الأحد ٤ آب (أغسطس) ٢٠١٩
بقلم محمد نجدة شهيد

العجوز كوني

جرت وقائع هذه القصة في قرية صغيرة في بلاد مالي تُدعَى سيغو حيث كان هناك منذ حوالي ألف سنة امرأة عجوز تدعى كوني تسكن مع حفيدتها في كوخ صغير على أطراف القرية وتعيش على فتاتها. واعتاد بعض أهل القرية ولسنوات طويلة مساعدتها فكانوا يأتون إليها من وقت للآخر وهم يحملون الطعام والهدايا.

ومع مرور الزمن لم يعد يجد هؤلاء الوقت الكافي لديهم للقيام بذلك لانشغالهم بحياتهم الخاصة حتى أنهم لم يعودوا يفكرون بها بتاتاً. لكن كوني كانت تفكر بهم طوال الوقت.

وهكذا مرت الأيام والشهور والسنين لم تنقشع خلالها رائحة الجوع الثقيلة من الكوخ الصغير حتى صارت كوني عنيفة في طباعها وتصرفاتها تقترب كل يوم أكثر فأكثر من العتمة الإنسانية في داخلها حتى أصبح قلبها كأنه قُدّ من حجر وعيناها مطفأتان استنفذتا كل ما فيها من دموع. وقررت أنه إذا كان يتعين عليها أن تعاني من الجوع الشديد وأن تعيش في حضيض الفقر والبؤس وهي في أرذل العمر، فعندئذ يتعين على كل أهل القرية أن يعانوا مثلها أيضاً.
لم يكن أهل القرية يعلمون أن العجوز كوني تملك قدرات سحرية خارقة قد تجلب عليهم المصائب في يوم ما. وفي أحد الأيام لم تتمكن كوني أن تنام من شدة الجوع. كانت تتضور طيلة الليل من الجوع الشديد، ويمور في داخلها ألم غامض حتى استيقظ شيطان الانتقام الحرون في داخلها .

وعندما رأت العجوز كوني السماء يشقها ضوء رمادي خافت، وقفت أمام باب الكوخ وأخذت تمد ذراعيها نحو الشمس. كان وجهها جائعاً وشاحباً:"دعيهم جميعاً يعرفون ألم الجوع. لا أمطار فوق قرية سيغو. دعي الزرع يذبل ويموت وهو في الحقول. دعيهم يعرفون معنى الخوف أيضاً كما أعيش أنا في جوع وخوف دائمين".

في هذه اللحظة ظهر أمامها ثور كبير كالشبح وهو يضرب حوافره بالأرض بقوة. وقامت المرأة العجوز على الفور بتقمص روح هذا الثور وأصبحت بذلك مجسدة على شكل ثور كبير، وعلى شكل امرأة عجوز في أرذل العمر في نفس الوقت. وهكذا أخذت العجوز كوني في هيئة ثور كبير متوحش تجوب في أطراف الغابة المجاورة للقرية تهاجم وتقتل الصيادين أينما وجدتهم.

وسرعان ما بدأ أهل القرية يشعرون بالجوع ونقص في المحاصيل بعد ما أصاب الجفاف حقول الذرة الصفراء الذي تقتات عليها القرية لمدة شهرين متتالين. ذبل الزرع في الحقول وأصبح كالهشيم تذروه الرياح. فهاجر بعضهم إلى القرى المجاورة هرباً من الجوع والقحط. ومما زاد الأمر سوءاً أن الصيادين الذين اعتادوا أن يتفرقوا في أرجاء الغابة بحثاً عن الطرائد لم يعودوا يتجرؤون على القيام بذلك ولزموا بيوتهم طلباً للسلامة.

وروى هؤلاء الصيادين الناجين رؤيتهم لثور كبير متوحش لم يتمكنوا من قتله لأن جميع السهام التي كانوا يطلقونها عليه كانت ترتد بسبب جلده السميك وتسقط على الأرض. كان هذا الثور المتوحش الغريب يلاحق أهل القرية في النهار كالنذير وفي الليل كالكابوس الذي لا ينتهي.

ومع استمرار أيام الجفاف بسبب انقطاع المطر ووجود هذا الثور المتوحش في الغابة تفاقمت أحوال أهل القرية وبدؤوا يشعرون باليأس الشديد.. جوع دائم وخوف متجدد يأكل الروح. فهرعوا إلى زعيم القرية وهم يرتجفون من التوجس والخوف والترقب يلتمسون العون. فقام زعيم القرية على الفور بإرسال طلبات الاستغاثة إلى زعماء القرى الأخرى المجاورة.

وفي طرف قصي في قرية مجاورة كان يعيش هناك شقيقان ،كيراما وشقيقه الأصغر كانكيجان. سمعا بطلبات الاستغاثة فقررا المجيء إلى القرية لمساعدة أهلها بقدر ما يستطيعان.

فقال لهما والدهما وهما يودعانه للسفر:"يا ولديّ. احذرا. أنتما تسعيان لتقديم يد المساعدة في مشكلة غير طبيعية. لقد يبس الزرع في حقول قرية سيغو لانحباس المطر بينما كان يهطل بغزارة في نفس الوقت فوق باقي القرى المحيطة بالقرية .وهناك أيضاً ثور متوحش لم نسمع من قبل بوجود مثله في أي مكان آخر يجوب الغابة المجاورة للقرية ويقوم بقتل الصيادين.

"تذكروا كلامي يا ولديّ. لقد أصاب قرية سيغو لعنة ساحر أو ما شابه. وإذا كنتما تريدان الذهاب إلى هناك فيجب عليكما أولاً وقبل كل شيء أن تأتيان الكاهن سامبو الذي يمتلك قدرات سحرية خارقة في ضرب الرمل ويستطيع بالتأكيد مساعدتكما في ما تعتزمان القيام به".

ذهب الأخوان لرؤية الكاهن سامبو الذي أخرج على الفور الصينية المقدسة التي يستخدمها لمعرفة الغيب وقراءة المستقبل. وقام بوضع الرمال فوقها وأخذها يعبث فيها ويحركها بأصابعه عدة مرات لتستقر في أشكال معينة قبل أن يمعن النظر فيها لبرهة من الوقت ويقرئها وهو يتمتم ويردد عبارات غير مفهومة.

ثم التفت نحو الأخوين وهو يقول لهما:"هذه رحلة محفوفة بالمخاطر. يُمكن قتل الثور المتوحش ولكن ليس بهذه السهام العادية التي في جعبتكما، أو بنصب الفخاخ أو بأي أعمال شجاعة قد تقومان بها في مواجهته. سوف تنجحان في مهمتكما إذا قمتا بمراعاة واحترام الآخرين. واذا نجحتما في هذه المهمة فسوف يقدم لكما أهل القرية فتاة كجائزة لقاء عملكما هذا. قد تكون هذه الفتاة فقيرة وعادية المظهر، وتستطيعان أن تحضروها معكما لأتخذها زوجة لي لقاء العمل الذي قدمته لكما".

شكر الأخوين كيراما وكانكيجان الكاهن سامبو وانطلقا على الفور نحو قرية سيغو يحدوهما الأمل بنجاح المهمة التي يسعيان لتحقيقها. وعندما اقتربا من أطراف القرية بدت لهما أرض يباب فيها أشجار يابسة وأعشاب جافة وأكواخ متفرقة هجرها سكانها وكآبة غامضة تلف المكان، وشاهدا عن بعد امرأة عجوز تسير على طول الطريق وهي تحمل فوق رأسها كومة من الحطب.

فقال لها كيراما بعد أن رأى علامات الشيخوخة على وجهها الشاحب:" دعيني أساعدك يا جدتي وأحمل عنك هذا الحطب".

كانت هذه المرأة العجوز هي كوني ولا أحد غيرها. وقد عرفت بقدراتها السحرية أن هذين الشابين قد جاءا إلى القرية بغرض قتل الثور المتوحش في الغابة المجاورة.

فقالت :" لا عليكما. أستطيع أن أتدبر أمري بمفردي".

وأجابها كانكيجان برفق ولين :" بالطبع تستطيعين ذلك. ولكننا نسير على نفس الطريق. ولن نجد صعوبة في أن نحمل عنك ما تحملين. إضافة إلى ذلك ، ليس من المناسب على الإطلاق أن تقوم امرأة في عُمرك بعمل شاق في جمع ونقل الحطب. وسوف أتقاسم الحطب مع أخي الصغير مما يُسهل علينا حمله".

فقالت العجوز وهي تمسك بكومة صغيرة من الحطب بين كفيها وتتوجه به نحو الكوخ الذي تعيش فيه:" لا وقت لدي للحديث معكما. يتعين على البعض منا أن يعمل بشكل دائم".

وقام الأخوين بحمل الحطب والسير ورائها وهي تتوجه نحو الكوخ. ووضعا ما كان يحملان بالقرب من باب الكوخ. فقالت لهما بجفاء واضح :"لم أطلب منكما القيام بذلك. أنتما تستطيعان القيام بعمل أفضل من هذا بكل تأكيد".
وقال كيراما:"هناك عمل آخر يا جدتي نعتزم القيام به". وانطلقا يتابعان سيرهما على طول الطريق المؤدي إلى وسط القرية.

وكان في استقبالهما عندما وصلا الساحة زعيم القرية الذي رحب بهما بحرارة، وأقام على شرفهما وليمة للترحيب بهما (لم يستجب الكثير من زعماء الممالك المجاورة لطلبات الاستغاثة التي أرسلها إليهم). ومن المعلوم أنه في تلك الأيام، كان لبعض قطع اللحم من أعضاء الذبيحة أهمية خاصة حيث كان يخصص لكل فرد من أفراد الأسرة قطع محددة منها كالصدر والفخذ على سبيل المثال.

كانت الوليمة عبارة عن طبق كبير من الأرز المفلفل طيب المذاق مغطى بكمية من الدجاج المشوي. وقام الأخوين بانتقاء الصدر والفخذ من طبق الوليمة الكبير مع كمية من الأرز ، بالإضافة إلى بعض الحليب وكمية من جوز الكولا، وتوجها بهم نحو كوخ المرأة العجوز.

وعندما وصلا إلى الكوخ وجداها في الخارج وهي تحمل دلواً من الماء. فقال لها كانكيجان:" جدتي. لقد أحضرنا لك بعضاً من وليمة الدجاج التي أقامها لنا زعيم القرية في داره مساء اليوم . أرجو أن تستمتعي بتناول هذا الطعام بينما يقوم أخي بإيصال دلو الماء إلى داخل الكوخ".

فقالت كوني:"توقف عن مناداتي بهذا الإسم. أنا لست جدتك ولا أعرفك حتى وإن كنت كما أرى قد أحضرت لي صدر دجاجة والذي يُخصص عادة للجدة، كما أحضرت لي فخذ دجاجة والذي يُخصص عادة للأخت. ما أنا لك بأخت ولا بجدة".

لكن التقاليد كانت تقتضي قبول اللحم المقدم كهدية حتى ولو كان من الأعداء. ولذلك قبلت كوني ما جاء به الأخوين إليها. وبينما كان كيراما ينقل دلو الماء إلى داخل الكوخ ، قال لها كانكيجان:" لقد أحضرنا إليك أيضاً بعض الحليب لتصنعي منه القليل من الجبن الطازج ، وبعض جوز الكولا أيضاً".

فقالت متذمرة :"أنت تفكر في كل شيء، أليس كذلك؟" لكنها شربت الحليب ووضعت ثمار جوز الكولا في جيبها لإعطائها لحفيدتها.

واظب الأخوين بعد ذلك على زيارة كوني وكانا يحضران معهما هدايا في كل مرة ـ فواكه ،وجوز، وحليب وغير ذلك. وتوقفت كوني بعد ذلك عن التذمر منهما بعدما أصرا على مساعدتها في تنظيف الكوخ والأعمال الأخرى التي يتعين عليها القيام بها في كل الأحوال.

وبعد مضي أسبوع من الزمن ذهبت كوني لزيارة الشقيقين، وتحدثا طويلاً حتى ساعة متأخرة من الليل بدأ خلالها الأخوين يشعران بوجود جانب سحري غامض في شخصية المرأة العجوز. وعندما حان وقت مغادرتها، كانت الظلمة قد هبطت على طرقات القرية مما حملهما على الإصرار على إيصالها الى كوخها في أقصى القرية.

وعندما وصلت إلى أمام باب الكوخ التفتت إليهما وقالت بصوت قوي:"أعلم من أنتما ولماذا جئتما إلى هنا، ولكنكما لا تعرفان من أنا. لقد أتيتما لقتل الثور في الغابة. ولكن الذي لا تعرفاه هو أنني أنا هذا الثور. لقد تخلى عني أهل القرية وتركوني وحيدة لأتدبر أمري وتأمين قوت يومي وأنا امرأة عجوز لم تعد قادرة على زراعة ما تحتاجه من طعام أو على اصطياد السمك! كان من السهل بالنسبة لهم نسيان عجوز متعبة وحفيدتها. الآن أصبحوا يعانون مثلي ويعرفون ألم الجوع ومعنى الخوف!".

توقفت العجوز لبرهة من الزمن، ثم قالت:"هناك شيء هام يتعين علي أن اخبركما به. ولكن يتعين علينا أولاً أن نغادر القرية إلى الغابة. في هذه الأيام يجب أن تتم مناقشة أي معلومة هامة أو اتصال خارج حدود القرية وما وراء الأدغال حيث تكون الأرض حيادية لا يملكها أحد". وهكذا ذهبوا جميعاً إلى هناك، وأضافت:"سأخبركما كيف تستطيعان قتل الثور لأنكما تعاملتما معي بكل الاحترام الذي يستحقه أمثالي.

"لقد تخلى عني جميع اهل القرية وتركوني أعيش حياة بلا كرامة أجمع الفتات وأواجه مصاعب الحياة بمفردي وأنا في أرذل العمر. ولذلك أصبح كل همي أن يموتوا جميعاً. ولكنني الآن مستعدة لكي أموت بعد ما أظهرتما تجاهي كل هذا الاحترام الذي أستحقه. وقبل أن اخبركما كيف تقتلان هذا الثور أريد منكما أن تعداني بالاهتمام بحفيدتي من بعدي. اهتما بها كما لو كانت أحد افراد اسرتكما".

وقال الأخوين بصوت واحد:" نعم. نوافق على ذلك".

فأجابت:"حسناً. غداً عند شروق الشمس توجها نحو درب الجنوب حتى تتجاوزان حدود القرية حيث ستجدان صفاً من الأشجار في بستان على الطرف الأيمن في سهول السافانا. وستجدان بعد ذلك صفاً آخر أيضاً من الأشجار في بستان على نفس الطرف الأيمن، ويوجد وراؤه نبع ماء أذهب إليه كل يوم لأشرب منه وأحمل منه حاجتي إلى الكوخ.

"كونا هناك في الوقت المحدد، وتموضعا وراء أقرب شجرة للنبع. وكونا حذرين إذ يجب عليكما أن تغمسا أولاً رؤوس سهامكما في مزيج من مسحوق ثمار جوز الكولا، وبعض من روث الحيوانات، وماء الأرز. وخذا معكما هذه العصا. وقوما بتوجيهها نحوي ثلاث مرات قبل أن تطلقوا سهامكما. وإذا لم تقوما بتوجيهها نحوي ثلاثة مرات، أو إذا لم تقوما قبل ذلك بغمس سهامكما كما قلت لكما، فلن تتمكنا من قتلي. وسيكون الوقت المناسب لإطلاق سهامكما عندما أشرب الماء من النبع". وما أن انتهت العجوز من قول ذلك حتى استدارت عائدة إلى بيتها.

وعاد الأخوين أيضاً إلى بيتهما. وفي الطريق سأل كانكيجان شقيقه الأكبر:" هل يُمكن أن يكون ذلك صحيحاً؟"

وقال كيراما :"وماذا لو كان ذلك مجرد خدعة للإيقاع بنا؟ نحن نعلم أن هناك جانباً غامضاً في شخصية هذه العجوز. فإرسالنا إلى الثور بهذه الطريقة يعني إرسالنا لنلقى حتفنا. سنكون حمقى لو قمنا بذلك".

وقال كانكيجان:" لكن الكاهن سامبو قال لنا إننا لن نتمكن من قتل الثور إذا استخدمنا سهامنا العادية. والجميع قالوا لنا أن هذه السهام غير فعالة في كل الأحوال بسبب سماكة جلد الثور. وفي نفس الوقت وطيلة فترة وجودنا هنا لم يتقدم إلينا أحد بأي أفكار أو نصائح حول الوسيلة المثلى لقتل الثور. ولذلك دعنا نتبع نصيحتها كما قالتها لنا بالضبط".

وفي صباح اليوم التالي، وقبل الفجر بقليل، أعّد الأخوان مزيجاً من جوز الكولا وروث الحيوانات وماء الأرز وقاما بغمس السهام فيه. ثم نهضا وسارا على درب الجنوب حتى تجاوزا البستان الأول على نفس الطرف الأيمن من سهول السافانا، ليصلا بعدها إلى البستان الثاني ويتسلقان إحدى الأشجار الموجودة فيه القريبة جداً من نبع الماء. وما أن بدأت الشمس في الشروق حتى ظهر أماهما ثور كبير أسود اللون بقرون فضية وهو يسير نحو نبع الماء ويبدأ في الشرب من حافته.

أخذ كانكيجان، وهو يعلم تماماً أن هذه الخطة إذا لم تتكلل بالنجاح فإن صوت السهام المتوجهة نحو الثور سوف تكشف مكانهما في أعلى الشجرة بكل تأكيد ، يتصور العجوز وهي تقدم لهما النصيحة بكل صدق وإخلاص، وقام بإطلاق سهمه بكل قوة ليسقط من بعدها الثور على الأرض وهو يطلق خواراً مرعباً.

هل يُمكن أن يحدث هذا؟ انتظر الأخوين وقتاً طويلاً ليتأكدا من موت الثور، وقاما بعدها بالنزول عن الشجرة. شعر الأخوان بفرح شديد لتمكنهما من قتل الثور الذي روع أهل القرية ومنعهم من الصيد لفترة طويلة، وعمد كانكيجان إلى قطع ذيل الثور قبل أن يعود مع أخيه إلى القرية.

وما أن وصلا ساحة القرية حتى توجها مباشرة نحو كوخ زعيم القرية وقدما له ذيل الثور كإثبات يؤكد موت الثور المتوحش. وبينما كانوا يحدثونه عن تفاصيل المهمة التي قاموا بها بنجاح، هطل المطر فجأة بغزارة فوق القرية. وفي الوقت الذي غادرا فيه كوخ زعيم القرية كان المطر لا يزال يهطل مدراراً فوق بيوت القرية وحقولها حتى حجب عليهما الرؤية في طريق العودة .

أصبح الأخوان الشابان بطلان شهيران في القرية وما حولها، وكما كانت عليه العادة، أقام زعيم القرية حفلاً كبيراً بمناسبة هذا النصر المؤزر. وسأل الأخوين عن ماذا يريدان كمكافأة لهما لقاء هذا العمل البطولي الذي قاما به مما أنقد القرية وأهلها من هلاك محقق. تذكر الأخوان في هذه اللحظة وعدهما للكاهن. فقال كيراما:"يوجد في أقصى القرية امرأة عجوز تعيش مع حفيدتها. نريد هذه الفتاة كمكافاة لنا".

وقال زعيم القرية:"هل تقصدان حفيدة المرأة العجوز التي توفيت منذ قليل؟" إنها ليست مكافأة مناسبة لأبطال مثلكما. فهي تعيش في كوخ رث وتلبس الأسمال البالية. يوجد في قريتنا الكثير من الفتيات الجميلات بشُعور سوداء طويلة وجميلة وذو حسب ونسب. ويشرفنا أن نقدم لكما واحدة من هذه الفتيات عوضاً عنها".

تذكر الأخوان وعدهما للعجوز كوني فقالا مرة ثانية:"لا. شكراً لكم. هذه الفتاة هي ما نريد".

وهكذا وجد زعيم القرية نفسه مضطراً إلى تقديم حفيدة كوني كمكافاة لهما. كانت في الواقع في حالة يرثى لها كما قال عنها. وقام الأخوين بتمكينها من الاستحمام وقدما لها الثياب الجديدة وعادا بها إلى الكاهن سامبو الذي أعجب بها وأعجبت به كثيراً وتزوجا بعدها في اليوم التالي .

عاش الكاهن وزوجته الشابة في سعادة أبدية بعد أن رزقهما الله الكثير من الأولاد والأحفاد أصبح أحدهم الإمبراطور كيتا سوندجاتا، المحارب الاسطوري الذي وحّد بلاد مالي في القرن الثالث عشر وجعل منها امبراطورية كبيرة مرهوبة الجانب في غرب افريقيا.

أسئلة للمناقشة :
السؤال1:لماذا تحولت المرأة العجوز إلى ثور متوحش؟
السؤال2: هل يُعتبر الانتقام أحد حقوق الإنسان؟
السؤال3: لماذا يبدو الانتقام حلواً ومراً في نفس الوقت؟
السؤال4:لماذا أخبرت المرأة العجوز الأخوين كيف يهزمان الثور وهي تعلم أن ذلك يعني موتها؟
السؤال5: ماذا تقول الكتب السماوية بشأن الرغبة المظلمة للانتقام؟ وهل هناك حدود للانتقام؟
السؤال6: هل يُمكن أن يتغير الإنسان من الشر إلى الخير؟ وأن يصفح وهو القادر على الانتقام؟
السؤال7: لماذا لم يستجب جميع زعماء القرى المجاورة لطلب المساعدة الذي أرسله زعيم قرية سيغو؟
السؤال 8: ما هو شعورك تجاه العجوز كوني في نهاية القصة؟ وما هو دور حفيدتها في خلق هذا الشعور لديك؟
السؤال9: هل تعتقد أن حال سكان قرية سيغو سيكون مختلفاً لو استجابت جميع القرى المجاورة لطلب زعيم القرية للمساعدة واتحدت في مواجهة هذا الثور المتوحش؟ أجب بنعم أو لا وأشرح لماذا.
السؤال10: هل تؤيد ما قامت به المرأة العجوز ضد سكان القرية؟ وماذا كنت ستفعل لو كنت في مكانها ؟
السؤال11: هل تعتبر المرأة العجوز قاتلة أم ضحية؟ وأشرح لماذا؟
السؤال12: عنوان مقترح للقصة" انتقامات وحشية". ما رأيك.

استمتع بوقتك بتنفيذ هذا النشاط :

يقارن الأدباء عادة بين بيتين من الشعر في الأدب العربي لأبو علاء المعري وأبو فراس الحمداني:

فـلا هطلـت عليّ ولا بـأرضـي
سحائب ليست تنتظم البـلادا
معذبتي في الوصل والموت دونه
فإذا مت ظمآناً فلا نزل القطر

الأول بوصفه نموذج للخير العام، والثاني باعتباره يرسخ معاني الأنانية والانفراد.

اكتب موضوعاً تعبيراً حول إيثار أبو علاء المعري وأنانية أبو فراس الحمداني مع الإشارة إلى موقف المرأة العجوز كوني من المعاناة التي لحقت بها والتي قاربت حد الموت جوعاً بينما كان أهل القرية ينعمون بالخير الوفير. وهل توافق على موقفها هذا ؟وبماذا كنت تقترح عليها لوضع حد لمعاناتها هذه؟

المصدر : مالي https://www.storiestogrowby.org/story/kone

وروى هؤلاء الصيادين الناجين رؤيتهم لثور كبير متوحش لم يتمكنوا من قتله لأن جميع السهام التي كانوا يطلقونها عليه كانت ترتد بسبب جلده السميك وتسقط على الأرض. كان هذا الثور المتوحش الغريب يُلاحق أهل القرية في النهار كالنذير وفي الليل كالكابوس الذي لا ينتهي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى