الأحد ٤ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم عزيز العرباوي

المسرح والدعوة إلى التجديد«5»

التأليف المسرحي:

الكتابة تهدف إلى تحقيق هدف ما وتحاول الرجوع إليه. أي منه وإليه. ويقال: من ألف فقد استهدف. فهي عمل يسعى إلى تجاوز كل الأفكار الجاهزة والتميز عليها. كما أنه عمل ينتصر على الكاتب وصاحب الفكرة المكتوبة من حيث الأسلوب والموضوع والشكل. إذن، فالكتابة إبداع يفوق الذات الكاتبة ويفوق الفكرة الجاهزة والمسلمات عند أغلب الناس.

والكتابة هي أكبر من الكل. وبذلك يصبح الكاتب والمؤلف مجرد نموذج ثقافي يبحث عن قراء يتصفون بصفات متنوعة يتعاطون مع إبداعه وكتاباته بأساليب شتى في عملية القراءة. ولذلك لا يمكن للمؤلف أو الكاتب أنيسقط في فخ المباشرة والسطحية أمام قرائه ومتتبعيه.

إن الكتابة عمل انتقائي يأخذ من الذاكرة المختزنة للفكر والموقف. ولذلك فكل كتابة تنحو نحو التسطيح والرداءة في ممارستها تصبح كتابة مبتذلة. والمسرح كذلك تأليفا وتمثيلا لا يمكنه أن يبحث عن التسطيح والابتذال لكي يجذب الجمهور والمتتبعين، وإلا فهو مجرد فعل فني وثقافي لا قيمة له إذا ما خرج عن هذه الأمور وذهب إلى البحث عن المادي والسطحي لكي يستمر ويعيش في مجتمع أمي يلتقط السلبي أكثر من الإيجابي ويتشبع به ثقافيا.

فالمسرح فن يختصر كل الحياة، وكل التاريخ الإنساني، ويقدم إبداعا مفعما بالعديد من الآلام والهموم والأحلام والأهداف المرتقب تحقيقها داخل مجتمع مثقف. ولذلك يجب على الكاتب المسرحي أن يعتمد نظرة متماسكة إلى التاريخ والعادات والقيم والإنسان. فالمسرح هو مجموعة من القيم الفنية والثقافية التي تشكل هوية فكرية وثقافية جديدة، ولذلك يفترض في الكاتب المسرحي أن يضع نصب عينيه هذه النظرة لإبداع نصوص مسرحية متميزة تجلب المشاهد والقارئ معا.

إن المسرح تجربة خاصة وعامة في آن معا. خاصة بالكاتب عندما يحاول استغلال قناعاته الفكرية والسياسية في إبداع نصوص مسرحية، وعامة عندما يستلهم عادات وقيم وتاريخ مجتمعه ووطنه والعالم كله خلال عملية الكتابة. وهذا ما يخلق قراءة وجمهورا كبيرا يرفع من شأن الإبداع المسرحي الحقيقي الذي يبتعد عن الابتذال والتسطيح والرداءة.

إن المسرح هو تلك المعركة الثقافية والسياسية بين أغلب الاتجاهات والحساسيات في مجال الإبداع المسرحي، لأنها معركة فكرية تستلهم كل المواقف الفكرية والسياسية والثقافية عند المبدعين. فأغلب المسرحيات التي اتفق النقاد على تميزها تطرح هذه الأمور والقضايا وتعالجها فنيا. ويقترن ظهورها وتأليفها بمثل هذه القناعات والمواقف المذكورة.

نكاد نجزم أن هناك غيابا تاما للكتابة المسرحية في عالمنا العربي، بحيث يمكننا أن نجزم أيضا أن غياب الكاتب المسرحي العربي المتخصص واضح للعيان. فأغلب الذين يتعاطون مع المسرح في العالم العربي يتجهون نحو الترجمة أو إلى الاقتباس من نصوص غربية أو غير غربية تركت بصمات واضحة في المسرح العالمي. ويقول الكاتب والمسرحي العراقي فاضل خلف:) إن من أهم أسباب غياب النص العربي، تكمن في صعوبة الكتابة للمسرح، وأن أغلب الذين مارسوا الكتابة له انطلقوا من وهم: أن المسرحية ليست أكثر من حوار –ديالوج- بين اثنين من الممثلين، وأن المسرح لا يعدو أكثر من وسيلة للتسلية.... إن غياب هذا النوع من النصوص جعل المخرجين يبحثون عن البدائل لغياب النص الذي يطمحون إليه، فلجأوا إلى الإعداد والاقتباس والترجمة عن النص الأجنبي.

إن عدم الاهتمام بالتأليف المسرح العربي والاعتماد على الترجمة والاقتباس هو الذي يقف حجر عثرة أمام التجديد المسرحي العربي عموما والرفع من وتيرة الإنتاج المسرحي كتابة وتمثيلا وإخراجا .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى