِ عندَ السُّلطةِ يَصيرونَ أشراراً. أفلاطون
عدمُ التّعاونِ معَ الشّرِّ، واجبٌ لا يقِلُّ أهميَّةً عن التّعاونِ مع الخيرِ. المَهاتما غاندي
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ المتنبّي

وأقولُ:
سيظلُّ العالمُ في شرٍّ، ما دامَ يحكمُه الأشرارُ.
كلمةٌ طيّبةٌ تفتحُ أبوابَ الخيرِ، وتُغلقُ أبوابَ الشّرّ.
ستكونُ الحياةُ نعيماً، لو كانَ فيها جحيمٌ يُحشرُ فيه الأشرارُ.
بينَ الخيرِ والشّرِّ هنيهةٌ من التّفكُّرِ والتّأمُّل، أو الحماقةِ والتَّهوُّرِ.
الحروبُ أردأُ أنواعِ الشُّرورِ بينَ البشرِ.
الشَّرٌ سيفٌ بتّارٌ، والخيرُ ترسٌ يتلقّى الضَّرباتِ.
أقصرُ الطُّرقِ إلى رومَا، نيرونُ مهووسٌ بالعظمةِ.

أيُّها الشَّرُّ..
هل أنتَ قولٌ أم أنتَ فعلٌ، أم أنت فكرةٌ، أم أنت فلسفةُ الدّيّان؟!
هل أنت وسوسةُ شيطانٍ، أم أنت شيطانٌ يصنعُك الإنسان؟!
هل أنت مَن يخلقُ أشراراً، أم أنَّ الأشرارَ فلاسفةُ الأزمان؟!
لماذا أنت متجبِّرٌ، وعدوُّك فلاسفةُ الفكرِ وعباقرةُ رسالاتِ الأديان؟!

لماذا نسبَ الشُّعراءُ إلهامَهم إلى الشَّيطانِ، والشِّعرُ خيرٌ وسحرٌ وجُمان، والشَّيطانُ عدوُّ الإنسانِ، والعدوُّ لا يُلهِمُ عدوَّه إلّا الشّرَّ والآثامَ ومصائبَ البُهتان؟!

لماذا حينَما يُقبِلُ البشرُ على طيِّ صفحاتِ بطولاتِهم الغراميَّةِ بالزّواجِ يقولُون: (شرٌّ لا بدَّ منهُ)، ونفوسُهم كانت تهفُو إليهِ منذُ المراهقةِ، وتصبُو إلى غابةٍ ممشوقةِ القوامِ بالجميلاتِ، وعيونُهم وهمْ في الصَّوامعِ، عينٌ على حوريَّاتِ السّماءِ، وعينٌ على حوريَّاتِ الأرضِ؟! ثمّ ينفقُون أموالَهم ونفائسَهم بالحفلاتِ والأعراسِ؛ لدخولِ هذا العالمِ الجديدِ من الشَّرّ، وحينَ تسألُهم عن خطيئةِ هذا الشَّرِّ، يُعلِّلُون غايتَهم بالاستقرارِ؛ لأنَّهم تعِبُوا من شُحِّ الرَّاحةِ والطُّمأنينةِ والآثامِ!

لا أدريْ -أيُّها الشّرُّ- لماذا يُسوِّقُكَ العالمُ القويُّ إلى البشريَّةِ بأسماءَ تَسبي العقولَ بجمالِ ألفاظِها، وتأسرُ الأفئدةَ بجمالِ معانيْها، تارةً باسمِ الأممِ المتَّحدةِ، وتارةً باسمِ مجلسِ الأمنِ، وتارةً باسمِ الجمعيَّة العامّةِ للأممِ المتَّحدةِ، وتارةً باسمِ حقوقِ الإنسانِ، وتارةً باسمِ حقوقِ الطِّفلِ، وتارةً باسمِ حقوقِ الحيوانِ، وتارةً باسمِ يومِ الأرضِ، وتارةً باسمِ السِّلمِ العالميِّ، وهم مَن يُفتِّتُ العالمَ إلى عشائرَ ومذاهبَ، وهم مَن يقوِّضُ الأمنَ والسِّلمَ العالميَّينِ، وهم مَن أذلُّوا الإنسانَ وأبادُوه وحمَوا الطُّغاةَ والمجرمينَ في شتّى بقاعِ العالمِ، وهم مَن لوَّثوا الأرضَ ودمَّرُوها، وهم مَن حوَّلُوا نعيمَ الأرضِ إلى جحيمٍ بحروبِهم وأحكامِهم وحقوقِ نقضِهم الشَّيطانيّ الّذي سمّوه (الفيتو)؟!

لا أدريْ لماذا حينَما يُحرقُ نيرونُ مدينتَه، يقولُون مؤامرةٌ كونيَّةٌ عظْمى، وكأنَّ كلَّ شياطينِ السَّماءِ والأرضِ وضَعَت إلهامَ مؤامرتِها لتدميرِ هذهِ الزَّريبةِ أو تلكَ، وحينَما يُضيءٌ مصباحٌ كهربائيٌّ عتمةَ بيتٍ ريفيٍّ منسيٍّ، أو يُنقّطُ صنبورٌ بقطراتِ الماءِ مندفعةً بقانونِ الأوانيْ المستَطرقةِ إلى بيتٍ لا يرَى أشعَّةَ الشَّمسِ إلّا بانعكاسِها من نوافذِ أبراجِ اللُّصوصِ، أو تُهلِّلُ امرأةٌ وتزغردُ حينَما تشتمُّ رائحةَ الشّواءِ، أو يجتمعُ الأقرباءُ للمباركةِ بقدومِ المولودةِ الجديدةِ أسطوانةِ الغازِ – جعلَها اللهُ قرّةَ الأعينِ، يقولُون: كلُّ هذا من عطاءاتِ القائدِ نيرونَ، فذرَّةُ واحدةٌ من عطاءاتِه خيرٌ، وتدميرُ مدينةٍ بأكملِها مؤامرةٌ شيطانيَّة؟!

لا أدريْ لماذا حينَما يتقاضَى موظَّفٌ راتباً خياليَّاً، وآخرُ أكثرُ تأهيلاً يتضوَّرُ جوعاً، فيصومُ العشرةَ الأوائلَ والأواخرَ من كلِّ شهرٍ، فينسِبُون هذه المفارقةَ إلى نظريّةِ النسبيَّةِ لألبِرت أينشتاين وقانونِ الجاذبيَّة لإسحاقِ نيوتن؟!
لا أدريْ لماذا الفكرُ الصَّادقُ متَّهمٌ، حتَّى تثبتَ براءتُه بالتَّطبيلِ والتَّزميرِ أو التّصفيرِ؟!
لا أدريْ لماذا تحتقرُ البشريَّةُ الخيرَ وتتَّهمُه بالتَّخلُّفِ، بينَما تصنعُ أصناماً لمَن يدمِّرُها ويقودُها إلى الهاويةِ؟!
لا أدريْ لماذا تتسابقُ الأممُ إلى امتلاكِ قوَّة الشّرِّ، وما تزالُ شعوبُها مدمَّرةً بشرورِ الأمراضِ والفاقةِ والفقرِ؟!
لا أدريْ لماذا تتسابقُ أممُ الأرضِ إلى جنانٍ في الفضاءِ، وهيَ لم تبنِ على الأرضِ كوخاً من النّعيمِ للإنسانِ؟!

الشّرُّ:

كفاكَ تساؤلاتٍ أيُّها الكاتبُ المسكينُ، فتساؤلاتُكَ تحملُ في طيّاتِها إجاباتِها الّتي تبحثُ عنْها! ولا أدريّاتُكَ تعبّرُ عن ضعفِكم وتأمُّلاتِكم الحائرةِ، فلا تقُلْ لي كمَا قال شاعرُكم الفيلسوفُ إيليّا أبو ماضي في قصيدتِه (االطَّلاسِم):

جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي لَستُ أَدري
أَجَديدٌ أَم قَديمٌ أَنا في هَذا الوُجود
هَل أَنا حُرٌّ طَليقٌ أَم أَسيرٌ في قُيود
هَل أَنا قائِدُ نَفسي في حَياتي أَم مَقود
أَتَمَنّى أَنَّني أَدري وَلَكِن لَستُ أَدري

لا تبحثُوا عنّي في السَّماءِ، ولا تتخيَّلُوني إلهامَاً من شياطينِها.. ولا تتصوَّرونِي كائناً فضائيّاً كالأطباقِ الطّائرةِ، إنّني في نفوسِكم الضَّعيفةِ، وفي فكرِكُم المعتلِّ بالبلاهةِ، فلا تنْسَوا فضلِي! وكفاكُم حَيرةً: من أينَ جئتُ، ومن أينَ أتيتُ، ومن أينَ دخلتُ أو خرجتُ، فأنا في أعماقِ ذواتِكم، أَجْري في دمائِكم وعروقِكم، وأنا ملكٌ يتربَّعُ عرشَ أفكارِكم، فتُطيعونَني وأنتُم أصاغرُ، وتنفِّذونَ أوامرِي وأنتُم عبيدٌ أتقياءِ، وتفتخِرُون بي في أموالِكم وحروبِكم وبغيِكم وتنافُسِكم في كلِّ ميادينِ الحياةِ، وأنتُم منتشُون بنشوةِ الظَّفرِ بالنِّعمِ والانتصارِ والتّمدُّنِ والرُّقيّ!
أنا الشّرُّ سيِّدُ العالمِ، وجميعُ كراسي سياداتِكم متَحرّكةٌ، أعرفُ كيف أديرُها، وكيف أحرّكُها، وكيف يتَّبِعُها عباديَ المؤمنونَ بي.. فلا تتفلسَفْ كشاعرِك بالتّساؤلاتِ واللّاأدريّاتِ الّتي لا تُسمِنُ ولا تُغْني من جوعٍ، فتأمّلِ البشريَّةَ منذُ نشأتِها، وهيَ تحاربُني بالأفكارِ الإنسانيَّةِ والرُّوحانيَّاتِ السَّماويَّةِ، وها أنا -كما ترَى- ملكُ عرشِ البشريَّةِ، تتعبَّدُني في سرِّها، وتكفُرُ بي في علنِها، تُغدقُ على أشرارِها بالنِّعمِ والعطاءِ، وتَحرِمُ أناسَها الطّيِّبينَ الخيّرينَ، وتُعلِّلُهم بالأماني الجميلةِ، كما تتعلَّلُ أنتَ الآنَ، وكأنّكَ من خارجِ كواكبِ المجموعةِ الشَّمسيَّةِ؟! وما عليكَ إلّا أنْ تتعمّقَ في فهمِ نظريّةِ النِّسبيَّة وقانونِ الجاذبيَّةِ، جذبكَ اللهِ إلى أنصارِي، ونسبَكَ إلى عبادِي لتعيشَ بسلامٍ، وأبلِغْ صاحبَكَ وعدوّي -الخيرَ- السَّلامَ!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى