المؤلف له في السرد.. لبسمة بن سليمان
صدر مؤخرا عن دار خريّف للنشر- تونس دراسة جديدة للباحثة والناقدة التونسية بسمة بن سليمان حملت عنوان "المؤلف له في السرد.. من سخر الورقي إلى فتنة الرقمي".
انطلاقا من أمثلة متعددة قديمة وحديثة، تغوص الباحثة في عالم الحكاية السردية وتسبر أغوار تطوّرها من الشفوي إلى المكتوب فالرقمي وخصوصية كل مجال وآلياته.
وعن ذلك تقول بسمة بن سليمان: "القصص هي وسيلة لتحرير النّاس، ولكنّها أيضًا طريقة محتملة لقمعهم وفقًا لطبيعة القصّة ذاتها. والاختلاف على قصّة مّا قد يثير صراعات وخلافات بمجرّد روايتها، خصوصا حين تُقدّم حياة شخص على نحو مخالف تماما للتّوقّعات. وهذا ما يوضّح طبيعة العلاقة الّتي يسعى المؤلّف أن يبنيها مع "مؤلّف له"، وطبيعة الانزياحات الّتي قد تحدث في هذه العلاقة بما لا يتوقّعه المؤلّف ولا يخطّط له. وبهذا المعنى يمكن اعتبار أنّ كلاّ منّا مؤلّف وكلاّ منّا في سياقه اليوميّ مؤلّف له يقع توجيهه أو مغالطته أو إحداث الصّدمة لديه أو استعداؤه.
ولا مفرّ للمؤلّف وهو ينشئ السّرود من أن يمرّ بمعابر التّاريخ وأروقة المجتمع والسّياسة بشكل مخصوص. وقد يكون المؤلّف بطل كتابه أو شاهدًا على أحداث العالم ومعاينا لأوضاعه ومحصيا لأشيائه، وهذا ما يضع استقلاليّة الذّات عن العالم موضع سؤال. وهو في كلّ الأحوال يستهدف جمهورا معيّنا إمّا بطريقة مباشرة أو عبر وسائط يحسن توجيهها، وقد تفلت منه هذه الوسائط عندما تخاطب من لم يضعه في حسبانه.
وفي الكتاب حفر في المراحل الّتي مرّت بها هذه الوسائط، فالوسيط الورقيّ مرّ بمراحل عدّة، محافظا في مجال السّرد بالخصوص، على نصيب من سحره ورونقه، ذلك أنّ الرّواية الورقيّة مثلا، لها رونق قد لا يكون قابلا للتّراجع. أمّا المكتبات فقد حافظت على هيبتها وبذخها وسحرها، في أزمان متعاقبة. ولأنّ تأثير الكتب قويّ وفعلها في العقول لا خلاف حوله، فقد تعرّضت المخطوطات والمطبوعات إلى الإتلاف أو الحرق أو الإخفاء بذرائع دينيّة وأخلاقيّة وسياسيّة، للقضاء على روح الاختلاف وإحلال فكرة التّفوّق العرقي.
أمّا الوسيط الرّقمي فقد وجّه نظرتنا إلى العالم بتأثير من مجلوبات الثّورة الصّناعيّة الرّابعة كالكمبيوتر والهواتف الذكيّة، كما لو أنّ الكون المعيش هو ذلك الّذي نراه عبر الوسائط ومن خلال الصّورة، خصوصا وأنّ الإبحار في الشّبكة واستنطاق ملامح النّص والإفصاح عن خيارات الخلق لا يمكن فصله عن توجيه آليّ للخيال، أي ربطه بالاشتغال الرّقمي المعقّد للآلة. والتّقنيات الرّقميّة ترسم عالما ممكنا ما عاد العقل البشري حرّا في رسمه بطريقة طبيعيّة وفرديّة وفق أحلام يسعى إلى تحقيقها. إنّه عالم يُصنع من خلال الدّعامات في عمل مؤسّساتيّ تشاركيّ توجّهه منظومة متكاملة".