الجمعة ٢٥ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
حوار مع آداب عبد الهادي
بقلم بسام الطعان

الكلمة هي اللغة واللغة هي أهم أداة من أدوات التعبير

لأي مبدع مهما كان نوع إبداعه

الأديبة السورية آداب عبد الهادي اسم حاضر بقوة وجمال في المشهد الثقافي السوري.

صدرت لها:
1ـ امرأة من خزف.رواية
2ـ مشبوه ممباسا. رواية
3 ـ إبراهيم.رواية.
4ـ قضايا خاصة بالمرأة. دراسات.

وأيضا لها عدة مسلسلات تلفزيونية

التقينا بها في مبنى اتحاد الكتاب العرب بدمشق وكان لنا معا هذا الحوار الذي فتحت لنا فيه قلبها وتحدثت عن هموم إبداعية كثيرة

- بداية كيف جئت إلى عالم الإبداع، وإلى الرواية والسيناريو والدراسات،وكيف بدأت خطواتك الأولى في التكوّن..وهل للشاعر والقاص إبراهيم عبد الهادي دور في ذلك؟

= أنا لم أكن بعيدة عن عالم الإبداع لآتي إليه،ربما لأنني ولدت في هذا العالم،ولدت لأجد أمامي الجرائد والمجلات والمؤلفات الضخمة وأمهات الكتب، وكبار الكتاب والشعراء والصحافيين والفنانين يترددون إلى بيتنا ويعقدون الندوات الأدبية وأنا محمولة على أكتافهم

طبعاً كانت الخطوة الأولى هي مرافقتي لوالدي الباحث والشاعر والصحافي إبراهيم عبد الهادي من سنوات حياتي المبكرة،خلال رفقتي معه كان يقرأ لي ما يكتب وأحياناً يطلب مني أنا أقرأ ما يكتبه قبل نشره،كما أنه طرح أمامي كل ما كتب من روايات في العالم العربي ونصف ما ترجم تقريباً خاصة ماترجم عن الفرنسية والروسية.

ومن خلال عمل والدي بالبحث الأدبي أحببت البحث في التاريخ وقراءة التاريخ وقبل ولعي بالتاريخ السياسي والاجتماعي أغرمت بتاريخ الأدب العربي وكنت مساعدة لوالدي أثناء إعداده لكتاب الآداب العربية في صحافة العرب، بعد ذلك تولدت لدي رغبة خاصة بالبحث عما أريده أنا وفي الاتجاه الذي أرغبه أنا، وربما كان ولعي في قراءة التاريخ السبب الأساسي لاتجاهي فيما بعد للدراما وكتابة المسلسلات التاريخية.

وأما عن الرواية فأعتقد من كثرة ما قرأت من الروايات العربية والأجنبية في صغري وجدت نفسي ودون أن أدري قد وقعت في هذا البحر.

ـ هل هناك تطورات طرأت على الرواية السورية وماهي...وأين أنت على خارطة الرواية السورية؟

=أولاً أين أنا على خارطة الرواية السورية لا أستطيع أن أقول لك أنا أين ربما أنت تستطيع أن تحدد ذلك وربما النقاد أو الكتاب الآخرين لكن أنا لا أستطيع أن أحدد.

ثانياً: نعم هناك تطورات كثيرة طرأت على الرواية السورية لكن مع الأسف ليست كلها إيجابية.
الرواية السورية كانت في فترة الخمسينات والستينات والسبعينات متصدرة للرواية العربية ولا أبالغ عندما أقول أنجبت تلك الفترة كتاب رواية عظماء لا تقل أهمية ما قدموه من فن الرواية عما قدم في مصر والعالم وما تزال رواياتهم تتصدر المرتبة الأولى في الرواية السورية، لكن مع الأسف بعد هذا الجيل تراجع الفن الروائي في سورية ورغم كثرة ما يطرح الآن من أعمال روائية إلا أنها ضعيفة وتحمل طابع السير الذاتية والتجارب الشخصية طبعاً هناك استثناءات لكن ما نشاهده الآن على الساحة يؤكد أن الزمان الذي ذهب لم يعد بعد

وتلك الأعمال المقدمة من عباقرة القرن الماضي لم تتكرر،ربما لعدم تمكن الكثيرين من كتاب الرواية من فهم هذا الفن بشكل صحيح وربما لأن البعض يكتب كنوع من أنواع الترف والفخفخة ليس إلا.

ـ ما هي المهمة التي تقع على الروائي، الشاعر، الكاتب، السيناريست برأيك؟

= هؤلاء هم أصحاب رسالة وكل مبدع حقيقي صاحب رسالة، وبرأي الرسالة الواجب إيصالها إلى المواطن من قبل هؤلاء هي التنمية الإنسان بحاجة إلى تنمية بشرية دائمة، بحاجة إلى تحسينه، تحسين كيفي وليس تحسين كمي، مهمة هؤلاء تكوين الإنسان القوي السليم، صاحب الخلق القويم والرأي السديد،مهمتهم تكوين المواطن الصالح، المواطن الفرد الذي هو أساس المجتمع بصلاحه يصلح المجتمع وبترديه يتردى المجتمع، مهمة هؤلاء الرقي بالمجتمع ورفع شانه ولا يتم هذا إلا إذا كان هؤلاء المبدعون على درجة عالية من الخلق السليم والرأي السديد ولا أعني بذلك أن يعمل الأدباء والمبدعون على الوعظ والإرشاد ويأخذون دور الوعاظ بل أعني أن يكون فقط على درجة عالية من الخلق لأن ما يقدمونه من آداب يعكس دواخلهم فإن كانوا قويمي النفس كان أدبهم قويماً وإن كانوا أصحاب مبادئ تصل أصواتهم بشكل أسرع، لأن الأديب الحقيقي والأديب المتمكن من أدبه يتبين الطريق السليم في عمله ويراه بوضوح ويعمل على إيصال رسالته المراد إيصالها إلى المتلقي ضمن قالب فني راقي وبتصوير ممتع أنيق يعكس بحق داخل هذا الأديب.

وأرجو ألا يفهم كلامي أنني أدعو إلى التزام في الأدب بل أدعو إلى الحرية الملتزمة التي تنتج أدبا رفيعاً يفيد الأمة وينفع أفراد المجتمع.

ـ كيف تكتبين الرواية والسيناريو.. وهل لك أسلوب محدد تشتغلين عليه؟

= بالطبع لكل كاتب وأديب أسلوبه الخاص به والمختلف عن أي شخص آخر، فكما تختلف الميول والاتجاهات والأهواء تختلف أساليب الكتابة عند كل كاتب.

أنا عادة لا أبدا بكتابة لا رواية ولا سيناريو إلا بعد أن تعشش الفكرة بداخلي وتختمر ويكتمل العمل بوجداني ويصل إلى درجة يقلقني في نومي حينها أبدأ بصب ما بداخلي على الورق.

ـ هل تعانين من رسم نهايات لأعمالك الروائية والتليفزيونية؟

= عادة لا أعاني لأني قبل أن أبدا بالكتابة تكون النهاية موجودة بل العمل ككل موجود في ذهني لأني أخبرتك بالسؤال السابق أنني لا اكتب إلا بعد اختمار العمل في داخلي، وطبعاً هذا الأمر يحتاج للتفكير ليلاً ونهاراً كما أن التفكير بالعمل لا يقل أهمية عن بدء الكتابة به.

النهايات تأتي بشكل تلقائي للمقدمات التي نأتي بها في العمل، والمقدمة الصحيحة تعطي نهاية مناسبة لها، لكن في بعض الأحيان قد يضطر الكاتب لتغيير نهايته لتتوائم بين الفرد والجماعة في المجتمع الذي سيقدم به هذا العمل أو ذاك.

ـ الرواية كيف ترينها اليوم، وأين مكانها أمام هجوم الفنون الأخرى كالتلفاز مثلاً؟

= الرواية موجودة، وبقوة سيما الروايات القديمة لكتاب القرن الماضي سواء كانوا عرباً أو أجانب والكثير من الروايات الأجنبية تتقاذفها الأيدي اليوم في العالم العربي وبكثرة، وهناك أسماء كثيرة في العالم ولامعة جداً يتسابق العامة ولا أبالغ إن قلت العامة لاقتناء رواياتهم بدءاً من همنغواي إلى ماركيز إلى تولستوي إلى أجاثا كريستي إلى ديكنز إلى فيكتور هيجو إلى إميل زولا إلى فرانسوا ساغان إلى جان دي موباسان إلى الروائيين العرب والتي لا تغيب أعمالهم أبداً عن الساحة الثقافية العربية من نجيب محفوظ إلى صالح مرسي إلى يوسف السباعي إلى علي أحمد باكثير إلى الروائيين السوريين إلى الكثير غيرهم إضافة إلى الكتاب الجدد الذين برزت أعمال بعضهم في السنوات الأخيرة ولاقت رواجاً منقطع النظير ورواجاً لا يعني بالضرورة تميزاً ونجاحاً ففي بعض الروايات يسعى الكاتب أو الكاتبة لخرق المحظور للفت الأنظار كالروايات الإباحية والتي تحمل أفكاراً جنسية أو دينية أو غير ذلك.

ـ أداة الكاتب هي الكلمة وهي وسيلة نحو الإبداع الأدبي..كيف تفعل هذه الوسيلة فعلها في إبداعك،طبعاً هذا إلى جانب الأحاسيس والخيال والحرفة الأدبية؟

= الكلمة هي اللغة واللغة هي أهم أداة من أدوات التعبير لأي مبدع مهما كان نوع إبداعه،
نجاح العمل الأدبي وفشله يعود إلى اللغة كما أن تباين مستوى الأعمال الأدبية الإبداعية المطروحة أمامنا يعود إلى اللغة وقدرة الأديب على استخدام الرمزية اللغوية وتوظيفها كما أن فشل بعض الأعمال سببه افتقارها إلى التنوع الرمزي الضروري للتعبير عن المشاعر والجوانب المعرفية والانفعالية وهذا التنوع يأتي فقط من التمكن باللغة الفصحى، بالنسبة لي أدقق جيداً في اختيار كلماتي وتوظيفها،وفي طريقة طرحها وتسلسلها،الكلمة هي التي تترجم الخيال وهي الكاميرا التي تظهر الصورة للمشاهد والمشاهد في النص الأدبي هو القارئ،وبالتالي إن لم يكن الكاتب متمكن من هذه الكلمة ويعرف أسرارها وخفاياها بالطبع لن يتمكن من الوصول،أحياناً أدع الكلمة جانباً وأقرأ ما تخفيه بين أحرفها وأنت تعلم أن الكلمة هي السر الخطير في اللغة العربية،مهما بلغت درجة الحساسية ومهما كان الخيال واسعاً إذا لم تتمكن من القبض على الكلمة بالشكل الصحيح فلن تستطيع أن تقدم صورة جميلة تسعد القارئ وتلبي تطلعه نحو كل جديد.

ـ كمنتجة للنص الأدبي،هل لك غنى عن فعالية النقد سواء كانت مكتوبة أو مسموعة؟

= بالطبع لا.. ويسعدني النقد مهما كان سلباً أم إيجاباً.

ـ في النقد هل يمكن قول الكلمة الأخيرة،أو إصدار الحكم النهائي على الرواية أو السيناريو أو أي جنس أدبي آخر وكيف يجب أن تكون العلاقة بين النقد والأدب؟

= المشكلة في النقد والنقاد عندنا أنهم ينقدون انطلاقا من منطلقين أحدهما التحامل والثاني المجاملة،ويؤسف أنهم لا يستطيعون الوقوف على الحياد حيال نقدهم لأي عمل كان.

ومن المفروض ألا تكون الكلمة الأخيرة للنقاد سواء في الإعمال الأدبية أو حتى التليفزيونية،الكلمة الأولى والأخيرة للقارئ وللجمهور.

أولا:إن القارئ يستطيع أن يصل برأيه السديد وبحصافته إلى التمييز بين العمل الجيد وبين العمل السيئ،والقارئ للرواية أو المشاهد للعمل التليفزيوني أصدق في نقده من الناقد المحترف أو الهاوي،لأن هذا القارئ أو ذاك المشاهد عندما يبدأ بالنقد ينقد من نفسه إلى نفسه ولا يبغي من ذلك مصلحة آو ينتظر ثناء من أحد،أما الناقد ولأنه يكتب للآخرين وينقد من أجل الآخرين وله مصلحة بالطبع من خلاله نقده الذي ربما يساير جماعة ضد أخرى أو يعادي جماعة من أجل أخرى لقاء اجر معنوي أو مادي،وبالتالي فإن نقده ليس صحيحاً ورأيه ليس صائباً ولا يكون الناقد على درجة من الصدق إلا إذا ابتعد في نقده عن الأهواء والمحاباة،بالإضافة إلى إنه أي الناقد من المفروض أن يتمتع بثقافة عالية وإطلاع واسع يساعده في المقاربات التي يبغيها جراء نقده.

ثانياً:لا يمكن للعمل الأدبي أو الدرامي أن يستغنى عن النقد بل إنه بحاجة إلى النقد لأن ليس كل قارئ ذو رأي سديد ولا كل مشاهد يتمتع بدرجة عالية من الوعي وبالتالي يجب أن يكون هناك نقد ليعمل هذا النقد على تقويم الاعوجاج في حال حدوثه سواء على الصعيد الأدبي أو الدرامي،وهذا يقتضي أن يكون الناقد حاملاً لإيديولوجية معينة ينطلق منها في نقده وينظر إلى العمل الأدبي انطلاقا من هذه الإيديولوجية،وبناء عليها يقول كلمته الأخيرة التي تتوافق مع هذه الإيديولوجية أو تخالفها،وفي حال مخالفتها هذا أيضا لا يعني أن العمل رديء بل لم يتناسب مع انتمائه وكفى،أم أن يكون الناقد غير منتميا فهذا يعني أن نقده الأدبي لن يكون مستقيما.

أما عن علاقة الأدب بالنقد أرى أن النقد خادم للأدب.

ـ لو سمحت لي أستاذة آداب أن أذهب إلى الجانب الذاتي الآخر..آداب الإنسانة طبعاً لا انفصام بينها وبين آداب المبدعة..هذه الأسئلة:ماذا تحبين..ماذا تكرهين..مما تتألمين؟

= طبعا الإنسان كل متكامل فهو الإنسان ذاته المبدع،ما أحب..الإنسان أحب ما لدي في الوجود،وصراخ المرأة بوجه زوجها وبكائها المستمر أكثر ما أكره،أما ما يؤلمني بحق فقداني لوالدي وحال أمتنا العربية المنكوبة من أقصى شرقها إلى أقصى غربها ودرجة الانحطاط التي وصلت إليها.

ـ الروائية والناقدة وكاتبة السيناريو،ابنة الشاعر والقاص الراحل إبراهيم عبد الهادي،لاشيء يبقى غير الكلمات،غير الإبداع..ماذا تقولين في نهاية هذا الحوار؟لك حرية الكلام؟

= أود أن أقول أن الأدب حاجة أساسية وضرورية للإنسان.

ولتلبية هذه الحاجة بالشكل الأمثل على الأديب الحقيقي أن يكون كما قال عنه عباس خضر في الآتي(الأديب الحقيقي إنسان مثقف يعطي من ثقافته في إنتاجه،فإن لم يشتمل النتاج على عطاء،ولم يضف إلى متلقيه شيئاً ولو كان هذا الشيء انطباعا حميداً فهو كلام فارغ لا يصح أن يسمى أدباً)
استمتعت بهذا الحوار وبأسئلتك الذكية والقوية،أشكرك

لأي مبدع مهما كان نوع إبداعه

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى