الاثنين ١٧ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم هند فايز أبوالعينين

القهوة..... والدم

تحدثـَت إليّ إمرأة من بلدي في يوم من الايام، عن قصة حقيقية حصلت في إحدى العائلات.
تقول القصة ان إمرأة ورجلا عانا من العقم لمدة عشرين عاما من الزواج...... عشرون عاما وهم يدعوان الله ان يرزقهما الضنا. لم يتركا باب طبٍّ الا وطرقاه.
وشاء الله ان يرزقهما إبنا، وهما في الاربعينيات من العمر، لم تسعهما الدنيا فرحاً.
يقال ان اباه لم يكن يفارقه بعد العمل، فقد كان يركض وراءه في الحي كطفل صغير بنفس عمر ابنه...
وشاء القدر ، انه عند بلوغ الطفل عمر الخامسة، وأثناء لعبه في الحي مع ابيه، مرت سيارة مسرعة بحد الجنون، تسير بسرعة لا تتلائم والحي السكني الذي يقطنونه، وأخذت الطفل امام عيني ابيه.
كان سائق السيارة مراهقا أرعنا من ابناء الجيران ، لايحمل رخصة السواقة، والسيارة لأبيه.

تقول الراوية: ان الرجل ظل بلا حراك لفترة طويلة، ولم يبكِ، ولم يتكلم ايضا.

وجاءت جاهة مهيبة من عشيرة الفتى القاتل، وجلس الأب المكلوم صامتا، وتحدث من طرفه شخصٌ آخر.
وشربوا القهوة ...
حياة هاذين الزوجين لم تعد كما كانت، فلم يعد الرجل يظهر على مرأى الجيران، ولم يبتسم بعدها في وجه أحد.
تقول المرأة ان الصمت دام خمس سنوات، وُجد بعدها المراهق غارقا في دمائه ، في فناء منزله. ولم تصل التحقيقات الى كشف هوية القاتل.

شاهدت قبل شهور في برنامج "كلام نواعم" على قناة mbc تقريرا عن ابٍ سعودي فاقد لابنه في حادثة قتل عمد، كانت قصة التقرير هي ان هذا الرجل النشمي انزل قاتل ابنه عن حبل المشنقة، وعفا عنه في نفس يوم التنفيذ عليه.
قاتل ابنه أشهر سلاحا في مدرسة ثانوية، ونتيجة لمشاجرةٍ رعناء، طعن القاتلُ ابنَه في الصدر، فمات علىالفور.

لاأعلم ان كانوا يشربون القهوة في السعودية في جاهات العشائر التي تُردّ، لأن الأب الفاقد طالب بديّة ابنه وبدم ٍ مقابل دم ابنه.
فهذا حقه شرعا : " الذكر بالذكر، والانثى بالانثى، والعبد بالعبد، والأَمة بالأَمة"
والدولة ضمنت له هذه الحقوق.....
فالمشرع الحكيم، خالق هذه النفس الزاهقة، يعلم ان الدمَ لايطفؤه الا الدمُ. وان الانتقام غريزة هو خالقها، وان الخلق لو اجتمعوا لن يستطيعوا ان يجعلوا هذا الاب او زوجته ينسوا ابنهم المفقود ليوم واحد بعد مماته.

وبعد...

انا من الناس الذين يؤيدون ترابط المجتمع عن طريق العشائرية، وأجد انها منظومات اجتماعية ضاربة في الاصالة والعروبة.....فهي تشكل الروابط الأساسية لمجتمعنا ، كما انها تمثل أصل الخـُلـُق العربي المتميز بين الأمم.

الا ان هذا البُعد في ممارساتنا العشائرية يخالف الغريزة البشرية،
كما اني شخصيا اجد انه يخالف الشرع
فنحن نحاول اطفاءَ الدمِ بالقهوة،
وهذا لا يمكن ان يكون، بل بالاحرى سوف يساهم في فك عرى الترابط في المجتمع
فالدم المهدور لايُنسى......وسرعان ما يتحول الى كراهية وبغضاء

ثم ان كلمات يتفوه بها الرجال على فنجان قهوة، لن تمحي غضبَ الامهات...
وغضبُ الامهات عظيم

فان دعت امٌ ثكلى على شاربي قهوة ابنها فلن يجيرهم من دعواها الا الله....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى