الخميس ١٤ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢١
بقلم حسن عبادي

الطمبوريّة

كانت "شويعرة" في البدايات، أدمنت الشاشة الزرقاء فقتلتها الغيرة، بدأت تنقل الأشعار وتنسبها لنفسها، وأحيانًا تبدّل كلمة هنا وأخرى هناك، محاولة الحفاظ على الديباجة والقالب دون جدوى.

لجأت لتجديد شاكلتها كلّ صباح علّها تبرز بعضًا من مفاتنها، فلم يلمع نجمها على الساحة الثقافيّة، واستعانت بمشايخ الفيسبوك ليكتبوا لها أشعارًا ويكيلوا لها المديح ولكن، لا حياة لمن تنادي.

بكَت لمعالجها النفسيّ وهي مستلقية على سريره فنصحها بتغيير اللوك، وفعلًا توجّهت لأشهر طبيب تجميل وصالون للمشاهير في المدينة البعيدة، عملوا لها العمليّات وصبغوا وجهها بالألوان ومسخوها لتصير دمية مصطنعة، ومنها توجّهت لصالونات أدبيّة في بلاد بعيدة فتحت أمامها أبواب الشهرة ولكن سرعان ما بانت الحقيقة وكشفت عورتها، فدون تلك الأصباغ بدت "لا محظر ولا منظر"، والمنصة التي تستضيفها لمرّة تندم على ذلك ولا تعيد الكرّة رغم مديح أولئك المشايخ.

بعد إلحاح كبير من بكّائاتها رضخ منظّم إحدى الأمسيات الشعريّة في البلدة المجاورة ودعاها للمشاركة، فرتّبت حضور باص من أهلها وزملائها ومعارفها، يرافقها إعلاميّون وطاقم تلفزيوني مدفوعي الأجر، لتغطية الحدث التاريخي وما إن جاء دورها فإذ بعريف الأمسية يدعوها: "والآن مع الشاعرة الطمبوريّة التي قدِمت إلينا من بعيد"، فأجهشّت بالبكاء وأغمي عليها..

كتب إعلاميّ مرافق بعد "أن راحت السكرة وإجت الفكرة" في افتتاحية الملحق الثقافي: حين رأيت الطمبوريّة على خشبة المسرح جاءني ما قاله أبو القاسم الطنبوري في حضرة القاضي: "أريد أن يكتب فضيلة القاضي بيني وبين هذا الحذاء مبارأة شرعية على أنه ليس منّي، وأنا لست منه، ومهما يفعل هذا الحذاء فلا أؤخذ به أنا".

(نُشرت القصّة في العدد الثاني، السنة السابعة، حزيران 2021، مجلّة شذى الكرمل، الاتّحاد العام للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل 48)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى