الخميس ٢٥ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
في حوارنا مع الشاعرة المغربية صباح الدبي
بقلم بسام الطعان

اللغة بوابتنا إلى عوالم الإشراق

حيث تتضح معالم الأفكار وقسمات الدفقات الشعورية

شاعرة مغربية من مواليد مدينة تازة 1974، حاصلة على دبلوم الدراسات المعمقة في الأدب العربي الحديث، عضواتحاد كتاب المغرب، تعمل أستاذة في التعليم الثانوي مادة اللغة العربية، حاصلة على عدة جوائز، وتنشر نتاجها في الصحف والمجلات العربية.

  لكل مبدع بداية، نقطة تحول، مفترق طرق، حدثينا عن بدايتكِ مع نظم الشعر، وما دافعكٍ؟
• حينما نكون في حضرة الشعر لا يمكن أن نتحدث عن النظم وإنما عن الحرف يسكننا فينبجس كما الماء من مجابات الروح.

بدايتي مع الشعر لا تعترف بخطية الزمن منذ صغري يستهويني بياض الورقة ويسعفني القلم فأصب ما تعتق من شهد الحرف، وأخرج ما تكوم في داخلي إلى عوالم البياض، نصوصي الأولى قرأتها على أساتذتي واستهواني طريق القصيدة بل قادني إليه من حيت لا أدري...

لا يمكن أن أتحدث عن دافع واحد بل عن دوافع لا معدودة أولها أن تضيق الكلمة بعوالمك الداخلية، فتنشد أنوارها في جسد قصيدة مفعمة بالروح، كل ما حولك قد يدفعك لكتابة القصيدة بدءا بزقزقة عصفور زار نافذتك إلى أكبر قضية إنسانية

  قرأت أغلب قصائدك المنشورة فوجدت أنك تشتغلين على نصك بشكل مميز، وتوظفين الجملة البسيطة وتمنحينها طاقات لا متناهية، إضافة إلى الانزياح اللغوي المدهش، فهل تعملين على أن تكون اللغة عندك مختلفة عن اللغة في نصوص الآخرين؟
• اللغة بوابتنا إلى عوالم الإشراق حيث تتضح معالم الأفكار وقسمات الدفقات الشعورية، بها يقرأ الآخر شحنات الروح، واهتمامي بها إنما هوفي صميم اهتمامي بعنفوان القصيدة، ثم أن هذه الطاقة اللغوية تتماهى بشكل عفوي مع بدرة النص قبل التشكل فينسجمان ويتناغمان ويلبس كل منهما الآخر
لا أحرص على أن تكون لغتي مختلفة عن لغة الآخرين بشكل مقصود لأني أرى أن كل مبدع يشحن لغته بطاقاته الشعورية ويلبسها ما يتناسب مع تجربته الخاصة فتكون كما البصمة تعلن عنه وحده بامتياز.

  القصيدة والموسيقى توأمان، فالقصيدة التي لا تطرب سامعها لا يحق لها الانتماء إلى الشعر، وما شاء الله أغلب قصائدك فيها غنائية واضحة وابتكارات مجازية وصورية، من أين يتأتى لك كل هذا؟
• من صدق التجربة ومن شحنة الروح...
الحضور الإيقاعي في نصوصي يمشي جنبا إلى جنب مع الصور الشعرية، يتناغمان، فيستدعي أحدهما الآخر،لا يثقلني الوزن بقدر ما تنساب فيه الجملة والصورة فكما تتألق القصيدة على صفحة البياض ترحل على عوالم الإصاخة بتموجاتها ونغماتها.

  قصيدتك الجميلة (ديمة الأحلام) نصها معبّر، ولغتها جميلة جدا، ما مصادر صور أشعارك ولغتك؟
• الصورة هي العالم الخرافي الذي ينقل القارئ إلى مزارات لازوردية وكل مبدع له خصوصيته في تفعيل هذا الرحيل الفنتازي له أولا ولقرائه ثانيا.

الصورة تتشكل ولهذا التشكل روافد وموارد لا متناهية،يمكن أن أقول أن ملاين الخلايا اللغوية والجمالية تنتجها
أول المصادر القرآن الكريم الذي يمثل تاج اللغة والبلاغة، هذا فضلا عن نفائس المؤلفات الإبداعية شعرا كانت أم نثرا
عوالم الأساطير تمدك أيضا بما لا يستهان به من جوازات المرور إلى عوالم المتخيل، قد يستهويك أيضا مشهد عادي يومي فتخرج من صلبه الصورة في أبهى ملامحها القصيدة

  أعذب الشعر أصدقه، ما رأيك؟
• إنك تعود بي من خلال هذا القول إلى ما قاله الأسلاف القدماء"أعذب الشعر أكذبه" وهنا تثار جمالية هذه المفارقة
حين كان الشاعر يتألق في الإتيان بصور غير مألوفة ويخلع على الخليفة أوصافا خرافية تغبطه وتمتعه حتى وإن كان يعرف أن الشاعر يروم من ورائها كسب المال دون أن يشعر في قرارة نفسه بصدق ما يقول.العذوبة الآتية من الكذب إنما تحققها روعة التصوير من الناحية الشكلية ومن تم يتجاوز الكذب مدلوله الأخلاقي إلى الجمالي الكاشف عن قوة المخيلة. و" أعذب الشعر أصدقه " حينما يتعلق الأمر بصدق التجربة لأن الشاعر في هذه الحالة يفرغ الشحنات الشعورية بكل ما تملكه من قوة فتتحقق بذلك قوة القصيدة.

  حين تشرعين بكتابة القصيدة، هل تكونين بإزاء العقل،أم الانفعال، أم أشياء أخرى؟
• تتفاعل كل هذه العناصر وغيرها لتولد القصيدة،لحظة الانفعال مهمة جدا تتسرب من خلالها الشحنة الشعورية لكن قلما تنبثق القصيدة عنها بنفس السرعة، نحتاج إلى لحظة هدوء يتماهى فيها الشعوري باللغوي، الذات بالموضوع فنطمئن ولونسبيا أن ولادة النص سوف تكون سوية.لكن هذا لا يمنع أن تتمرد القصيدة وتنبجس في اللحظة المحاذية للحظة الانفعال حسب طبيعة التجربة.

  عدد كبير من النقاد ينظر إلى قصيدة النثر على أنها السقف الأعلى للإبداع، بينما عدد آخر وليس بالقليل ينظر إليها على أنها فارغة المضمون والشكل، وأنتِ ما هي نظرتك لها؟
• لا يمكن أن نجزم أن أي نوع من الإبداع قد وصل السقف لأن هذا الأمر يضع له حدا ونقطة انتهاء والإبداع كما تعلم منفلت لا يقبل الحدود وهوفي حالة تجدد دائم،فالقصيدة التي نحلم باكتمالها تظل تراودنا إلى أن يخرسنا الزمن المادي كما لا يمكن أن نجزم أيضا أن أي نوع من الأنواع الأدبية فارغ ومسطح لأن هذا يسقطنا في التعميم. أنا أرى أن كل نص راهن على ملامسة هذا السقف الجمالي الزئبقي هونص متميز سيظل موشوما على خد الكون، سواء كان شعر تفعيلة أم قصيدة نثر أم أي جنس آخر من الأجناس الأدبية

  تجارب الجيل الجديد من الشعراء هل تحمل الكثير من التفاؤل عبر النماذج المؤداة حتى الآن؟ وماذا أضاف الجيل الجديد لخارطة الشعر العربي المعاصر؟
• لا بد أن نظل متفائلين بشأن كل ولادة إبداعية على الأقل فهي الحبل السري الذي يربطنا برحم الإبداع حتى ولوعلى سبيل المقارنة، تجارب الجيل الجديد تنبئ بالخير وتراهن على الجودة والعطاء لكن هذا لا يمنع من وجود الغث إلى جانب السمين، وأعتقد أن المسؤولية تقع أيضا على النقاد الذين من واجبهم المتابعة البناءة،وإن كان التاريخ يتكلف بالجميع.
أما الإضافة، فيمكن أن نقول إنها تتمثل الكشف عن روح العصر وفي تعدد الرؤى للكون والوجود والإنسان في ظل هذه المتغيرات اللامتناهية...

  من حيث الكيف ما الأولويات الضرورية للإبداع الشعري، وهل تأتى اللغة في المقام الأول؟
• طبعا تأتي اللغة في المقام الأول فهي كما أشرت آنفا بوابتنا إلى عوالم التجربة الشعورية،بها تنكشف هذه الطاقات الداخلية،فلا يمكن أن نتحدث عن روعة النص، وإن كان صادرا عن صدق التجربة،إذا لم يحفل باللغة وسقطت من بين يديه في متاهات الرداءة.لكن ينبغي أن لا يفهم من هذا القول أنه دعوة إلى تقديس اللغة والاحتفاء بها دون غيرها من مكونات العملية الإبداعية
ولكن عليها أن تكون منسجمة مع الجمال الذي تعلنه القصيدة حتى في بساطتها، فالتجربة الرائعة لا بد لها من قالب أروع تسكب فيه
ولتحقق القصيدة فرادتها لا بد أن تمنح من منابع الجمال أينما كانت وتراهن على الإنساني والكوني.

  الوزن والقافية عنصران جماليان من عناصر القصيدة العربية على مر العصور، ولكننا نجد أغلب الشعراء يكتبون باسم الحداثة كتابات تتسم بالتحلل من القيود وفي مقدمتها الوزن والقافية، ماذا تقولين في ذلك؟
• أعتقد أنها مسألة اختيار وألفة لا أظن أن الوزن قد يحدث هذا التضييق بالحجم المروج له، صحيح قد تفرض عليك التفعيلة أحيانا بعض التوقف لكن في أغلب الحالات ينسجم النغم بالدفقة الشعورية فينسابان في نفس اللحظة دون أن تشعر بما يقيد حريتك.

أظن أن نظام التفعيلة قد خفف إلى حد كبير من وطأة قيود الوزن،
والقصيدة حينما يتناغم فيها ما يطرب الأذن ويمتع العين والنفس تزداد تألقا.

  كيف تولد القصيدة لديك، ومتى تحسين أن القصيدة التي أنجزتها قد أصبحت مكتملة؟
• قد تكون وليدة اللحظة وهذا قليل،ومرتبط بمدى قوة اللحظة الانفعالية، لكنها غالبا ما تختمر فتعلن عن رغبتها في الخروج إلى عالم البياض في اللحظة المناسبة، أحيانا تخرج دفعة واحدة وأخرى على مراحل متفرقة، لكن ليست متباعدة. أما أمر الإحساس بالاكتمال فهونسبي قد يكون حين تتبدد الطاقة الشعورية،وحين أقوم باللمسات الأخيرة للإخراج، قد أشعر به ولوفي نسبيته أحيانا لحظة اللقاء مع الجمهور

  هل على الشاعر أن يقعد ينتظر الإلهام حتى يأتي أم أن الشعر عمل متواصل ومتعب وكلما منحته منحك؟
• لا يمكن أن نقعد وننتظر شيئا حتى يأتي، صحيح أن الكلمة تسكننا والطاقة الداخلية موردنا،لكن الشعر يحتاج أيضا إلى الطاقة،إلى الغذاء،لا يتقرب إليك إلا إذا هرولت إليه.إن الأمر شبيه بمختبر علينا أن نلازمه ونمده بما يساعد على تفاعل كيمياء الشعر، إنه فضلا عن كونه استعدادا طبيعيا،جهد وعمل متواصل.

  ماذا يعني لك الشعر،هل هوحالة إبداعية تسيطر عليك أم هوشكل من أشكال التواصل مع المتلقي؟
• هوهذا وذاك،الحالة الإبداعية تفرض نفسها عليك،فتجدك سالكا سبيل القصيدة مقترفا الرحيل في مجاباتها السديمية،لكن هذا الرحيل يضع في طريقك هذا الآخر الذي لا يمكن أن تبدع دون وجوده،التواصل مع المتلقي شكل آخر من أشكال الطاقة التي تشحن بها القصيدة في الحضور وفي الغياب.

  كيف تصفين علاقة القارئ المغربي بالشعر؟
• القارئ المغربي متذوق رفيع للشعر،مسكون بالقصيدة،مواظب على متابعة جديد الإبداع وإن كانت أزمة القراءة قد وضعت ثقلها ليس فقط على المغرب ولكن أيضا على العالم العربي بسبب هيمنة ثقافة الصورة،وارتفاع وتيرة السرعة إلا أن هذا لا يمنع من وجود فئات واسعة مهتمة ووفية للديوان الشعري، كما أن المهرجانات المحتفية بالشعر والشعراء تلقى إقبالا واسعا من طرف الجمهور التواق إلى لحظة شعر تخرجه من ضوضاء المدينة.

  بعد مجموعتك الشعرية (حين يهب الماء) هل من جديد؟
• سوف يكون حوارك سباقا للإعلان عن المشروع الجديد الذي أشتغل عليه،بعد تيمة الماء التي حضرت في ديواني السابق بامتياز،تلازمني في العمل الجديد تيمة الضوء بكل تجلياتها وأبعادها لذلك فالعنوان المقترح لحد الآن هو"سدرة الضوء" أتمنى أن يروق القراء حال صدوره.

حيث تتضح معالم الأفكار وقسمات الدفقات الشعورية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى