الخميس ٢١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم خالد اليزيدي

القصيدة الزبيديّة في مهرجان بوفرقوش

وأخيرا قررت سيدتنا الحكومة إعادة الاعتبار لقريتنا "بوفرقوش" فجاءت لتنظم على أرضها المهرجان الثقافي الثامن والخمسين للتضامن مع فلسطين .

فبعد أن كاد النسيان يعصف بنا وبقريتنا، هاهي الحياة تدب فينا وفيها من جديد ؛ مصابيح ملونة ، لافتات وأعلام تزيّن شارعها الوحيد، أطفالنا يغدون ويمرحون في كل الإتجاهات كما لو كانوا في يوم عيد، وها نحن " شيوخها" : رمز ثقافتها وأدبها ونضالها نستعد لإحياء الذكرى. ذكرى نمارس فيها عن جدارة واستحقاق دورنا التنويري ، ونقول من خلالها للعالم أجمع . إ سمعْ : نحن مازلنا أحياء ولم نمــُت بعد.

المناسبة غنية عن كل تعبير . ففلسطيننا الحبيبة تبعث الحياة في كل الأدبيات .وتوقظ الهمم عاليات ، وتشق الطريق مستقيما لكل من أراد عزة وكرامة وتغيير. ومسؤوليتي الآن تقتضي ـ لكوني " شيخ" جدير بفائق الإحترام ـ أن أعطي بسخاء وأتكرم بما وهبني الله من أدب وإلهام لأجعل من جمهور قريتي في هذا المهرجان مناضلين على قدر المقام . سألقي على مسامعهم القصيدة الـــزبيديـــّة التي تحرك الوجدان وتدق على عصب كل نائم ويقظان . اليوم ستبنى المواقف ، اليوم ستصاغ المعتقدات في قريتي تضامنا مع فلسطين .
وما دام الأمر يتعلق بخصوصياتها وبتراثها الأصيل فسأرتدي للمناسبة جلبابي المغربي الأبيض وأنتعل " بلغتي" الصفراء التي اشتريتها من سوق الأربعاء، وسأحنط رأسي بعمامة جدي أربعا وأربعين مرة . وسيكتمل المظهر بالجوهر حينما سيعيرني عمي موحا "المكحْــــلة" ؛ تلك البندقية العتيقة التي قهرت الأعداء يوما ما ، سألــــوّح بها ـ إن سمحت سيدتي الحكومة بذلك ـ مع كل بيت من أبيات قصيدتي تضامنا مع فلسطين.

......كان وابل من التصفيق الكثيف يعم أرجاء ساحة المهرجان محدثا صوتا يشبه تماما صوت المفرقعات النارية و القنابل العنقودية التي تمطرهم ـ المساكين ـ هناك في فلسطين. قام أحدهم إلى المنصة ومن فرط الهيجان والخشوع أخذ يدق الأرض بقدميه ويهز أكتافه هزات متتالية وكأن به مس من جنون. لقد فعلت فيه قصيدتي فعلتها فهاجت نفسه لوعة. حتى " للا فطـــومة " تلك العجوز التي لا تضحك إلاّ نادرا هاهي الآن لا تكف عن الزغاريد . ربما ذكرتها قصيدتي بأيام شبابها ونضالها. الشعب كله يهتز بخشوع كما لو كان في مراسيم جذبة صوفية ويصيح بحمــــــــــاس خالص كما لو كان يستعد لثورة بلشفية :

ـ بالروح بالدم نفديكم يا " شيوخ" .....بالروح بالدم نفديكم يا " شيوخ "

توقفت برهة وأنا من على المنصة أتلذذ متأملا هذه الجماهير الهائجة .كانت الأرض لا تسعني فرحا واعتزازا بجمهور قريتي " بوفرقوش "، الذي يفهم بحق معنى التضامن ومعنى الثقافة ومعنى الأدب .استسلمت لهذه اللذة منتشيا بهذا المشهد الرائع إلى أن انتهى إلى سمعي صوت جماعي يهدر كنهر جارف من كل الجهات :

ـ أعــدْ !...آعـــدْ..!...آعـــــدْ..!

لممت كل قوتي. أغمضت عيناي منسجمــا مع نبرات كلماتي وأطلقت العنان لحبال صوتي أمـــدد في الكلمة بنفَس طويل :

ـ وا يـــــــا كـعـــكـــــــاع يـــــا زبيـــدة......*

وثار الجمهـــــور مصفــــقا بكل حرارة . تضامنا مع فلسطين .

إلى رضيعي أنيس نصر الله

* كعكع يا زبيدة هي مطلع أغنية أمازيغية يرقص على نغماتها في الأعراس . ولا تمت للأغاني الملتزمة بأية صلة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى