الخميس ٦ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
حوار مع الشاعر السوري غالب جازية
بقلم أحمد مظهر سعدو

القصة تتسلل إلى ملكوت القصيدة

في الحب وأشياء أخرى.. في السياسة والوطن.. في العروبة والمجتمع يبوح الشاعر غالب جازية بما لديه من سكن في القلب، ووجدانيات آن أن يدلي بها إلينا، وهو الشاعر العروبي والفارس فيها. من مواليد بلدة منين، بالقرب من دمشق. له سبع مجموعات شعرية والعديد من المشاركات في ندوات وأمسيات أدبية، ناشط في مجال الشعر، والثقافة...وهو من يتحدث عن شعره الوفير في هذا اللقاء الوثير.. سألناه وأجاب

1. بين الشعر والقصة قناة ود متصلة.. هل أنت مع وصل ما انقطع بين القصة والشعر؟
 الأدب بشكل عام واحة ظليلة متصلة يفيء إليها الإنسان فتغسل ما في نفسه من همّ وعناء وتغرس في وجدانه القيم الإنسانية الأصيلة وتفتح أمامه آفاقاً جميلة وممتعة.. والشعر والقصة فرعان وارفان من هذه الواحة الظليلة تربط بينهما علاقة تبادل وتفاعل لا علاقة سباق وتنافس.. فأحياناً كانت القصة تتسلل إلى ملكوت القصيدة وتنساب في أبياتها انسياباً رائعاً مدهشاً يسلب لبَّ القارئ فلا يدعه حتى تنتهي القصة مع نهاية القصيدة،وأحياناً أخرى كنا نرى القصة وهي تستعيد مفرداتها وفضاءاتها مع الشعر لتستأثر في النفوس وتستولي على القلوب بشكل محكم.. فالعلاقة بين القص وروعة البيان قائمة منذ الأزل ولا أدل على ذلك سوى القصص التي وردت في القرآن الكريم وقوله تعالى " ونحن نقص عليك أحسن القصص " وهذا طبعاً ليس تشبيهاً بين الشعر والقرآن الكريم وإنما هي دعوة لإعادة الدفء إلى العلاقة ما بين الشعر والقصة بشكل مدروس وهادف وعلى نحو موضوعي وبحوارية سلسة رشيقة بعيداً عن التكلف والابتذال وصولاً إلى ترسيخ قيم ومبادئ إنجابية في المجتمع بشكل ممتع ومفيد.

2. إلى أي حد تمكن الوطن من ناصية شعرك؟
 إن هذا الوطن الرائع يسكن في قلبي ووجداني وعلى حدوده أذبت عمري أحرس أهدابه وأرعى خصلات شعره.. فمن الطبيعي أن يتدفق هذا الحب في كل سكناتي وخلجاتي قولاً وعملاً.. شعراً ونثراً.. ومن يتتبع المجموعات التي أصدرتها يرى أن الوطن يتربع على عرش شعري.. وهبته قلبي وعمري فكان ربيع حروفي وفضاء روحي، وفي هذا الحب أقول:

وهبتكِ قلبي يا بلادي فما وفّى
وجُدتُ بعمري في هواك فما كفّى
أذبت حياتي في رباكِ وجدتها
قناديلَ مجدٍ لا تنوسُ ولا تُطفى

3. وأين هي المرأة في شعرك وهل تتربع في مكان أساسي ضمن قصائدك؟
 إذا كان الوطن بمثابة القلب لملكوت شعري فإن المرأة هي دقاتُ هذا القلب وخفقه وإيقاعه الجميل وإحساسه الراقي، وهي التي تضرم في أعماق روحي لواعج الشوق وتحرك قوافل النجوم ومراكب العشق.. هي باختصار الملهمة والمحرضة على كتابة كلَّ شعر رقيق عذب جميل.

4. هل أنت مع الشعر الحديث أم أن الشعر العامودي هو ما تعتقد به فقط؟
 رغم كتابتي للشعر العامودي في الغالب إلا أنني أقول دوماً إنني مع الكلمة الرائعة المدهشة التي تجعلنا نحلق في فضاءِ رحب بأجنحة من ذهب.. أنا مع الإحساس الراقي النبيل الذي يفجر في صحراء أرواحنا القاحلة ينابيعاً من الكلمات العذبة المنتظمة والصور الجميلة المبتكرة التي تشبه مشاتل الورد ومساكن الفل.. لا تتنكر لجذورها ولا تبدل هويتها وإنما تعطيها ألواناً جديدة من الشعر بنكهة عطرية فريدة وفيها تراثنا الثر ومرجعها ثقافتنا العربية الأصيلة.

5. فلسطين ما موقعها من شعرك؟
 لا شك أن فلسطين هي قضيتنا المركزية وهي جرحنا الذي ما زال ينزف منذ أكثر من خمسين عاماً ولم يلتئم بعد.. لذلك اعتبر بشعري أن فلسطين نقطة البداية ونقطة النهاية لأنها باختصار تعبر عن همنا القومي وشغلنا الشاغل من المحيط إلـى الخليج.. لذلك قلت في إحدى القصائد:

بكِ ابتديتُ فكنت الآه والألما
أيا فلسطين إن الجرحَ ما التأما
أيا فلسطين هل تنساكِ ذاكرتي
وفيك لابَِ شغاف القلب واعتصما

لذلك تبقى فلسطين تحفر في الوجدان وتعشش في الذاكرة لأنها جرحنا الدامي الذي نراه ينزف أمامنا كل يوم في ظلََّ ضعفنا وعجزنا وتشتت أمتنا.

6. ما رأيك بما نرى ونسمع ونقرأ من شعر (شبابي) قد أصبح منتشراً حتى قال البعض فيه أنه أشبه (بالإسهال)؟
 نعم.. لقد انتشر ما يسمونه الشعر الشبابي في الآونة الأخيرة انتشار النار في الهشيم وكُثر الشعراء في هذا الاتجاه ولكن للأسف قلَّ الشعر إذا لم نقـل أنـه انعدم.. فأنت لا تستطيع أن تستمر في قراءة قصيدة من هذا الكمّ الهائل لأنك ستجد وبسرعة أنه لا لون لها ولا طعم، أحاسيسها مشتتة وأفكارها تائهة يلفها الغموض ما بين قطع ووصل وأخذ من هنا ونهب من هناك.. كل ذلك في بحر متلاطم من الكلمات التي لا معنى لهـا ولا موسيقى.. وبالتالـي لا تستطيع تلك (القصيدة) الوصول إلى شاطئ الروح وإن وصلت في أحسن الأحوال فإنها تصل منهكة القوى لا تستطيع أن تتذكر منها ولو جملة أو صورة.. وبالطبع يأتي هذا في ضوء تلميع إعلامـي لهـذا الاسم أو ذاك ومـا أكثرهـم.. فنحن نقرأ أسماءَ أكثر مما نقرأ شعراً وهذا يجب أن تعالجه وسائل الإعلام ودور النشر حفاظاً على الذائقة الشعرية السليمة ولكي لا يذهب الغث بالسمين أو الصالح بالطالح كما يقولون.. رغم ثقتي الأكيدة أن هذه الموجة أشبه بزبد السيل الذي سرعان ما يتلاشى ولا يبقى له أي أثر وسيبقى في المحصلة الشعر الأصيل والكلمة المعبرة والإحساس الراقي هو الأطول عمراً وهو الذي سيرسخ على جدارية القلب وتقلبات الزمان.

ولا يسعني هنا إلا أن أشكركم على هذا اللقاء وعلى اهتمامكم بالشعر الجميل في زمن بدأت تنضب فيه ينابيع الكلمات العذبة وتتصحر فيه الأرواح أمام شبح المادة وغول المصالح اللذان أفسدا العقول والنفوس وشوّها رونق الإحساس والمشاعر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى