الاثنين ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧
السارد التشكيلي

العلاقة بين السرد وفن التصوير

أحمد لطف الله

من الملاحظ أننا عندما نرصد نوعية العلاقة بين الفنون وجنس أدبي مثل الرواية، فإننا نروم مَوْضَعة هذه الأخيرة، أي الرواية ضمن سلسلة من العلاقات والتجاورات البيفنية. لذلك يحق لنا أن نتساءل: هل تقلِّدُ الرواية الفنون؟ أم ترغب فقط في تطعيم أدبيتها فحسب؟ وهل نَعتُـنا لها ب«الفن» هو فقط من قبيل الإطراء الحسن الذي نُضْفيه على «فنون» الأدب، تماما كما نسمي الشعر فنا؟ أم هل يمكن خلق نوع من الرواية يرتبط بالفنون "الحقة" مثل التصوير والنحت والموسيقى، فيصح أن نتحدث على غرار أنواع الرواية (البوليسية والعجائبية...) عن روايات تصويرية وأخرى موسيقية، وهلم جراًّ؟

إن مقاربة هذه المسألة تستوجب أولا النظر في ماهية الفن، ثم في علاقته بمختلف تجليات الإبداع، وعرض بعض التصورات الفلسفية التي حددت مفهوم الفن وعلاقته بالجمال.

ولا شك أن الرواية إبداع لغوي يقوم على الأفق المنفتح على عدة فنون، سواء منها المتوغلة في الزمن، مثل الموسيقى والتصوير. أو الحديثة، مثل السينما والفوتوغرافيا. وبما أن الرواية - والأدب عموما- إبداع يتم خلاله تصوير الفكرة باستعمال اللغة، فهو قائم على العلاقة بين الدال والمدلول، ولذلك شكّل مجالا مهما للدراسات اللسانية والسيميائية. وفي مجال الفنون التشكيلية، نجد من بين أبرز الاتجاهات الحديثة في الفن ما يُعرف بالفن المفاهيمي الذي ينبني على الفكرة بالدرجة الأولى، وينطلق من هذه الإبداعية بين الدال والمدلول، ولذلك يعتبر- بطريقة أو بأخرى- مَلْمحا على علاقة الفنون التشكيلية بالأدب من جهة، وترسيخا لفكرة ذاتية الفن من جهة أخرى.

ولقد استطاعت نظرية الرواية أن تحدد مجموعة من القيم الجمالية المستمدة من الفنون عموما، والتي بلورها الخطاب الروائي من خلال تأثيرات الخطاب البصري على تقنيات السرد، حيث اشتغل العديد من الروائيين بأساليب فنَّيْ التصوير والرسم، واستعملوا تقنيات الزخرفة والأرابيسك، مؤكدين بذلك انفتاح الجنس الروائي على المظاهر الثقافية المختلفة، وقد أصبح الروائيون النقاد منهم أمام ضرورة التنظير للأعمال الإبداعية، وتوضيح هذا التصادي بين الرواية والفنون، ونشير في هذا الصدد إلى تنظيرات كل من مشروع "الرواية الجديدة" بفرنسا، ومشروع "الحساسية الجديدة" بمصر. وقد ساهم تشبع الروائيين الغربيين والعرب بالثقافة التشكيلية، وإدراكهم الواعي لمصطلحات ومفاهيم فن التصوير، في تأسيس علاقة فنية وتراسُلا فنيا ما بين فن التصوير والرواية. وأضحى من الواضح حضور خطابات بصرية ثاوية في نصوص الروائيين، واعتبرت العلاقة ما بينهما عموما من أهم القضايا الأدبية على طول مسيرة تاريخ الرواية والفن في القرن العشرين.

أحمد لطف الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى