السبت ١٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم توفيق الحاج

اللهم فاشهد

بعيدا عن تناول المقبلات الاخبارية الصباحية عمن يريد أن يهدم بيت عائلة مهجور، ليبني له خربوشه..!! وعن فتح اردوغان لدافوس..!!وعن توقع هدنة طويلة يوم الجمعة..!!

شدني قبل أيام حديث إذاعي لشيخ جليل يروي فيه قصة حدثت في زمن سيدنا موسى عليه السلام، حيث طلب قومه الغيث من ربهم كما نطلب الآن، فلم يستسقوا، فرجوا نبيهم أن يدعوه لعله يقبل منه، ففعل، لكن الله زادهم حرا وعطشا وجفافا، ولما كلم موسى من ربه عن السبب زال العجب، عندما بلغه أن هذا العقاب إنما لوجود عاص بينهم..!!

بقية الرواية يعرفها الجميع..

المهم أن الله عاقب امة بسبب عاص، فما بالكم، وبالنا بعقاب الله لأمة بسبب عصاة..!!

هذا البلاء الذي نحن فيه من حصار وقتل وتدمير منذ سنوات ربما يكون غضبا إلهيا على امة بكاملها لوجود عصاة فيها حللوا لأنفسهم ما حرم الله، وابتغوا بالحق باطلا وافسدوا في الأرض فانقسم العوام تحت سنابك ظلماتهم، ما بين مزايد ومنافق وخائف وصابر..!!

في زمننا هذا قد تجد أقواما أو جماعات ترسخت لديهم القناعات بأنهم وحدهم دون غيرهم على جادة الصواب، فمنهم من يعتقد أن قيادة الوطن خلقت له وخلق لها.. فهو الزعيم الملهم الذي خصه الله حصريا بهذه الأمة ليربض بفساده وإفساده مع مواليه على صدرها حتى الموت مورثا قيادته التاريخية المهلهلة العاجزة لأشباهه وإلى الابد..!!

ومنهم من لا يشك بأنه الهادي.. المهدي.. التقي النقي.. الذي لا يأتيه الباطل من فوق، ولا من تحت، وأن وحيه وجلال سلطانه فوق كل نقد، فأخطاءه كرامات وفتنه تمكين، وكل من لا يؤمن على نحنحته ويسير في ركابه عاص وباغ بلا جدال،

هؤلاء وأولئك يؤمنون فقط بما توارثوه من اجتهادات وطنية، وتأويلات ظنية ارتقت في يقينهم المريض مع الزمن إلى مرتبة القطعية، مع أنهم لو تبصروا بحق ما يرون أو يفعلون لوجدوا أنهم للعصيان والبهتان أقرب..!!

ومشكلة العاصي أو العصاة بيننا انهم كما الجمل لايرى عوجة رقبته، ربما لا يدرون أن الأنا أعمتهم، وزغللت الكراسي شهواتهم، فلم يتقوا الله فينا، فباعوا ونهبوا وافتروا ظلما وعدوانا تحت أعظم الشعارات وأطهرها..!!

لذا يعاقبنا الله بظلم من هم أظلم، لأننا صمتنا ونصمت عن الحق والحقيقة موالين كنا أم مرجفين..!!

أن الذي عشنا ونعيش من كابوس دموي ادعى لأن يتحسس كل امرئ منا وكل جماعة ما في البطن من عظام..!!،

وأن يسألوا أنفسهم في لحظة صدق مع الله والنفس التي خلق: ماذا فعلنا..؟!! وهل قربنا ذلك إلى الله شبرا أم أبعدنا عنه ميلا..؟!!

وهل جهرنا بالحق عند لزومه أو صمتنا مؤثرين السلامة في زمن لا أمن ولا أمان فيه والقوي عايب..؟!!

كيف بالله يغفر من لا يغفل ولا ينام لمن تاجر بدمنا ودموعنا أو لمن باع نفسه للشيطان الرجيم مقابل ملاليم..؟!!

وكيف بالله يغفر الرحمن الرحيم لمن قتل عامدا متعمدا روحا بريئة أو عذبها بحجة أو بأخرى مستغلا سوء الحال، ثم هرول ملبيا نداء التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..؟!!

أنا لا أنكر ظاهرة وجود عملاء يجب محاسبتهم بالقانون والقانون فقط مهما كانت الظروف، ولكني بالمقابل أستنكر كانسان وبشدة أن يذهب أبرياء ضحية لموقف ما أو رأي مخالف بهذه الحجة أو بغيرها.!!

وأنا مع كل الاحترام لا أصدق كل المتحدثين باسم وزارات الداخلية العربية، خاصة حين يتنصلون من جرائم قتل تحدث تحت أنوفهم..!!

فالمسئولية تقع على من يحمل أمانة صيانة رقاب الناس سواء كان هنية أم عباس..!!

أن انشغال العالم على مدى شهر بشمس الموت التي سطعت في شوارعنا لا يعني أن يبتلع الصمت ما يجري في ليلها..!!

لقد أسهبت الفضائيات والانترنت والتحليلات مشكورة في شرح تجليات انتصارنا العظيم..!!، ولكنها جبنت مع المؤسسات الحقوقية إلا من رحم ربه عن مجرد الاقتراب من هزيمة أخلاقية وإنسانية اقترفناها، ربما لأنها لا تريد أن تتشوه الصورة التي رسمتها للعالم بعناية، أو ألجمها الخوف..!!

كنت ولا زلت..، بل تعمق لدي الاعتقاد أن الله لم ولن يفرجها علينا إلا إذا افرجناها على أنفسنا..!!

والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..

فبعد الانتفاضة الأولى، وبرغم القافلة المثقلة بالدم والاعتقال لم يكن الله معنا، فوجدنا أنفسنا ببساطة نقبض ريح السنوات الطوال، لفساد زعاماتنا، ولما زرعنا من خطايا بحق أناس.. اتهمنا معظمهم بما ليس فيهم كيدا أو نكاية أو تصفية حساب..!! وكنا القاضي والجلاد، فحصدنا غضبا من الله ومن ذويهم بغضا وكراهية اشد مما لدى بني قريضة تجاه النبي ص..!!

كان يكفي أن يقوم حاسد أو حاقد باتهام جاره بالعمالة، فيختطف ويعذب حتى الموت بتسييح البرابيش على جسده أو بدق المسامير في قدميه..!! تاركا وراءه اعترافات ملفقة وعارا ظالما لا يمحي..!!

والخطايا هذه لها دور واضح في ولادة خطايا أكبر يدفع تمنها الابرياء الآن. ثم لم يكن الله معنا بعد أوسلوا، لأننا زهونا بالفتات، فافترينا وعربدنا، واغتصبنا، واعتقلنا، وعذبنا، وأكلنا الحقوق بالباطل..!!

ولم يكن معنا كذلك بعد الانتفاضة الثانية، لأننا لم نكن مع أنفسنا، وقضيتنا، ووصايا أجدادنا، بل تغلبت علينا شهواتنا وأجنداتنا وتفاهاتنا، ولم تكن الاتفاقات من القاهرة إلى مكة كافية لتعيدنا إلى جذورنا، فصحونا ذات ليل على مستنقع من الدم الأخوي، لنرى أن الوطن أصبح وطنين والكرسي كرسيين والحكومة حكومتين..!!

ثم داهمنا من هم أقوى منا وأظلم، بعد أن توعدونا بمحرقة وتوعدناهم بزلزلة، فقتلوا وأصابوا ودمروا كما التتار، ومع ذلك لملمنا جراحنا النازفة، وقلنا رب ضارة نافعة لعلنا ننتصر بها رجوعا إلى فلسطينيتنا الواحدة، لكننا ازددنا استكبارا، وعلونا تشاتما وتناطحا وتمزقا، وكل منا يكايد غريمه صائحا: الله معنا..!!

كيف يكون الله معنا.. ونحن لم نكن معه..؟!!

وكيف يتجرأ كل قابيل منا، أن يتضرع متبتلا، ويطلب رحمات ربه في المحنة، ولا تزال آثار الحناء على راحتيه من دم أخيه..!!

ترى كم كبيرة ارتكبنا، وكم كعبة هدمنا، وعلى كم جريمة صمتنا..؟!!

ترى كيف نقنع الآخرين بحقوقنا، ونحن نغتال حق الحياة للبعض بيننا..؟!!

وهل يحق لأي امرئ مهما كان أن يقدم الموت لأخيه بسهولة تدخين سيجارة أو شرب زجاجة عصير، ومن وراء ظهر القضاء..؟!!

ألهذا الحد فقدنا احترامنا لحياة غرسها الله ورعاها فقصفناها بلا مبالاة كعود حطب يابس في خربة مهملة..؟!!

أسئلة لم تتولد لدي من افتراء واتهام بالباطل، بل علمتها والناس من وكالة رويتر وغيرها من الجهات الإخبارية والحقوقية المحايدة..!!

أسئلة لا أخص بها أحدا أو لونا أو جهة بعينها وإنما ارشقها في وجه كل من تجرد من إنسانيته، ودا س خلقة الله بدون وجه حق...!!

ارشقها بلا مواربة في وجوهنا جميعا.. فكلنا مدانون.. وكلنا مشاركون آثمون أما بالفعل أو الصمت، ولسوف يدرك (الشيطان الأخرس) في كل منا الحساب لا محالة..!!

أعداد وأسماء وصور تمر من أمامي اختلطت حروفها وملامحها بدم طاهر تعددت فيها الروايات والأسباب لموت واحد، وفقد واحد لا، ولن تعوضه كل الاعتذارات أو الديات..!!

والله لا أكاد افرق بين نحيب أم فقدت ابنها تحت القصف وأخرى فقدته بنيران صديقة..!!

والله لا أكاد أميز بين حرمان طفل فقد أهله في ليلة مفسفرة وحرمان طفل فقد أبيه برصاصة غادرة..!!

والله لا أكاد أميز بين شاب طارت الشظايا بساعديه، وآخر حطت الهدايا في ركبتيه..!!

اللهم إنا نبرأ إليك ممن اختطف وعذب وقتل..!!

اللهم إنا نبرأ إليك من أولئك في جناحي الوطن على السواء، ولا تأخذنا بذنوبهم، ففينا الرضع والرتع والركع..!!

اللهم ارحمنا بمبادرة سخية تقرب النفوس الشقية، وتلين الرؤوس العصية، وتعيد إلينا وحدة الوطن والهم والهدف..!!

اللهم ألهمنا المؤآخاة الحقة من جديد، وامنحنا الشجاعة كي نعترف بخطايانا، لعل الصخرة التي تغلق باب نجاتنا تنفرج قليلا

واعف عنا يا الله فلا مجير ولا نصير إلا أنت..!!

اللهم إني قد بلغت..اللهم فاشهد..!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى