الكردينال غريغوريوس بطرس ال ١٥ أغاجانيان
الكتابة فن، والفن باب من أبواب فلسفة علم الجمال. ومَن يملك سحر الكتابة، يملك مفاتيح العبور إلى عقول البشر وقلوبهم. وجوزيف إلياس كحَّالة من ملوك هذا الفن، فنجده يتربَّعُ في قلوب القرَّاء بأسلوبه الشيِّق، ومواضيعه المتعدِّدة. وهو لا يترك مناسبة تمرُّ ذكراها من دون أن يتحفنا بكتاب جديد أو مقالة يذكِّرنا فيها بشخصيَّة لامعة كان لها شأنها في عصرها.
وإذ احتفل لبنان والعالم الكاثوليكي منذ أيَّامٍ بنَقل رفات خادم الله الكردينال غريغوريوس بطرس الخامس عشر أغاجانيان من روما إلى بيروت، تلك المدينة التي سكنَها منذ نحو سبعين من الأعوام، وغادرها ليتسلَّمَ المهامَّ التي أوكلت إليه في حاضرة الفاتيكان، فوجِئنا بأنَّ جوزيف إلياس كحّالة سبقَ هذا الاحتفال بثلاث سنوات، وأصدر في شهر تشرين الثاني من العام 2021 كتابًا فريدًا في نوعه، كان الأوَّلَ في العالم لجهة تخصيصه لسيرة الكردينال أغاجانيان، سواء بلغة الضَّاد، أو بسواها من االلغات.
هذا، وللمؤلِّف كتب عديدة أرَّخ فيها لشخصيَّات كنسيَّة وأدبيَّة مثَّلَت دورًا لافِتًا في العصور الماضية. وهكذا، نشر في العام 2009 كتابًا وثَّق فيه حياة الكردينال البطريرك مار موسى إغناطيوس الأوَّل داود، رئيس مجمع الكنائس الشرقيَّة آنذاك، والكتاب بعنوان "القادم من الشَّرق الكردينال مار إغناطيوس موسى الأوَّل داود"، وصدر عن دار الضَّاد للطباعة والنشر بحلب.
أمَّا كتاب الكردينال أغاجانيان فيقع في 175 صفحة، قدَّمَ له المطران جورج أسادوريان. وقد جعله المؤلِّف في قسمَين، الأوَّل من الصفحة 17 إلى الصفحة 66، ويستعرض فيه ابأسلوب أكاديمي السيرة الموسَّعة للكردينال أغاجانيان، مُسلِّطًا الضوء على دوره الفاعل في العديد من الأمور الكنسيَّة، سواء في المجمع الفاتيكاني الثاني وما بعده (ص 41)، أو في أمورٍ أخرى. فالكردينال أغاجانيان هو الذي، أيَّام الانتداب الفرنسي لسورية، أسهم في إعادة بلدة كَسَب التي تسكنها جاليةٌ أرمنيَّة، والقرى المجاورة لها، الى الدولة السوريَّة. وهو صاحبُ الفضل في الدفاع عن قضيَّة أبناء لواء إسكندرون السوريّ. وعلى صعيد الأبرشيَّات، هو مَن وضع عام 1960 نواة أبرشيَّة باريس بفرنسا للأرمن الكاثوليك (ص 38). وفي لبنان قام ببناء الكنائس، ولعلَّ أهمَّها كنيسة القديس غريغوريوس في ساحة الدبَّاس ببيروت (ص 36) التي شاء الزمان أن تضمَّ الآنَ رفاته.
وترأس الكردينال أغاجانيان مجمع الكرادلة الانتخابيّ في إثر وفاة البابا يوحنا الثالث والعشرين في العام 1963. وقيل يومَها إنَّه كان مرشَّحًا لخلافة البابا الراحل. ومن المعلوم أيضًا أنّه كان من المتوقَّع أن يخلف البابا بيُّوس الثاني عشر عند وفاته في العام 1958 (ص 41).
أمَّا القسم الثاني من الكتاب، فقدَّم لنا الكحَّالة فيه نبذة عن سِيَر بطاركة الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة من العام 1740 وحتى يومنا هذا. واللافت في هذا القسم أنَّه للمرَّة الأولى تدوَّن سِيَر هؤلاء البطاركة كاملة في كتابٍ باللغة العربيَّة. ويُمكنُ اعتبارُ هذا الكتاب بمثابة موسوعة مصغَّرة في تاريخ الكنيسة الأرمنيَّة الكاثوليكيَّة الحديث.
هذا، وصدر الكتاب عن دار نعمان للثَّقافة، لصاحبها الأستاذ ناجي نعمان، وهو الكتاب الأوَّل من سلسلة "كبارٌ في ذاكرتنا" التي تُعنى برجالات الأرمن الكاثوليك من إكليروس وعلمانيِّين، ويُشرف عليها المطران جورج أسادوريان والباحث المؤرِّخ جوزيف إلياس كحَّالة، والأديب الناشر ناجي نعمان.
هنيئًا للمؤلِّف على كتابه هذا الذي أضاء فيه على حياة وأعمال الكردينال أغاجانيان، الجورجيّ المولد، الذي جاء إلى الشرق وأسهم عمليًّا في كتابة تاريخ الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة المعاصر، كما في تاريخ الكنيسة الكاثوليكيَّة في العالم.