الخميس ٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم حسن أحمد عمر

الصداقة فى زمن العجايب

(صداقة تيك أواى)

هل عودت نفسك على تضارب العواطف ، وتباين المشاعر داخلك فى نفس اللحظة مثل ذلك الذى يستطيع أن يبكى ويضحك فى نفس الوقت ؟ هل تعاملت مع الناس على مختلف مستوياتهم الذهنية والفكرية والثقافية والعلمية فوجدت أن الذى يحبك الآن يمكن أن يكرهك بعد ساعات ، وقد يكون السبب غير معروف لك ؟ وقد يتحول الإنسان من شخص يدافع عنك ، وينحاز لقضيتك ، ويواجه كارهيك بكل قوته ، ولكن فجأة وبدون سابق إنذار تحول للضد والعكس تماماً لأسباب لم يطلعك عليها ، ولم تدركها ، وقد يمر وقت طويل جتى تعرفها ثم تكتشف أنه ظلمك وكرهك وعاداك بغير سبب وجيه ، وأنه انقاد وراء الكلام المغرض والفتن السفيهة ولم يتريث فحطم كل شىء جميل كان يربطك به ، وحول الصداقة إلى صفاقة والمحبة إلى مسبة ، والوئام إلى خصام ، فهل عشت تلك الأحاسيس ومستك نارها المحرقة ، واكتويت بلظاها الشديد ؟.

هل سهرت ليلك تتساءل فى جنون : ماذا فعلت له لكى ينقلب هذا الإنقلاب ويحيل ما بيننا من سعادة إلى تفكك واكتئاب ، هل وصلت بك الدرجة أن تسأل أشخاصاً لا يعرفون شيئاً عن مدى حبك وصدقك مع إنسان ما ، أن تسألهم كيف تسنى له أن يركب موج الغدر ، وأن ينسى الصداقة والمحبة والشهامة والرجولة التى جمعت بينكما ثم ينقلب على عقبيه ليخسر كلاكما صديقاً عزيزاً وسنداً فريداً فى حياته ؟؟.

إنه الصديق وإنه الإنسان وتركيباته النفسية المعقدة التى قد تحتوى فى ذاكرتها على مخزونات نفسية محصورة داخل اللاشعور ولا تجد متنفساً لها إلا فى ذلك الوقت وتلك اللحظة التى ينجح فيها أحد شياطين الإنس فى الإيقاع بينكما عامداً متعمداً قتل الصداقة التى ربما يكون هو- شيطان الإنس- محروماً من مثلها وغير قادر على الوصول لصديق عزيز فيدبر لكما مكيدة بأساليبه العديدة الفريدة حتى تسقط الصداقة صريعة الكراهية والحقد وهكذا يسعد هو ويصل لمأربه الخبيث وهدفه الخسيس فى قطع أواصر المحبة ، وروابط الوفاق التى تجمعك مع أحد الطيبين المخلصين فى زمن ردىء شح فيه هذا الصنف وزاد وفاض الصنف الردىء الخبيث .

قال أحد الشعراء العباقرة الذين قدروا حق الصداقة والصديق:

صديقك الحق من كان معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان ضيعك
شتت نفسه فيك ليجمعك

إن الصداقة الحقة من صنع الله تعالى يقول تعالى ( فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم) أى أن القرآن قد تحدث عن الصداقة الحميمة، بل وجعلها فى منزلة الأقارب حين قال تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون).

ولكن ماهى حدود الصداقة وهل لها شروط ؟ وهل يتم وضع خطة لأقامتها؟
لا أعتقد أن الصداقة التى تقوم على الإخلاص والصدق والمحبة تحتاج لشروط مسبقة ولا أعتقد أنه يتم التخطيط لها بل إنها تأتى بشكل ربانى مدبر له من قبل السماء فتتلاقى أنفس الطيبين والصالحين تجتمع على ما ينفعهم وينفع الناس فى الدنيا والآخرة وتقوم هذه الصداقة على أعمدة من طهارة القلوب وبراءة النفوس من كل إثم أو جرم أو سوء ، تقوم على الإخلاص مع الواحد الديان ومع كل إنسان فلا يمكن أن تجد إنساناً يعرف معنى الصدق والإخلاص والصفاء ثم يحنث بصداقته أو يغدر بصديقه بل هو يتقى ربه فى الكلمة ويخلص النصيحة ويجاهد بقدر الإمكان لإنقاذ صديقه لو كان فى كربة أو التخفيف عنه لو كان فى محنة أو الوقوف إلى جانبه فى الأفراح والأتراح ، أما الصداقة المزيفة فتظهر على حقيقتها من أول موقف ويسقط معدنها الخبيث أرضاً من أول وهلة فيهرب صاحبها من صديقه عند الشدة ويلتمس لنفسه أعذاراً واهية للتملص من واجبه الذى تفرضه عليه الصداقة.

مما لا شك فيه حدوث بعض المشاكل بين الصديقين ولا أظن أنها قد ترقى لدرجة مشاكل فلنقل مثلاً إختلاف فى وجهات النظر فى موضوع ما أو موقف معين فمهما كان الأمر فلا يمكن أن يصل لدرجة الشقاق بينهما – بين الصديقين – وقديماً فى المثل المصرى الجميل قالوا ( حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط ) مما يدل أن الصداقة صفة جميلة ورائعة من قديم الزمان وأن الصديق لا يمكن أن يكره صديقه أو ينقلب عليه لأى سبب من الأسباب ، فكيف تحولت الصداقة فى زماننا إلى صداقة (ع الطاير) تيك أواى يعنى ، أى هو صديقك طالما كنتما فى العمل أو الشارع أو النادى أو .. الخ فإذا أعطاك ظهره وغادرك نسيك ونسيته ، وعاش كلاكما لنفسه وأنانيته ومصالحه فإذا سمع أن صديقه ( التيك أواى ) حدث له شىء كحادث أو طارىء مثلاً لم يبادر بالإسراع لنجدته وإنقاذه والوقوف لجانبه ، بل يتحول إلى نذل فيؤجل زيارته إلى الغد أو بعد الغد ثم يذهب له كأى غريب فهل هذه صداقة؟

بالطبع لا، وبالتأكيد لا نعمم الرؤيا على الجميع نستغفر الله العظيم ، بل إن الصداقة الحقيقية ستظل موجودة الى يوم القيامة ولكن الذى حدث أنها إما تفرنجت أو تأثرت بسرعة العصر فأصبحت تيك أواى ولكن يبقى منها جزء غير يسير محتفظاً بأصالته وصلادته وقوته وجماله ، وهؤلاء هم الصادقون مع الله تعالى ومن صدقهم معه سبحانه ينبع صدقهم مع الناس من أهل وصديق وزميل عمل ورفيق طريق وجار قريب أو جار جُنُب ، لأن الإخلا ص لا يتجزأ فلا يصح أن أدعى الإخلاص لله ثم لا أكون مخلصاً مع عباد الله وإلا كنت منافقاً ونعوذ بالله من النفاق.

(صداقة تيك أواى)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى