الخميس ٢٠ أيار (مايو) ٢٠٢١
بقلم جورج سلوم

القبة الحديدية

سقف بيتي حديد..ركن بيتي حجر

مع أنه لا يتقن العربية، لكنه يفهمها، ويخاف منها في موروثه الفكري.

لذلك كان نتنياهو يتغنّى بمطلع هذه القصيدة العربية لبث الطمأنينة في نفوس جمهوره..وكان يقصد قبته الحديدية، وأركان بيته من جدار متعال ملتف كالأفعى، ليقسم الحقول والبيادر آمناً إلى ما خلف الجدار.

وكانت القبة الحديدية تحجب الشمس، وتعطي تحتها لوناً رمادياً كئيباً مشوباً بالحذر.

لكنه قال لهم.. لا بأس فلدينا المزيد من الكهرباء

وقالوا له..وقد تحجب قبّتك الحديدية عنا المطر أيضاً..فأجاب..فليكن..دعوا الشمس لهم تلفحهم، أولئك العراة، واتركوا لهم المطر يبللهم..لن يستفيدوا من مائه فهو سيتجمّع أخيراً في أنهارنا التي حوّلناها لكم، وأيضاً فلم يبق لديهم المزيد من تراب ما دمنا نقرض أرضهم رويداً رويداً..اتركوهم في سجنهم الكبير يكتظون ويجوعون ويأكلون بعضهم بعضاً.. وأبشّركم بأن الكورونا ستفتك بمن بقي منهم..لا ولن تقوم لهم قائمة ما دام إخوانهم العرب قد أداروا لهم الظهور وطبّعوا معنا..هه هه..لقد صار لكم أشقاء بين المحيط والخليج!

وعندما اخترق الصاروخ الأول قبته الحديدية، تذمّر جمهوره..لكنه هدأ من روعهم بقوله..إنها فقط نقطة صدأ في السقف الحديدي وسنلحقها بالطلاء.

وعندما أفلت الصاروخ الثاني من قبته ليصل إلى ما تحتها..قال لهم..إنه الخرم نفسه بالسقف..وهم على عجلتهم وخوفهم يطلقون صواريخهم من حفرة واحدة وإلى نقطة واحدة..لذلك فقط ابتعدوا عن مهوى الصواريخ إلى ملاجئكم مؤقتاً.

وسمع الجمهور قعقعة كبيرة على سطحهم، فانكمشوا على أنفسهم، وكأنه يقبعون تحت ألواح من صفيح.

وقال أحدهم محذراً..وماذا لو كانوا قد تسلقوا سطح قبتنا ويطؤون الآن سقفنا الحديدي.

وقال أحدهم..وحتى خلف الجدار أرى عيونهم التي تخيفني..تباً لك ولتطبيعك يا نتنياهو..لا فائدة من التطبيع مع العرب الأبعدين وتركت لنا الأقربين يطعنوننا ويدهسوننا.

ماذا جرى في الشيخ جراح ؟..وقال لهم..إنها مجرد عصابة ستنتهي في سجوننا
وماذا يجري في اللد ؟..وقال..خلافات ومظاهرات محدودة

وقالوا..نرى فلسطين العربية كلها تشتعل، وكأنهم اتحدوا جميعاً على كلمة واحدة..لم يعد الفلسطينيون فصائل وأحزاب وسلطة وتيارات..يا خوفنا من اتحادهم!

وقالوا..انظر القنوات الفضائية، والشعوب تتحالف معهم وتندد بنا

وقال نتنياهو ساخراً..فأما اتحاد الشعب الأعزل المحاصر فلن يجدي أمام آلتنا العسكرية..وأما الشعوب فلا تهمنا ما دمنا قد وضعنا الحكومات في جيبنا
وقالوا..ما بال الشمس تدخل إلينا يا نتنياهو ؟..والنهار غدا نوره قوياً، وكأن الثقوب زادت في قبتك الحديدية، والصواريخ المجنونة جعلتها كالغربال، وويلنا من تداعي قبتك الحديدية على رؤوسنا، عندها ستكون كمصيدة الفئران تنزل علينا وتحاصرنا، وجدارك الفاصل سيمنعنا من الهروب.

وقال نتنياهو مطمئناً جمهوره..لا تخافوا، إنهم رماة أحجار بالأساس، والآن هم رماة صواريخ، وعندما تفرغ جعبتهم سننقض عليهم.

وقال بعض المعتدلين منهم..ويلك يا نتنياهو..أولئك لا يخافون آلتك العسكرية.. ألم ترى قوافل الشهداء يرسلونها للجنة ؟..ألا ترى أطفالهم يولدون ويرضعون ذاكرة الحقد علينا..أهم شيء أن تسكتوا فيروز التي ما زالت تغني..الغضب الساطع آت وأنا كلي إيمان.

وفي اليوم الموعود كانت الجموع محتشدة للصلاة في الأقصى رغم الحواجز والحراب المنصوبة، وكانت الشمس تزداد سطوعاً على فلسطين وكأن القبة الحديدية داخلها الصدأ فعلاً واتسعت ثقوبها، وفجأة أبرقت السماء وتلاها الرعد القاصف، فاتجهت العيون والأفئدة إلى السماء، ولاحظوا الغيوم تتسابق إلى فلسطين يومها.

وأمطرت بحبات كبيرة من البرد، كالحجارة يقذفها الرماة من السماء..ويلك يا نتنياهو من رماة الحجارة!

فترتطم الكتل الجلمودية بالقبة الحديدية فتهزها، واستمر القصف السماوي، وجثا المصلون على أعتاب الأقصى مسلّمين للقدر..أين آلتك العسكرية يا نتنياهو ؟..فلتطلق حممك إلى السماء، دمّر الغيوم التي تهاجمنا

لكن هيهات، فالغيوم التي لا تنتهي تمتطي صهوة الرياح الهوجاء.

في ذلك اليوم الموعود، سمع الجميع للرياح صهيلاً مخيفاً، وجلاميد البرد صارت ساخنة وكأن بركاناً ما قد انفتق، وتزلزت الأرض، فانشق إزار الجدار العازل.

يومها سقطت قبة نتنياهو الحديدية على صانعيها..وكان سقوطها مريعاً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى