الأربعاء ١٤ آب (أغسطس) ٢٠١٣
بقلم سعيد بلمبخوت

الصداقة

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تهادوا وتحابوا»

كتب رجل إلى صديق له: أما بعد، فان كان إخوان الثقة كثيرا، فأنت أولهم، وإن كانوا قليلا فأنت أوثقهم، إن كانوا واحدا فأنت هو!

وقيل لفيلسوف: من أطول الناس سفرا؟ قال: من سافر في طلب صديق.

وقال مالك بن دينار: نقل الحجارة مع الأبرار انفع لك من أكل الحبيص مع الفجار.

هل صداقات الأمس هي صداقات اليوم؟ الم تتطور مع مرور القرون والسنوات؟
وهذا النوع الجديد من الصداقات الذي رأى النور مع تطور وسائل الاتصال، هل نحن بصدد علاقة صداقة حقيقية أم صداقة افتراضية وستبقى كذلك؟

لماذا الخوض في موضوع الصداقة؟

من يقول انه لا يتوق إلى البحث عن أصدقاء. في أي عمر كان، فلا بد وان يكون المرء صديقا لهذا أو ذاك. مند الطفولة، يكون الصديق أحب الناس.

كيف تدوم الصداقة؟ لماذا أو هم أصدقائي؟ هل هم في مستوى التطلع؟ هل صحيح أن " يجتمع من يتشابه"؟ هل الأصدقاء "مهمون"؟

هذه هي أنواع الأسئلة التي يمكن البحث فيها في نطاق سياق اجتماعي واسع. بتأثير المصدر الاجتماعي، والميدان المهني أو السكني، والممارسات الودية، وتلك الممارسات التي من شانها أن تهتم بكل حكايات الأشخاص، وحيث تتجلى أهمية العمر بمآسيه وأزماته.

فصداقة الأطر ليست هي صداقة العمال، وصداقة الشباب ليست هي صداقة الكبار. لكن في كل حالة، يتعين فهم كيفية تمييز علاقة الصداقة عن المؤانسة العامة، وكيفية تكوين الروابط بين الأصدقاء، الآباء، الرفاق والأصحاب والمعارف البسيطة، كيف تتشابك وتتفرع، كيف تتجلى أوجه التشابه بين شبكة أشخاص أكثر أو اقل غنى أو تعقيدا.

وبتحليل الشبكات والتنظيمات للفاعلين يمكن توضيح كيف تمر الصداقة مع كل أطرادها الاجتماعي، وتتميز بكونها رابط" أطراف"، ونوع من المثالية الحميمية التي تسمح باللعب على مختلف وجوه الانتماءات.

الصداقة لا تتجلى كاملا في علاقة بين شخص وآخر. إنها تتحدد في إطارات اجتماعية وتجيب على بعض الاطرادات الاجتماعية، وتظهر تنوعا موحدا لانجازاتها وطرق بنائها و تذهب حتى إلى حدود تعريفاتها كذلك. هده المعاينة لا تقود بعيدا إلى تجريدها من كل ابتكار خاص ولا إلى خيبة شاملة. فالحديقة السرية ليست محتلة وغير محاطة كذلك. فادا كانت الصداقة تعمل بكفاية على تطور العلاقة بين الشخص والمجتمع، فان هدا الأخير ينبني على كيفية خاصة، والتي تميز الصداقة عن الأشكال الأخرى للتكوين المجتمعي لتبرير الخصوصية.
فالصداقة ترى النور داخل البيئات الاجتماعية والأماكن والمجالات التي تتوفر فيها اللقاءات ، حيت تتكون العلاقات واختيار الشركاء لإثبات تلك العلاقات.

وفي إطار العمل، قد تجازي المؤسسات على سبيل التضامن على إنشاء مجموعات صداقة مختارة. وكذلك فالمواجهات والإشاعات لا تترك مكانا إلا لصداقات نادرة وأكثر هشاشة في الزمن؛ ومن جهة أخرى فان التداول العام يرخص لشكل من السيولة في العلاقات، وفي مكان آخر نجد أن العلاقات ترتكز بقوة وعلى الانتقاء بفضل الخدمات فحسب...

وفي بعض الأحيان يسود الانطواء على النفس أو الدخول عالم ضيق للجوار المحدد: وفي أحيان أخرى تتفاقم المفارقات والتمايزات الاجتماعية، وفي مكان آخر تطفو مجموعات سريعة الزوال...

الصداقة حسب هدا السياق تكون اكبر أو اقل سهولة، وأحيانا ممنوعة، موجهة أو هشة. فأماكن الالتقاء تساهم في تحديد الشروط الأولية لنشأة الروابط.

هده الأرضيات العلائقية ليس لوحدها السبب عند تدخلها مقترنة بالعوامل الأكثر عمومية، حيث ترسم المقاطعات الشمولية في المجتمع.

عنصران رئيسيان، يؤشران على " ممارسة المؤانسة" والصداقة: السن والوضعية في دورة الحياة من جهة، وطبقة الانتماء الاجتماعية من جهة أخرى. فالمميزات من حيث الجنس تتنازل مع مرور السنوات بالخصوص في المشاركة في الأعمال الجماعية وفي الدوائر الاجتماعية. وكذلك الارتياد للتواصل مع الأصدقاء. فالوضعية الاجتماعية تدخل بقوة على هدا المنحنى المتدني حسب السن مع إبراز" الحساسية الغير المتوازية لعامل الشيخوخة". فالطبقات الوسطى والعليا تصمد أكثر من الطبقات الشعبية وتحدد كذلك أكثر صداقاتها في سن متقدم. فتأثير هده العوامل يمر عبر كل ميادين الحياة الاجتماعية، وعلى العموم، فالاجتماعية تشتغل أكثر بالجمع، واقل بالموازنة. فالشخص التي يتوفر على كثير من الأصدقاء يكون لديه كذلك الكثير من وسائل التسلية. وغالبية الأشخاص يكونون في نفس العمر ونفس المجموعة....

نظرة عالم الاجتماع.

حسب كل واحد منا تعتبر الصداقة علاقة خاصة وحرة عندما يجتمع اثنان. إنها لا تهم إلا الأطراف وبكامل إختياهم، فيقرران تبادل هدا الرابط لرفعه إلى درجة الصداقة، توجيه مساره، وكذلك حتى لقطعه.

فعناصر هده القرارات ترتكز على دافع متبادل حسب خصوصية الشخص. ليست هناك قوة تدفع إلى الصداقة إدا لم مرغوبا فيها، ولا الحفاظ عليها. ولا لوم على قطعها ولا جزاء على تأييدها. لا المؤسسات الاجتماعية.

لمادا يهتم بها عالم الاجتماع ادن؟ وهو العالم الذي اعتدنا أن نراه يهتم بالمؤسسات، بعلاقات
فالصداقة هي كذلك، اجتماع. ادا كان الأصدقاء أحرارا في الاختيار، فإنهم لا يختارون عمليا بأية طريقة كانت. فتظهر الاطرادات والانتظامات في التباينات التي من شانها أن تشكل التصنيفات الإجتماعية و تشرع المقاربة الاجتماعية.

هده التصرفات الأكثر خصوصية والأكثر حميمية، من شانها أن تشغل عالم الاجتماع وتبرر إسهامه. ومن ناحية أخرى إنه في داخل اللقاء والتفاعلات مع الغير أين يستوعب التباينات الاجتماعية ويتعلم أن يتموقع فيها، ينخرط، و يتفاوض عن مكانه في المجتمع. إن العلاقات الشخصية تكون ادن وسيط الشخص والمجتمع. والصداقة تكون بدورها جسورا وروابط بين مجموعات اجتماعية.

وفي كل هدا يمكن تحديد الرابط الاجتماعي. ومن المهم كذلك النظر إلى أي حد "تهرب" الصداقة من العلاقة الاجتماعية، مع طرح سؤال بكل وضوح حول تلك الحدود. ومن حيث الصداقة المسالة أصبحت أكثر أهمية من اثر"التوتر" الخاص بين الحرية الشخصية وبين الانخراط الاجتماعي والتي تعتبر ركيزتها المتميزة. في هدا الاتجاه، فإن الحوار حول حرية الصداقة يساهم في الحقيقة المطلوبة أو المرغوبة. ولدراسة الإشكالية يحدد عالم الاجتماع الحدود لنظرته المحددة.

الصداقة والصديق- أبو حيان التوحيدي- 1

2 -كلير بيدار- الصداقة رابط اجتماعي

المراجع:

أبو حيان التوحيدي-الصديق والصداقة

الصداقة رابط اجتماعي ، كلير بيدار.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى