الأحد ٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
بقلم عبد الكريم المحمود

الغائب المنتظَر

أين قد يمّمتَ يا صاحبُ
يا حبيب القلب يا غالبُ
فثماني سنوات مضت
كل يوم دمعنا ساكبُ
وعلى دربك أبصارُنا
ترتجي أن يرجع الغائب
غبتَ يا غالبُ عن دارنا
فالشقا من عيشنا ناهب
والأسى متّقدٌ مولعٌ
فالحشى في حرّه ذائب
ما لهذا الليل لا ينجلي
سادرٌ في همّنا دائب
طال حتى كلما ينقضي
جانبٌ منه بدا جانب
مكفهرّ حالك وجهه
موحشٌ مكتئب قاطب
فيك يا ذا الليل أنت اختفى
عن سمانا الكوكب الثاقب
يومَ أن أيقظه عصبةٌ
فيهم الفاجر والغاصب
فأطاروا النومَ عن طرفه
وهو في قبضتهم راتب
وضعوا القيد على معصمٍ
منه والكلُّ له ضارب
وبه أسروا على سرعةٍ
خوفَ أن يفضحهم نادب
ليت شعري أيّ زنزانةٍ
في دجاها نزل الراكب
فرماهُ بالأسى ضيقها
وهو فيها متعبٌ ساغب
لا يرى فيها سوى ظلّه
جاثم في قعرها لاغب
لصقت بالجسم جدرانها
وعليه سقفُها راضب
فوطاها حجرٌ صلّبٌ
وغطاها حجر شاسب
نقبوا في بابها كوّةً
قدرَ كفٍّ نقبَ الناقب
لا يرى النورُ له منفذاً
يوم أن يوصدها الحاجب
سئم القفلُ على بابها
فهو دوماً ساكنٌ ناشب
واذا ما مسّ مزلاجَها
حارسٌ فهو شجٍ ناعب
صيفها ملتهبٌ صيهبٌ
وشتاها عقربٌ لاسب
آه ياخاليَ من ليلةٍ
بات يستجوبك الكاذب
وعلى رأسك قد أشرعت
قُضُب تحملها الكالب
وسياطٌ مبرحٌ ضربُها
في تواليها لظىً لاهب
تتوالى دونما رحمةٍ
من عتاةٍ حقدُهم لاتب
صخبوا سكراً فما فيهمُ
عاقلٌ في قوله صائب
قذفوا بالفحش مِن سبّهم
وازدراهم صمتُك الحازب
فاستعانوا كهرباءً لهم
رُجّ منها جسمك الناصب
ورستْ روحك لا تنثني
فهي دوماً جبلٌ راسب
طلبوا في دينها ثُلمةً
فتولّوا جمعُهم خائب
سطّروا زيفاً بأوراقهم
فيه ما قد رغب الراغب
وادّعوا أنك قد قلتَه
لم تقلْ ما كتب الكاتب
فأدانوك ولم يرعووا
طمّهم كفرُهم العارب
ثم ساقوك الى ظالمٍ
حكمُه عن عقله شاطب
سرت الخمر بأوصاله
فالهوى في لبّه لاعب
سامك الظلمَ بأحكامه
وهو في سكرته غارب
ليت شعري ما الذي نفّذوا
فيك مما حكم الشارب
أقتيلٌ أنت مستشهدٌ
عندك الولدان والكاعب
وعيون زنجبيل بها
أنت من سلسلها شارب
في جنان وارف ظلها
لك دانٍ قطفها واهب
أم سجينٌ في ظلام به
قد توارى جسمك الشاحب
فارقتك الشمس عن رغمها
صدّها مستكبر سالب
وعليك القمر المبتلى
حائم في شوقه لائب
لا ترى عينك من زائر
غاب عنك الأهل والصاحب
شفّك الشوق لمرآهمُ
فسقيمٌ أنت أو عاذب
لك من أطيافهم مؤنس
والجوى في طيفهم واصب
تُصبر النفس على كربها
وتقاها عجَبٌ عاجب
قد وهى جسمك في صبرها
وبراه عيشك الشاصب
لك في الله عزاء فلا
جزِع أنت ولا ناحب
بل تنادي ربك المرتجى
فهو معطٍ أبداً واهب
بصلاة وقيام على
أملٍ أنت له طالب
هو مرضاة الاله الذي
في البرايا أمره الغالب
لا ترى في دينه غُبرة
بك يمضي نهجُه اللاحب
لامك الجاهلُ مستعتبا
وهو عن درب الهدى ناكب
لو أحق الفهم في دينه
لاستحى من عتبه العاتب
غضب اللهُ على لائم
لدعاة نصرهم واجب
يهتف الدين به داعياً
وهو عن دعوته غائب
يختلي في بيته ضاحكا
والهدى مستصرخٌ نادب
فأباة الضيم قد شمّروا
وهو في غفلته سائب
عاجب مما أتوا خائف
وعليهم منكِرٌ عائب
سيوافي ربه في غدٍ
وعليه ربُّه غاضب
حسبك الرحمن يا غالب
كل موجود له آيب
فهو مولاك على ظالمٍ
ليس من قبضته هارب
فتقاضيه الى عالم
ما نأى عن علمه عازب
صبّر النفس على سجنها
كل ليلٍ منجلٍ ذاهب
ها هو الصبح يزيل الدجى
وتراءى أفق شاهب
ليس يسطيع العدا دفعَه
وهو سيفٌ فوقهم قاضب
سوف يأتيك سنا برقه
فيولّي ليلك الواقب
واذا سجنك عن ضربةٍ
له،في جوّ السما واثب


الأعلى