الجمعة ٢ أيار (مايو) ٢٠٠٨
حوار مع الشاعر محمد الفوز
بقلم حسين الجفال

المثقف في أوطاننا مشبوه ومتهم

المؤسسات الرسمية تموت ببطءٍ بسبب البيروقراطية

 أردنا أن نؤسس مناخاً إبداعياً مغايراً عن السائد
 الأندية الأدبية في المملكة فشلت في ردم الهوة بينها وبين المثقف
 الناقد العربي كاتب أحمق بل فاشل لأنه هدام وثرثار ويجلب الكآبة
محمد الفوز، شاعر وجد ذاته في الشعر رغم تعدد مواهبه في دروب أدبية وفنية عديدة، هرب من التشكيل والخط إلى القصة ثم عاد للشعر الذي يراه مصدرا يمد روحه بالسحر والجمال، متوتر من المجهول ويبحث عن غدٍ محتمل، أسس مع زملاء له ( ملتقى الوعد الثقافي ) وقاد جماعة الشعر في أدبي الشرقية بنجاح، عمل في الصحافة منذ زمن طويل، ديوانه المرتقب ملحمة كبيرة ( ليل القرامطة ) يأخذ طريقها للنشر قريبا، إليكموه..

  محمد الفوز، بدأت قاصا وتحولت للشعر وكان لك حضورا إعلاميا أيضا، إلى أين تركن روحك ؟
 المبدع كائنٌ نزقٌ يتماهى في كُل شيء من حوله، بعض الرهانات خاسرة، والتعدد في الاتجاه مثارُ العزلة، لقد بدأتُ تشكيليا وخطاطا كأولِ عبثٍ أبرهنُ من خلاله وجودي أو بالأحرى اكتشافُني للآخر وهو تحريضٌ على الدهشة التي تتجاوزُ المكانَ إلى أبعاد واهمةٍ لا تنكفئ، ثم كتبتُ القصة ومارستُ ارتجالَ الحكايا والشعر الشعبي، ولم أجدْ ذاتي إلا في الشعر حيثُ تورطتُ به مع أولِ ارتعاشةٍ في جسدي بالمراهقةِ الأولى طبعا، لمْ ينبشُ أحاسيسي المرتبكة آنذاك إلا الشعر ..... وحده طاقة سحرية تشد الروح من أقصى الخفقان ؛ أما روحي الآن ؟!!!
أكادُ أهتك ستر القلق الذي يختطفني كل لحظة من مباهج المدن وتيار الحداثة/ أشتغل كثيرا، ولدي خبرة جيدة على المستويين المعرفي والابداعي لكنني متوتر من المجهول/الغد المحتمل هو شماعة آلامي وقيامة اللعنات التي أخلعها برهافةِ النوايا .

  تجربتك الشعرية بها من النضج الكثير، لماذا لم يصافح المتلقي ديوانك بعد؟
 أمارسُ الكتابة الشعرية بوعي مغاير، أدركُ –تماما- أن اللحظة سريعة الالتقاط والتحول معا، لذلكَ أحتاجُ للانعتاق من المفردةِ والتجلي في مخيالٍ محض لذلكَ أنأى عن الشعر وأقترب/بلا موعدٍ وبلا صُدفةٍ أيضا، أودُّ التخفف من وطأةِ الزمن للتماس مع ذاتي التي أخونُها كثيرا بالأرق/ الأرق هو ما يحتلني، لا أودُّ الكتابة المصطنعة أو المنسابة إنما أسلوبي هو الكتابة في منتصف الهذيان/ وفي منتصف الوعي لأكونَ هادئا بوجعِ النبيذ وغارقا بسؤال اللغة ..... أما ديواني، فأظنه سيكونُ انتحاري إنْ لم يخرج مني بين يدي مفتونا بحريته التي ضاقتْ بي كما ضِقتُ بها .

 جئت من الأحساء وسكنت الخبر وأقمت حتى ظن الجميع انك مغترب عنها، كيف تقيم المشهد الأحسائي الطارد لكل ما هو حداثي في ضوء ولادة نادي يضم شتات المثقفين رغم تباين ثقافاتهم؟
 الأحساء كأيِّ ريفٍ لا يحظى بالتعدد والاختلاف، عشتُ بالأحساء طفولتي الأولى وكانتْ روحي محلقة/كنتُ أحلمُ، والأحلامُ جريمة –هناك- إنْ لم تكن مُباركةً من رجالِ الدين، الشيوخ أفسدوا الأحساء، وأهانوا كل جميلٍ فيها بخلافاتهم وقمعهم لاختلاف الآخر، الحرية مفقودة، والوعي يتشكل بصمتٍ، لذلكَ لم أستطع التعايش كثيرا مع الفوبيا واللغط الاجتماعي والتوتر الطائفي وما إلى ذلك من سياقات التشتت التي كانتْ تسود الأحساء آنذاك، رغم أني عشتُ آخر منعطفات التحول الحضاري في الثمانيات إلا أنني أعترفُ بعُمقِ التجربة ومتناقضاتها جعلتني أكونُ واعيا بحجم الرهان الثقافي الذي أراهُ مشوها في الآونة الأخيرة، رغم ولادةِ "نادي الأحساء الثقافي" الذي أظنه سيكونُ هدَّاما لرؤى الحداثة المنكوبة بفِعلِ الأحادية في التلقي، هناكَ نُخبة ثقافية ولكنها لم تؤثر شيئا في مشهد الفكر إزاء التمترس الديني الذي يسحق كُلَّ اختلافٍ أ وتصادمٍ على مستوى النظرية والحراك الثقافي أيضا، رجل الدين هو قالبُ الحياة هناك، وهذا سببٌ كبير في طرد المثقفين الجادين إن لم أقل هروبهم بحثا عن حريةٍ مستلبة وواقعٍ مدني يصقلُ الإنسانَ الوثني الذي يسكننا .....

  أسست مع الأصدقاء ( ملتقى الوعد الثقافي ) وكان المنتدى الأبرز من حيث التنوع والحضور في العامين الماضيين على مستوى المنطقة، على ماذا تراهنون في المشهد الثقافي المحلي؟
 ملتقى الوعد الثقافي كانَ حلما وما يزالُ حلما غاويا، بلا أيدلوجيا استشرفنا المشهد الثقافي السعودي وبحساسيةٍ عالية أردنا أن نؤسسَ مناخا إبداعيا مغايرا عن السائد/ أنْ نكسِرَ حدةَ الفوبيا بين المثقفين والمثقفات، أنْ نُعيد تشكيل الجيل الشاب برؤى منفتحةٍ على الآخر، وأنْ نُزجي حِسَّا هادئا عفويا على الساحة التي تئنُّ تحتَ وطأة التعالي والغرور، ثمةَ مسافة ودِّ استطعنا خلقها بلا وصايا، وكانتْ رهاناتُنا مرتبكة أو حالمة بمعنى آخر، والآن بوعي لا تنقصه الخبرة أستطيع أن أراهنَ على قدراتِ الجيل المعاصر الذي اختزلَ ثقافة النت وتحولات الحياة في نصٍ قابلٍ للسمو/ المثقف الحديث يتلقى بسرعةٍ ويتفاعلُ بسرعةٍ ويفنى بسرعةٍ في لحظة الكتابة، الكتابة ليست مصيرا أ وقدرا للمثقف إنما أداة تعبير تزفُّ الوعي للقارئ، وحينما يتماهى الوعي بين رؤيتين مختلفتين –بالضرورة- تكونُ القيمة أكثر جدوى في حوارٍ يُسيِّره الإبداع لأجل الإبداع ومهما تكن النزعة مثاليا إلا أنها تركت وشما في الذاكرة، والرؤى تنم وفي ذواتٍ خصبةٍ لا يقمعها الخوف/السلطة .

 خرجتم من إقامة الفعاليات محليا وانطلقتم في عمان كتجربة أولى على مستوى الوطن العربي ثم توجتم ذلك الشهر الماضي بأسبوع ناجح بالبحرين، كيف تقيمون مردود ذلك ثقافيا على الساحة السعودية؟
 نحن نتوجس كثيرا من المشهد المحلي الذي لا يثق بمنجزه ويتكل في ألقه على ثقافة الآخر، كانت فعالياتنا في "مسقط" و"البحرين" محاولة لترسيخ مفاهيم الوعي المشترك وتجاوز حساسية المنجز كما أننا نختبر قيمة النص من خلال مستويات التلقي التي تحيلنا إلى المجاهرة أكثر بنصوصنا وتوطيد التواصل مع باقي الدول العربية التي نقف على أبوابها بحيرةٍ فائضة، لابد أن نكون جادين في عطاءاتنا وألا ننتظر الآخر حتى يقف لدينا بنصف أثر بل علينا أن نتبادل المعرفة، وهذه الخطوة بادرةٌ واعية من "ملتقى الوعد الثقافي" كأول ملتقى أهلي عربي يتجه بوفدٍ متعددِ الخبرات والإبداعات لإقامةِ فعالياتٍ مشتركة تُضيءُ المشهد السعودي، ويُعيدُ وهج المثقف السعودي وتُفرز للساحةِ أسماءً جديدةً تُغربل الوجع وتفتحُ أفقا رحبا لحريةِ الكلمة، كما توجه صفعة ً محترمة للمؤسسات الثقافية الرسمية التي تموتُ ببطءٍ بسبب البيروقراطية أ ولأكن صريحا بسبب تسييس الثقافة وارتهان المثقف العاجز إداريا إلى كُرسيِّ بليدٍ لا يقوى على الفِعلِ/التأثير في مجريات الواقع .

 بصفتك منسق النشاط الشعري في أدبي الشرقية، كيف تقيم الأنشطة المقامة في الأندية، أليس الأسماء تكرر نفسها ؟ مع العلم أن هناك اتهام يقول أن العلاقات بين الأصدقاء تكرس الأسماء، بمعنى ( شيلني وأشيلك)؟
 الأنشطة جيدة ومتنوعة، ولكنها كلاسيكية ولا تبني جيلا ثقافيا يتصدى للمستقبل، أنا ضدّ النشاط التقليدي الذي يعتمد على المنبرية والخطاب، إذا لم تتحول الفعاليات في النادي إلى أشبه بالطقوس أ وبالممارسات الناقدة لذهنية المثقف وإعادة تأسيس دوره في المجتمع أظن بأننا نُعيد ذواتنا في ملامحَ بائسة ؛ أي تتغير الوجوه والقيمة واحدة، أما الشللية فلابُدَّ منها مادمنا نتكئُ على بروتوكولاتٍ مؤسساتية لا تضعنا أمام خياراتنا وبالتالي ثمة حُريةٌ ناقصة، ولكن إنْ استعرضنا تجربة أدبي الشرقية في العهد الجديد فإنَّ معالم التغيير واضحة ومتجلية عموما، وكما يقول الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس «كل شيء يجري، فأنت لا تغتسل في نفس النهر مرتين» .

 محمد الفوز أنت قارئ جيد بحسب تتبعي لما تنشر وتكتب في النت والصحف، كيف ترى هذا الإسهال المهيب في هطول الرواية السعودية ؟ وهل هو جانب صحي يؤدي بالضرورة للفرز بين الجيد والرديء ويبقي هذا ويطمس ذاك؟
 الرواية المحلية تتدفق بشكلٍ جميلٍ، ولستُ مع الإسهال إلا أننا في مرحلة ماقبل الرواية إن صحَّ التعبير، إذا كانتْ الرواية أنتجتْ جيلا قارئا، وأسستْ لحريةٍ مدنية فإنها ضمنْ اشتراطات الحداثة التي تفترض احتمالاتٍ عدة وتبثها في صيغة أسئلة أو مفاهيم صادمة تجتذب المفكر أو المتلقي للإجابة عنها أو النقاش فيها، الرواية أحدثتْ صدمة اجتماعية فيما تطرحه من أفكارٍ مستلبة وقيمٍ مستورةٍ ونبشِ للمسكوت عنه، الاقتراب من التاب وفي الرواية المحلية ه واتجاه للحرية، وقطع الاغلال، والتمرين على نقد الذات في العلن وإعادة تكوين العادات التي استمرأنا وجودها رغما عن التحول الاجتماعي في عصر التكنولوجيا وقيامة الأسطورة من جديدة، كل هذه العوامل يجب أنْ تكونَ حافزا أكبر للكتابة والتمرد على الخيبة .

  سؤال يطرحه المثقفون دائما، لماذا يعزف الناس عن طبع كتبهم في الأندية، اهو الإخراج ؟ أم التوزيع ؟ أم أمور تخفى على الكتاب؟ ما ه ورأيك؟ مع التنويه أن أدبي الشرقية وهب كتاب الأحساء باكورة الكتب التي طبعها في مجملها ؟
 الأندية الأدبية في المملكة فشلتْ إلى حدِّ ما في ردم الهوة بينها وبين المثقفين إجمالا، لايوجد نادي أدبي بالمملكة استطاع لَمَّ الشتات، أسبابٌ كثيرة تدع وللمراجعة والإفصاح عما ينبغي فِعله وتجذيره في الوسط الثقافي، وبالنسبة لعزوف الناس عن الطباعة يعود لعدم الجدية في تسويق الكتب بالفترة الماضية إلا أنَّ تجديد مجالس إدارة الأندية الأدبية وإعلان وزارة الثقافة والإعلام عن لائحة تنظيمية جديدة لإدارات الأندية الأدبية هو ما سوف يغربل المشهد ويختبر صلاحيته أيضا، أما باكورة إصدارات أدبي الشرقية جاء من نصيب الأحسائيين فه ومصادفة جميلة وليسَ تحيزا .

  ما الذي يؤرق محمد الفوز كمثقف ؟
 ثمة مقولة للروائي الروسي ليوتوليستوي "المفكرين الأحرار هم أولئك المستعدون لاستعمال عقولهم بدون حكم مسبق، وبدون خوف، لفهم الأِشياء" وهو يتناص مع غاستون باشلار في مسألة عدم الحذر في استقبال المعرفة أو إعلانها، كنتُ أتصفح كتاب (دوائر الخوف) لنصر حامد أب وزيد وقد أرقني حظر الحرية وقمع المفكر وإبعادِه عن زوجته ووطنه، أيُّ ثقافةٍ وأيُّ إبداعٍ ندعيه والفكرةُ نُمارسها بالتورية والغموض، أعتقد أن سبب الغموض في الإبداع العربي هو الخوف من الرقيب، هناكَ رقابة مزدوجة وإحساس مزدوج في عقليتنا وحياتنا معا، وأتذكر حديث الروائي السعودي أحمد بودهمان حول إصدار رواية "الحزام" باللغة الفرنسية ثم ترجمتها للعربية إنه تحدث بشهقةٍ عن أفول الحرية وعدم احترام العقل المبدع، بعكس الغرب الذي يحتفي بالكتب الجادة ويضع المثقف في مرتبة عالية، المثقف في أوطاننا مشبوه ومتهم وغير معترف بقدراته، بل ومضطهد، هكذا نعيشُ بإرادةٍ ناقصةٍ، والمشكل الأكبر هو أنَّ المثقف عندما يتولى منصبا في مؤسسةٍ ثقافية أوغيرها يكونُ أقسى على الآخرين من غيره، بمعنى يتحول الاستبداد إلى حالة مرضية كاستعادة الكرامة أ ولنقل لإثبات الذات ولذلك تتفشى لدينا مركزية العمل، وجفوة القرار، مايؤرقني هو ألا نجد للشباب متسعا، الكبار استغلوا كل شيء في مجتمعنا، إذا لم تَكُنْ كهلا ولم تُداهمكَ الشيخوخة فانتظرْ نصيبكَ في زمنٍ ما، وفي حُلمٍ آخر، للأسف أننا نتربى على قيمٍ جاهلية، ولا نتطور بل أننا نُحاصر كُلَّ دُعاةِ التغيير، وهذه عقلية جماعية تتصف بالبطش والغباء المادي لا أكثر .

 كيف ترى متابعة النقاد للمنجز الإبداعي في المملكة، ولماذا يؤكد الكتاب ان بينهم وبين النقاد مسافة كبيرة، هل الناقد إنسان فوقي؟
 بالتأكيد، الناقد العربي كاتبٌ أحمق بل فاشل لأنه هدَّامٌ وثرثارٌ يجلبُ الكآبة والغثيان وهذه ظاهرةٌ محليةُ وعربية، ولكل ظاهرة قلائلٌ حريصونَ على الحُلمِ كما يُشير سارتر " الإنسان خُلق ليقضي على الإنسان في داخله، وليفتح روحه لجسد الليل المظلم"، ومهما يكُن فالنقدُ مثل المراجيح التي تعبثُ بأفياء المكان، للنقدِ اشتراطاته وجنونه أيضا، وسيظل النقد العدو اللدود لكل النصوص المغايرة وهو العدو/الحميم الذي ألفناه رغم ضغينةٍ خابية وفرحٍ مخاتلٍ أحيانا ..........

المؤسسات الرسمية تموت ببطءٍ بسبب البيروقراطية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى