السبت ١٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم محمد رشيد ناصر ذوق

العروبة والعجمة

يحدد القرآن الكريم موضوع العروبة والعجمة من خلال آياته البينات ، ففيه ان القرآن الكريم عربي على وجه التأكيد ، حيث يذكر عربية هذا القرآن في العديد من آياته ((حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )) , وفيه تأكيد أن اللغة تكون على وجهين بالمطلق ، إما عربية أو عجمية – أعجمية (( وَ لَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَ شِفَاءٌ)) , والعروبة فيه تعني النطق بهذه اللغة العربية بشكل صحيح وفصيح مهما إختلفت الحروف , وكلمة فصيح تعني الاول.

ونستنتج ان العروبة هي اللغة الاساس التي فطر الله الناس عليها , فعلم آدم الاسماء , وهذه الاسماء انما كانت بلغة عربية فصيحة,
أما الأعجمية فهي اللفظ المعين الذي يؤدي الى معنى مختلف و قد سماه القرآن ايضا تحريفا ، فقال عن اليهود أنهم يجرفون الكلم ((يُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَ كَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَ كَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَ يَقُولُونَ سَمِعْنَا وَ عَصَيْنَا وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ رَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ طَعْنًا فِي الدِّينِ )) – ((وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ))
أما صفة الناس الذين لا ينطقون العربية بدقة فلا يمكننا أن نطلق عليهم لقب الأعاجم بالرغم من أنهم ينطقون القرآن بصوت مختلف ، و نرى في ذلك شواهد عدة للهجات العديد من ( الأعاجم) حتى وهم يقرأون القرآن ، فيقلبون لفظ الـ (و) الى V ، و الـ (ط) الى (ت) . ففي اللغة العربية الفصحى تقلب الحروف و تلطف دون أن نسميها بالأعجمية ، مثلا – اعطاء – ايتاء حيث تقلب الطاء تاء ملطفة ، و تقلب العين ياء ملطفة .

من هنا نرى أن اللغات التي يسميها الناس أعجمية إنما هي عربية ، بلهجة مختلفة ملطفة أو مفخمة .

ومع مرور الزمن و إنتقال الناس من طور الى طور ، يتطور المعنى الاساسي لكلمة ما ليصبح يشمل معاني متعددة أو معاني اقل , كأن نقول الطائر بالعربية الفصحى , وهي صفة كل من يطير , كالصحون الطائرة والطائرات و الطيور , لكننا اذا لفظناها منفردة تعني الحيوان الطائر دون ما حاجة الى ذكر كلمة حيوان , و نجد في اللغة الانكليزية كلمة ( تائر- طائر ) التي تعني نوعا معينا من الطيور , كذلك في الفرنسية التي تستعمل كلمة ( وز , وا زو - بالفتح والضم ) بمعنى اي حيوان طائر بينما هي في الاصل في العربية تعني نوع معين من الطيور ( الاوز ) .

من هذا المعنى نرى ان كل من كلمة عربي و كلمة عجمي قد تطورت ولم تعد تعني الموقف نفسه الذي علمه الله لادم عليه السلام , والذي حدده في القران الكريم , بل اصبحت تعني شكلا اخر من اشكال الكلمة , فلم تعد العربية تعني اللغة فقط وأداة التخاطب بين الناس , بل اصبحت بعرف عدد كبير من الناس تعني لغة مجموعة اثنية او عرقية من الناس , وهنا يكمن الخطا المميت الذي تتعرض له اللغة والمعاني ( اي لغة كانت بمعناها المطلق التام ) بحيث تقلب المفاهيم , وهذا لا يمكننا ان نسميه ارتقاء وتطور نحو الاعلى انما يمكننا فقط ان نسميه انحدار وسير نحو الاسفل – فتبلبل الالسنة و اختلافها حتى اصبح التفاهم و التواصل بين بني الانسان صعبا و شاقا كان لعنة على الناس في بابل , يقول القران ((وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ)) – و يقسم الله تعالى بالتين و الزيتون ( بغذاء الانسان الاول )* و بجبل النور ( طور سينين ) و يقسم بمكة المكرمة – اول بيت وضع للناس , ان الله سبحانه خلق الانسان في احسن تقويم وعلمه الاسماء كلها في ارقى وارفع لغة , ثم بعد ذلك رد الذين لم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات ( بظلمهم , فهم ردوا انفسهم ايضا ) اسفل سافلين حيث كانوا يحرفون و يغيرون المعاني الاساسية للغة الانسان .

إن الرسول محمد عليه الصلاة و السلام قد بين لنا في الحديث ان الناس ابناء رجل واحد فقال ( ان اباكم واحد وربكم واحد ) فجعل أدم وزوجه صلة رحم لكل الناس ، فآدم أبو كل البشر ، و عقوق الوالدين , و قطع الرحم من المحرمات ، يقول الله تعالى في كتابه الكريم (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ))- , فيبدا التمييز العرقي والعنصري باللون او الشكل و يبدا الفصل بين الشعوب على اسس غير صحيحة ومفتعلة , لان الناس انما هم ابناء رجل واحد.

من هذا المنطلق كلكم لآدم ، و آدم من تراب ، فجميعنا اخوة بالانسانية ، و لغة ابينا واحدة – هي تلك التي علمها الله تعالى لآدم ، و ربنا واحد .
عندما يبلغ الانسان المعاصر الإعتقاد الكامل بان لغة الانسانية هي العربية يكون قد ادرك عمق اسرار الكون الذي نعيش فيه ويكون قد استطاع ان يلمس الحقيقة الدينية التي تقول ان لغة اهل الجنة هي العربية وان الملائكة والجان يعرفون العربية , ونكون قد ادركنا هذه الحقيقة بشكل علمي .
فالأولى بالإنسان السوي إذاً أن يعلّم هذه اللغة الى ابنائه مهما كانت لهجته القومية او القبلية ومهما كان لفظ لسانه او حدود سكنه في هذه الارض , والاولى ايضا ان يحصن اولاده من تحريف المعاني والجمل بان يلقنهم اللغة العربية الفصيحة الصحيحة وان يمرن عقله وقلبه على سماعها والنطق بها .

العروبة و العجمة و الاستعمار :

يحاول الاستعمار في العصر الحديث بث الفروقات العرقية و اللغوية في كثير من البلدان التي يحاول إستعمارها ونهب ثرواتها على اساس نظرية فرق تسد . ففي غرب آسيا و في شمال افريقيا يجد المستعمر الارض الخصبة لهذه المحاولة ، لآن اللغة
الاولى إنطلقت من هذه الارض و هي مهد البشرية و ارتباطها بكل البشر عميق جدا ، فاللغة التي إنطلقت من غرب آسيا و امتدت الى شرق و شمال أفريقيا قبل أن تصل الى أوروبة كانت اول لغة ، و الدين الذي إنطلق من المكان عينه مع أول إنسان ليمتد الى كل الدنيا بإنتشار ابناء هذا الانسان الاول في مشارق الارض و مغاربها .

و نجد في المناطق المجاورة ( لجزيرة العرب – التي يحدها بحر العرب في الجنوب ، و جبال طوروس في الشمال ) لمهد الانسان في العصر الحاضر لهجات عدة لسكان هذه الارض ، و جميع هذه اللهجات ( التي يسميها الناس لغات ) تعود بأصولها الى اللغة العربية التي نراها جلية في هذه اللهجات مهما حاول الناس ايهامنا أنها لا تمت لها بصلة – نأخذ منها على سبيل المثال
اللغة الفارسية ، التي تحوي الكثير من المفردات و التراكيب اللغوية العربية حتى ظن اهلها ( كما يظن أكثر الناس في العصر الحاضر ) انها اساس اللغة العربية ، فبعض المصريين اليوم يقولون ان الهيروغليفية هي اساس اللغة العربية ، و غيرهم يقول ان العبرية هي اساسها ، و السريانية ايضا ، و منهم من يقول أن
لغة الامازيغ هي الاساس ، و نستطيع أن نتفهم وجهة نظرهم ، لأنهم يجدون ترابطا متينا بين لغاتهم و هذه اللغة العربية المقدسة ، و لو عادوا الى التاريخ و الجغرافيا لتبين لهم أن العكس هو الصحيح .

العلاقة اللغوية بين العربية و الامازيغية:

ففي لهجات سكان شمال افريقيا ما يسمى التمازيغ أو ( الامازيغ - الامازيج ) وهذه اللهجات التي يعتقد اصحابها ، أو الناطقون بها – انها اساس اللغة في الشرق و الغرب ، و إعتقادهم هذا ليس بعيد عن الحقيقة ، نظرا لتحدر هذه اللهجة من اللغة العربية القديمة (1) و يعتقدون أيضا انها تعود الى الشعوب التي سكنت اوروبا منذ اقدم العصور , واذا كان الامر كذلك ، فالتسلسل التاريخي للبشرية يقول ان هذه الشعوب انما هاجرت الى اوروبا من الجنوب قبل ان تعود اليه , هكذا يقول التاريخ وما يقرب هذا الامر الى الاذهان تلك المقارنات اللغوية بينها وبين لهجات اوروبا التي تعود الى اصول عربية وتلك المقارنات بينها وبين العربية الفصحى بشكل مباشر، ففي لغة الامازيغ الكثير من العربية , و ارتباطهم باللغة العربية – الارامية يعود الى عصر الفينيقيين ، حيث نرى تسمية حروفهم باسم الفينيقيين – ذي فيناق – تيفيناق ،هذا إذا لم نقل لأبعد من ذلك ، الى هجرات الشعوب الاوائل من جزيرة العرب الى شمال افريقيا منذ فجر التاريخ .

مقارنة لفظية سريعة بين الامازيغية و العربية :
أحد فروع مجتمع الطوارق ، يسمي المزارعين ( الحراطون ) وهي لفظة عربية فصحى تعود الى كلمة ( حراثون-حراتون ) التي تعود الى جذر( حرث الارض ) العربي .
ويقسم مجتمعهم الناس الى ثلاثة فئات : ( امينو كال ) و ( امراد ) و ( حراطون )
فكلمة أمينو كال ، ليست سوى كلمة مركبة من كلمتين عربيتين هما ، أمين ، و كال التي تعني الكل او الجليل العظيم .
و كلمة أمراد ، ليست سوى صيغة محرفة لكلمة أفراد ، ففي شمال افريقيا يقومون أحيانا يقلب حرف الباء الى فاء أو بالعكس ، فنرى كلمة بن ( إبن ) تصبح بل ـ التي تعني بالفرنسية فل.

و الحراطون ، هم المزارعون ( الحراثون ) كما اسلفنا.
يختلف الباحثين في اصل تسميتهم بالطوارق ، فيقولون انها تعود الى الاتراك ، أو الى القدوم – و نرى ذلك في اسم قدموس الفينيقي ( قادم ذي – القادم ، أو الى كلمة طريق ،
و اني اعتقد ان اصل تسميتهم من ترحالهم ، فالطارق هو المسافر ، وتسمية لغتهم بالامازيغ ، او الايموشاغ ، سببه انها لغة التواصل بينهم حيث ان لمجتمعهم لهجات مختلفة تجمعهم لغة الامازيغ (( يكرهون كتابة اسمهم بالتاء ( توارك ) كما يقول ابن خلدون لانها مشتقة من الترك ... اما كلمة طوارق ومفردها طارقي فهي مشتقتة من الطروق اي الاتيان ليلا ونهارا ..لكن هذا الاسم يتحرف باللغة الطوارقية ليصبح ( ايموشاغ ) ومعناها المستقلون والاشراف ))-(2) ، و ربما تعود تسميتهم بالطوارق الى طارق بن زياد الفاتح الاسلامي الذي فتح الاندلس ، ومن هذا المنطلق فان اسم الطوارق هو شرف كبير للمسلمين كما هو شرف عظيم للطوارق ان يكونوا اتباع طارق بن زياد .

ان كلمة ايموشاغ كما اسلفنا يمكن ان تعود الى لفظ ا(ايموزاغ -او امازيغ) ومعناها الممتزجون باللغة العربية لانها تشكل بالنسبة لهم اللغة المشتركة التي تتفاهم بها تلك القبائل ذات اللهجات المختلفة وذلك يفسر كيف ان بعضهم يسميها (تا ما حاك ) وهي من مصدر ( تام حاك -الحكي التام , الذي هو الكلام ) او ( التماحك والامتزاج ) ، كما ان حروفها الخمسة والعشرون التي يسميها الناس (تيفيناغ ) او (دي فيناق ، من فينيقي ) تشبه الى حد كبير الحروف الفينيقية في طورها الاول ( الرسوم - السينائية ) , وهم يضيفون اليها بعض الحروف المركبة التي تكتب منفردة .

وهم يكتبون هذه اللغة بالاتجاهين , من اليمين الى اليسار , ومن اليسار الى اليمين , ومن اعلى الى اسفل ومن اسفل الى اعلى , وتعتبر هذه الحروف من اقدم الحروف في افريقيا , وهم يعتقدون ان الهيروغليفية المصرية هي اساس هذه الحروف ، وهذا يصبح صحيحا بناء على ما اسلفنا و تصبح لغتهم فرعا من فروع اللغة العربية الام .
وينطبق ذلك التفرع من اللغة العربية الام على اللغات الكردية و الأرمنية و الفارسية ، و سنفرد لكل منها بحثا خاصا بإذن الله .

اللغة التركية :

و لابد لنا في معرض ذكرنا للطوارق من ذكر مجموعة إنسانية أخرى كان لتسيتها بالأتراك ، السبب نفسه الذي سمي به الطوارق حيث ان الاتراك هم ايضا مرتحلون من جبال القفقاز الى اسيا الصغرى ليؤسسوا فيها الدولة العثمانية ، و علاقة اللغة التركية بالعربية علاقة وثيقة ، وفيها من المفردات الكثير ،

بدأت بكتابة لغتها منذ يومها الاول بالحروف النبطية – العربية ، و استمروا بذلك الى القرن العشرين حيث تحولوا الى كتابة لغتهم بالحروف اللاتينية ( و اصل هذه الحروف و شكل رسمها يعود الى
الفينيقية المقطعة ) .

و نأتي الى السؤال الذي شغل بال العديد من الناس ،
لماذا تحول الاتراك الى الكتابة بالحروف الاتينية وهل ذلك يعود لتقصير الحروف العربية ؟ ( العثمانية ) **
إن تحول عدد من الشعوب الاوروبية ( التركية والالبانية والبوسنية ) الى الكتابة بالحروف اللاتينية لم يكن موضوعا مجردا عن الصراعات العرقية والسياسية التي كانت قائمة في الدولة العثمانية ( التركية ) , وخاصة ذلك الصراع الذي نشأبين طائفة البكتاشية ( التي نشات في تركيا ) والسلطان العثماني فقد (( هبط احد رجال الحركة القرمطية المسمى علي الاعلى تكية الحاج بكتاش الولي في الاناضول وتلبسه والبسه عقيدته زورا وبهتانا ....ثم انتقلت هذه الحركة الى البلقان بعد انتقال الاسلام اليه واستقراره في هذه المنطقة .... ثم تحولت الى حركة معارضة للدولة العثمانية ... فقد انتشرت البكتاشية في البانيا كما لم تنتشر في اي مكان في البلقان اوفي العالم , ويرتبط دخولها هذا بشخصية غريبة هو سرسم علي ديدا الالباني الذي عاش في نهاية القرن الخامس عشر وحتى مطلع القرن السادس عشر ... وتقول المعلومات انه كان وزيرا للسلطان سليمان القانوني ( 1520-1566) الا انه انسحب من البلاط في لحظة زهد واعتنق البكتاشية ليعيش بعدها كدرويش في تكية الحاج بكتاش الولي ثم اصبح شيخ هذه التكية الاكبر قبل ان يتوفى في عام 1569 , وقد اوصى بكل ثروته لبناء تكية في مسقط راسه الالباني في تيتوفاtitova .... وعندما اختلفت الدولة العثمانية مع طائفة البكتاشية وقضت عليهم في تركيا , لاحقتهم في البانيا لكنها لم تستطع القضاء عليهم فيها حيث لازوا بالجبال , كما ان هذه الطائفة حاربت اللغة التركية ومحاولات التتريك , وتمسكوا باللغة الالبانية ... والمثير ان الاباء البكتاشيين رحبوا لفترة بالابجدية العثمانية ( العربية ) الا انهم عادوا وانقلبوا عليها وطالبوا عوضا عن ذلك بالابجدية الاتينية , وبقوا متمسكين باصرار على ذلك الى ان سادت الابجدية الاتينية ....وتمكنت البكتاشية ان تزيد نفوذها بعد تعاونها مع حركة ( تركيا الفتاة ) في اتجاه قلب نظام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني , وكان هذا التعاون مرشحا للبروز ....ولاسيما ان بعض زعماء ( تركيا الفتاة ) طلعت باشا -احمد رضا- كانوا ينتمون الى البكتاشية....وفي عام 1920 عقد مؤتمر لوتشنيluchnje واعترف بالبكتاشية كطائفة مستقلة... وكان عدد البكتاشيين 25 بالمئة من عدد سكان البانيا ذلك الوقت )) (3)

من هنا نعرف ان التراجع عن الكتابة بالحروف العربية ( العثمانية ) لم يكن بسبب تقصير هذه الحروف عن استيعاب اللغات التركية والالبانية وغيرها كما يقول البعض , انما كان صراعا دينيا سياسيا اجبر هذه الدول ان تعود الى الوراء وتعتنق الحروف الاتينية ,
ونتساءل لو قررت مصر أن تعود الى كتابة لغتها العربية بالهيروغليفية هل يمكننا أن نعتبر ذلك بسبب تقصير الحروف العربية عن استيعابها ؟
ماذا لو قررت دولة ما من دول شرق آسيا مهما كان عددها ان تعود الى الكتابة ( الصينية ) بالرسوم ؟
ماذا لو قررت دولة اوروبية او شرق اوسطية أن تعود الى الكتابة السينائية ؟
كم سيكون اللامر متعبا وشاقا في نظر الاوربيين المعاصرين الذين يعرفون الكتابة بالحروف الاتينية ، أو العرب الذين يعرفون كم أن كتابتهم للعربية فيه من الإختصار و الدقة و الشمولية و الجمال .

الحرب على العربية عن جهل أو عن قصد :

(( مسكينة هذه اللغة العربية . ففي الوقت الذي يشهد بفضلها المستشرقون و يعكفون على دراستها نرى الطعانات تلو الطعنات توجه اليها ... ممن كان ينبغي ان يكونوا طليعة المنادين بالحفاظ عليها !! ...عبد العزيز فهمي احد اقطاب الفقه والقانون واللغة والسياسة يدعو الى كتابة العربية بالاحرف اللاتينية , كما فعل اتاتورك بحجة ان الاحرف العربية ( المستعملة ) لم تعد تلائم العصر ، و الشاعر الكبير سعيد عقل في لبنان الذي دعى الى كتابة اللهجة الزحلاوية ( اللبنانية ) .
لكن اللغة العربية كانت اقوى منهم و انضج من زميلتها التركية ( الطرية العود) فوقفت في وجه عزيز فهمي في مصر ودعوته وانتصرت عليه ..... وحافظ حافظ في الاردن الذي دعى الى تبسيط اللغة العربية بالغاء الاعراب بالطريقة التي يراها اللغويون مناسبة , او ننتخب ( بالاستفتاء ) لغة من احد اللهجات العربية الحلوة السهلة ( على حد تعبيره) , وتصبح لغة رسمية لجميع الاقطار )) - (4)
لكن احد لم يلتفت الى رأيه , ولو اراد العالم تنفيذ راي حافظ وتطبيقه على كل لغات العالم ولهجاته لفازت اللغة الصينية دون ان يشك احد بديمقراطية الانتخابات. اما سعيد عقل في لبنان فقد طلب باعتماد العامية وانشا دار نشر وطباعة ودفع المبالغ الطائلة في سبيل انجاح فكرته باعتماد اللغة العامية , لكنه اصطدم بعاميات جبل لبنان التي تربو على الاف , وعاميات ساحل لبنان التي قد تزيد عليها , هذا اذا لم نتجاوز الى عكار والساحل الشمالى , وهذه اللهجات تختلف اختلافا كبيرا ( ان اردنا اعتماد طريقة سعيد عقل ) , بينما هي تتوحد اذا اعتمدنا اللغة العربية واعدنا كل هذه اللهجات اليها , كما فعل الدكتور محمد قاسم – في لبنان الذي بين أن كل الكلمات العامية إنما تعود بأصولها الى العربية .
من هنا نرى ان كل محاولة الى اعتماد اللهجات العامية في الكتابة والتدريس انما هي محاولة تقسيم وتفريق وعنصرية .

ان احد اهم الاسباب لهزيمة الانسان اللغوية ( التفتت والتشرذم اللغوي , وعدم امكانية التخاطب والتفاهم بين البشر) انما تكمن في الابتعاد عن اللغة العربية الفصحى الام , لقد كانت اوروبة موحدة في لغتها ومفاهيمها عندما كانت تعتمد اللاتينية في نقل المعارف , بينما هي اليوم ممزقة مشتتة لغويا بسبب اعتماد لهجات لكل دولة , واننا اذا نظرنا الى الامر بعين علمية تبين لنا ان اللهجات العامية اكبر من ان تحصيها لغة فرنسية كانت ام المانية ام انكليزية , وان الامر انما هو خداع كاتب ، كتب بلهجة قريته
فاعتمدت لهجة قريته في التدوين دون سواها من القرى . واذا اجرينا القانون نفسه على العربية الفصحى وجدنا ان الانسان يبقى مقصرا عن ادراك كل مرادفاتها ويقف امامها كما يقف امام المعرفة والعلم نفسه , من هنا ندرك انها لغة الانسان التي علمها الله لادم منذ البداية وهي التي تبقى الى النهاية منارة لمن اراد الادراك و التعلم .
وندرك ايضا ان الانسان السوى لا يستطيع ان يدرك الامور بفهومها الصحيح الا بواسطة لغته الام التي تسكن وجدانه , فالانكليزي الذي لم يسمع سواها لا يمكنه ادراك المور الا بها ’, والفرنسي كذلك لكن اعادة المفردات الفرنسية والانكليزية الى العربية الام ايضا يجعله يدرك كنه اسرارالكلمات الفرنسية التي لم يكن يدركها من قبل مثل ( هام - ورفوز-و مورت-وغيرها ) ,
مَن مِن الفرنسيين كان يظن ان ( شنزيليزيه- شان اليزيه) انما هي ( جن ال عزه ) بالعربية ومعناها ( برديز ) وان معناها ( فردوس – برد ذي ) بالعربية ايضا . ماذا سيحصل عندما يدرك ان ( الان , انما هو علاء, بالتنوين , وان ايلي وايليا هو علي , وعليا ) وهل يبق من فارق لغوي او اثني بينه وبين هؤلاء البشر.

من هنا نطلق دعوتنا الى كل البشر بتعلم اللغة العربية واتقانها وتدريسها , كما نطلب من المدرسين لهذه اللغة المقدسة ان يهتموا بقراءة هذه اللغة نثرا وشعرا , سماعا ونطقا .

ونستغرب كيف نطلب من الناس تعلم و نطق العربية الفصحى وتلفزيونات لبنان والعرب مشغولة بالانكليزية المكسرة والفرنسية المهرهرة ؟ فلا الطاووس تعلم مشية الغراب ولا الغراب يغني كالعندليب .. والعجيب ان الشركات العالمية في البلاد العربية تطلب ناطقين في لغات اجنبية بحجة ان العلوم الحديثة تدرس بهذه اللغات ، بينما لا تدرس باللغة العربية , ونسال انفسنا العتب على من ؟ على استاذ اللغة الذي لا يكاد يحصل قوته ام على اصحاب الادمغة التي توظف دائما بايدي من لاينطقون العربية بطلاقة بل وفي ايدي من يحقدون عليها احيانا لانها اللغة الوحيدة التي تكشف ضعفهم في فهم الامور و قصور لهجاتهم و لغاتهم عن ادراك المعاني – لأن لهجاتهم و لغتهم قاصرة عن إدراك شمولية العربية ، لذلك سميت بالأعجمية .

العربية الكاملة و الأعجمية القاصرة :

كيف نعرف اللغة القاصرة ، وما الذي يميزها عن اللغة الكاملة او المكتملة
ان اللغة القاصر تعرف من امور ثلاث
1-احتياجها لاثبات مقولاتها او ذاتها وذلك عن طريق فعل يكون
2-طول حروف كلماتها و تعابيرها بحيث نعرف انها تحتاج الى شروح لافهام الامور والى عدد كبير من الكلمات لايصال المدلول الى اصحابها .
3- ضعف التعبير بعدم وجود مرادفات عديدة لمعاني الاشياء والقضايا التي تريد إفهامها ، وبعدم وجود مرادفات دقيقة لافهام المعاني.
4- قصور في كتابة هذه اللغة بحيث تزاد على الكتابة حروف لا تقرأ ، أو تقرأ حروف بلفظ مخالف لكتابتها .
ونأخذ مثلا لأعجمية قاصرة هي اللغة الفرنسية فهي كأكثر لغات اوروبا تحتاج الى فعل يكون ، و طول جملها قياسي ، و ضعفها في التعبير لا يقارن ،وقصورها في الكتابة شديد حيث أن نصف الحروف التي تكتب لا تقرأ إطلاقا ، ( est – تقرأ E ) – ( ils تقرأ Il ) – ( evidament – تلفظ evidamon)
وفي الارقام الفرنسية نرى 86 ، تلفظ 4 – 20- 6 !!!!!! – اي اربع عشرينات و ستة !!!!!
ونرى مثل ذلك في أكثر اللغات الاوروبية ، الانكليزية مثلا through - تلفظ sru !!!!!!!! – right - تقرأ raite او rite .

اما اللغة الناضجة أو الكاملة فميزاتها عكس ذلك فهي :

1-لا تحتاج الى فعل يكون لاثبات ذاتها ، فيكفي أن تقول صديقي كاتب ، بدلا من أن تقول صديقي يكون كاتبا، و تكفي كلمة واحدة أكتب ، لتعني أنا أكون أكتب .

2-قصر الجمل والكلمات المعبرة عن المعاني

3-عدم وجود التباس بالفاظها فلكل لفظ معنى

4 – جميع الحروف تكتب و تلفظ ، أما التصويت و كتابة التشكيل فهي تكتب للمبتدئين ، و تكون في بعض الجمل إجباربة لمييز المعنى .

يبقى ان نضر ب مثلا يبين ما قلناه من ان التعبير باللغة العربية يبقى من الدلالات المهمة التي تدل على رقي هذه اللغة في علوم التعبير واللغة باعتراف الجميع وناخذ مثلا من لغة العرب و معناه في لغة الاعاجم .

( سنريهم we are going to show them ، ( وترجمتها الحرفية = نحن نكون نذهب الى-كي ( لكي)نري هم )
نسمعكمwe hear you  ( نحن نسمع انتم )
وغيرها الكثير .

(1) – تقسم اللغة العربية الى ثلاث حقبات تاريخية :
 العربية القديمة ، منذ آدم الى ابراهيم الخليل
 العربية المتينة ، منذ إسماعيل الى محمد (ص) – (( اول من فتق لسانه بالعربية المتينة إسماعيل وهو ابن اربعة عشر سنة )) – حديث شريف
 العربية المبينة ، منذ محمد (ص) الى نهاية الزمان

(2) العربي عدد 218-صفحة 87

(3)لعربي عدد 220 صفحة 64-68

(4) -العربي عدد 92- صفحة 143

* - التين هو الشجر الذي كان في الجنة عندما سكنها آدم، فالتوراة تذكر ان آدم و حواء سترا عوراتهما بورق التين ، و القرآن يقول بورق الجنة . أما شجر الزيتون ، فهو الشجر الذي منه علم نوح أن اليابسة قد بانت .

**- ( العثمانية – نسبة الى الخليفة عثمان بن عفان – الذي جمع القرآن )


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى