المشبوح والسياسة
شمس منتصف النهار دافئة، تاركة للظلال وحشة التمدد، تقيس خاصرة المدينة المحاصرة بالعتمة والمسيجة بالأشواك، مدينة يحرسها الذئاب والغرباء والأبقين القادمين من أراضي الجوع والقحط والدم والدود والصديد،تسللوا من الثقوب والشقوق، انتصبوا لصوصا يقيمون الحد على الشرفاء، شيوخ يفترشون الإسفلت على مقربة من الشارع الكبير، يعيدون قراءة أحلامهم المجهضة آلاف المرات، الباعة يلتهمون الأرصفة عسفا، ترتفع بين الفينة واخزي كلمات نابية، راجلون يخوضون معارك في الهواء، على مقربة من نصب تمثال البغلين الفاحمين، لوحات مضمخة بشعارات فضفاضة عن النزاهة والشفافية والديمقراطية، لوحة مزخرفة تحث الناخبين على التصويت بكثافة طمعا في وطن يتسع للجميع، صور كبيرة مسندة على جنبات المنصة في وضعيات مختلفة، المشبوح منتصب القامة، يرفع شارة النصر، مبتسما، قميص ابيض وبدلة زرقاء، صف من الكراسي السوداء الوثيرة لاستقبال الضيوف فوق المنصة المزينة بالأعلام والأضواء البراقة المعدة سلفا لتلقي الخطاب/ المفتاح لتنط من القبو إلى الضوء والضياء، تهرب من أنفاس النيران وعيون الرصد التي تجلد الأضلع المنخورة، ترحل من واحة الرجم إلى أحياء لا يعرفون من تكون وما تكون، في المخيلة تكبر المخاوف والأسئلة الحرجة، عامة الناس لن يقبلوا لوطيا بينهم يمثلهم في مؤسسات الشعب حتى لا تطاردهم القفاشات والتقريع في الجلسات الخاصة،الشوارع مليئة بالنفايات والغبار والمتشردين وقطاع الطرق، سماسرة وتجار الذمم حربائيون يجتهدون ويبتكرون انجع الوسائل لقنص الضحايا، الطيور على أشكالها تقع حكمة تصلح لكل زمان ومكان، في زقاق جانبي اعترض طريقك احد الشباب المليء بالاوشام و الندوب، سحب من جيبه مئات بطائق الناخبين، مائتي درهم للبطاقة الواحدة، اقسم بأغلظ الإيمان إن وقع الاتفاق سيصوتون لرمز الضبع، انه يضمن ذلك، أصابك رشاش اللعاب من الفم الفارغ من الأسنان، طافت في المخيلة آلاف الصور القاتمة المتدلية من أهداب التجارب السابقة، تساءلت إن كان هؤلاء بشرا أم قطيعا اغلق عليهم في حظيرة مملوكة، تنصلت بلباقة وبعبارات مؤدبة ورقيقة مضادة لتأكسد التفاهم العصي المنزلق إلى التشنج، عبارات تتمترس في جوفها مشاعر متضاربة الأهداف، أخدت رقم الهاتف ووعدته خيرا، نأيت بالجسد الموشوم بالتجاعيد عن النقاشات العقيمة، التنميق لا يدغدغ الصخور الصماء، فطن للمقلب وصرخ عاليا.
ما دافعتي حتى على مؤخرتك... عاد تدافع على المواطن -عطيه وربي شاهد عليه -
سقطت منك بغثة جعبة الكلام، وتلعثم اللسان في رد الشتيمة بأقبح منها، ثمة خلل في التوقيت، تتعرى في عرس الكلاب المسعورة والفم مفعم بالشهقات وخطوات الوجع تسبقك إلى منتجع الدفئ حيث قناص يحتضن بندقية على تخوم الانتصاب، تحصي بعد الابتعاد كدمات حجارة القذف على الوجه المثخن بالأصباغ، صعب أن تحلق فوق الغيوم، وتبعد عن الحلم ظلال الخطر، تلود بالصمت المطبق، جلست في السيارة الفارهة تهذي وتمضغ الصفعة، تتجمد الظلال ويغرق العالم في جسد الشيطان، يتصلب الهواء وتبحث لاهثا عن متنفس،تظلم الدنيا من حولك لهنيهات وتوقظ بدون إنذار مارد العشق اللئيم دونه لن تثمر سنابل الارتياح وتغربل شوائب الروح من النرفزة، عيون لئيمة اشتعل فيها قنديل الفضول تفترس الأشلاء شلوا، شلوا، يتلألأ الكلام النابي في شفتين سوداء تقبض بقوة على لفافة حشيش يتصاعد الدخان في الهواء، تخترق الجدران والإسفلت، تهرب بالنظرات إلى الأفق البعيد، تلبس قناع الصبر والتماسك واللامبالاة حتى لا تظهر نقط الضعف للآخرين، تحوقل وتبسمل من شر الحاسدين،الحاقدين، الناقمين، سخافات الأمس لا تنوي الرحيل و الوجع القديم حاضر في المخيلات، الشتيمة القاسية تطن في الأذن وتضمحل قوافل الأمل في الظفر بمقعد في المجلس، الاتباع يخنقون الضحكات خوفا من قطع المصروف اليومي، الشيء واللاشيء متشابهان في الانتخابات، والأفق مند الأزل مشدود بين الخير والشر، تحاول جاهدا إدراك كنه الوجود وماهية الكائنات التي تعيش بين الناس وتحمل كل هذا الكره، طمرت السقطة وقاومت الشتيمة وتأبطت لسانا مفجوعا، ذنبك الوحيد انك متحدر من سلالة مملكة سدوم، لم يبق أمامك سوى السراب وتباشير الهزيمة، لكنك تعاند ولا تستسلم لن تموت غرقا في بحيرات الوطن المقدس، ما زال في الجراب مفتاح الأبواب للقلوب والعقول،رنين الدراهم والموائد الدسمة تطير شخير التردد وتلين المواقف،البطنة تذهب الفطنة، شراء الذمم تضيع العناوين وتلجم العابثين وتمهد للفاقد بوصلة الثقة في الخيارات السياسية الطريق نحو إفساد اكثر للعرس الانتخابي،ترى من سماه العرس الانتخابي بدل العرس الديمقراطي، أليس لوذعيا نبيها ثاقب النظر يقرأ ما وراء الأفئدة، أليس في التسمية شتيمة وإحالة على الهرج والضجيج والابتسار، فالعرس في الفهم العام يعني موسيقى وخمر ورقص وموائد دسمة وتحرش جنسي ومطاردات وعراكات، بانتهاء العرس يرحل كل إلى حال سبيله ولا تبقى سوى الذكريات...، أما العرس الديمقراطي يعني التطبيق السليم لإرادة الشعب بالاحتكام إلى الصناديق دون تدخل من الأجهزة السرية، ومحاسبة ومسائلة ممثلي الشعب عند انتهاء الولاية التشريعية وتقييم ما قدموا للذي ائتمنهم على مصالحه وحاضره ومستقبله، توطين الديمقراطية الحقيقية لا يحتاج إلى البهرجة والصراعات والتجييش والإنفاق بغير حساب على مشروع سياسي فاشل ينتج الضحالة ويعيد نفس الأسماء الفاسدة وأولادهم وأحفادهم إلى المسؤولية التعاقدية الملتبسة… الناخب في الوطن المسلوب لم يعد يكترث للعملية المميعة من الأساس.
المشبوح دجاجة منفوشة الريش في مدينة عاهرة والزمان غريب، لم يبق لك سوى البكاء على الرصيف والهلع يسري في المفاصل، أينما تحل وترتحل تطاردك لعنات الولاية السابقة، تجلدك صولات وجولات ما تحت الحزام، ولحظات شبق تطفئ لهيب خلايا تنشوي على سكة الانتظار،أسماء كثيرة تحكي قصة الانحراف الشقي في عوالم الشذوذ، خمسون عاما تستدرج الشبان الغارقين في البطالة ليشعلوا فيك المناطق اليباب والموات، بوشعيرات الوسيم نظيف المحيا، رياضي في رفع الاثقال، حاصل على شهادة جامعية تقطعت به السبل، طرق أبواب كثيرة من اجل شغل يضمن العيش الكريم، في الوطن لتحصل على الوظيف تحتاج إلى شفيع ودفع مبالغ مالية للسماسرة وتجار المناصب، رمقته مرة يدخل مؤسسة الشعب محملا بملف، في الدماء سرت قشعريرة، يسيل اللعاب، صرخات متقطعة تزف بشرى حفلة إيلاج تسرج من الدم زغاريد الفرح، اعترضت سبيل العابر في تجاعيد التيهان، لبست ثوب ممثل الشعب الخدوم، عيناك تسقط على مستودع الأسرار، بحاجة لإشباع الرغبة والمعصية، بالمخيلة تردد في لوعة الله اكبر … الله اكبر… الله اكبر، تكبيرات تصنع تعويذة تحمي من شر الحساد،تدور في حلقات مفرغة مند الصبا بين القوسين بدون معنى، مطاردا فورة الالتحام بين ألأنا وألانت ألهو.
– رمرحبا... مرحبا اشنو خص لولد حومتي
– رجيت نحط ملف لشي خدمة
– الخدمة خصها وخصها... راك عارف
– الله غالب
– أنا موجود
الاشتهاء واسع والطريق لمرتع النشوة والليالي الملاح صعب المنال، والجرح السرجي لم يندمل بعد، يحتاج إلى أمصال يومية، التلميحات ازدادت في الجلسة الأولى، بوشعيرات يتفهم الإيحاءات الجنسية والدعوات المبطنة لركوب جندول المعاصي، سمع كثيرا عن مغامراتك المقززة في المدرسة ووسط جمهرة مقرئي المقابر، سمع عن جبيلو العسكري الهارب من الجندية الذي احتضنك في سجن مكناس حين قبض عليك بتهم انتحال صفة، حولك إلى وعاء للتفريغ ومنع عنك تحرش باقي المساجين، سمع عن الحداد والسالبة وغيرهم من قناصي المنحرفين في المدينة التي تنتقل فيها الأخبار بسرعة البرق، في السيارة المهترئة ظللت تهذي ترتب الفوضى، تدخل من نقاش إلى نقاش، تحلل ولا تحرم، تضع اليد على فخد بوشعيرات تقيس ردة الفعل، تقبض على الثعبان الرابض في الخميلة، تزداد عمليات الدعك والفرك، لا وقت للتفكير في الثواب والعقاب ولعبة الربح والخسارة والقدر والمجهول، المشبوح قناص محترف، متمرس، يثقن صنعة الاستمالة،خمسون عاما يشعل الحرائق في الدماء، تتبدل موازين التلميحات وتتضح النوايا، لم يتبق أية خيارات سوى القبول أو الرفض، الشغل مضمون بقوة النهل من المحرم والدخول في كهوف الفراغ والاستمتاع بالرحلة القصيرة، رحلة قصيرة في دهاليز الكبائر كفيلة بتحقيق الأماني المستعصية، يسري في الحوباء صوت أشبه بالصدى لا يسمعه احد، هي ذي سفرية العدم نحو الوجود،ألقيت على المسامع عشرات القصص والأحاجي، حكيت عن المتزوجة التي ضبطها الزوج في الفراش مع العشيق القوا عليهما القبض وفي المحكمة تنازل عن حقوقه أمام اندهاش واستغراب الأهل والأصدقاء والجيران، الزوج ديوث ابن ديوث ولكنك اعتبرت الزوجة الزانية ضحية الإهمال وغياب الإشباع الجنسي، ظللت طوال الليل تلقي بالمستملحات وزلات الآخرين والكبائر التي لم تعد ذات قيمة، ما يهم الإنسان ما يكسبه وقيمته في المجتمع المادي،ما فائدة الكرامة والأخلاق بدون دراهم في الجيب، شباب كثر شاخوا بنزيف الأمنيات، فضلوا الموت في عرض البحر على الجلوس على ناصية الخراب والدمار، دروس الوعظ والإرشاد أزاحت غشاوة العبوس وأذابت ركام التردد من الجمجمة واختفى الدوران بين التعجب والسؤال، الظلام يشرب الضياء وقنينة الخمر الفاخرة تفك عقدة اللسان، أكل الضيف حتى الشبع أسياخ اللحم و قضم لحم دجاجات محمرة تسيل اللعاب،ارتديت فستانا شفافا ووضعت شعرا مستعارا ورقصت على أنغام الموسيقى الصاخبة بجنون، جسد ذكر في جسد أنثى داعرة، راقصة محترفة في عرس لا ينتهي، الفم مغسول بأحمر الشفاه والأيادي مشرعة تغربل الهواء، دعوته للرقص فاستجاب، اللحم يحتك باللحم سافرتما في رحلة دافئة لا تنتهي، صوت الآهات يتحاكى مع المد والجزر، الانتشاء يبلغ ذروته مع مخاض ولادة الفرح، اختفت من على الوجه علامات الحزن والتذمر، تغيرت الرؤية في العيون،لديك الآن أنا أخرى منشرحة الأسارير، المشبوح مولع بالفتوات وبالجديد
– سي احماد عصيت معاك الله… دير معايا اللازم
– صافي ذاك الملف مقضي... حسب راسك موظف
– على الله...راه طيبا الشوماج
توجهت إلى اقرب مسجد، توضأت وصليت ركعات طلبا للتوبة والمغفرة نفحت إمام المسجد بضعة أوراق، أمطرك بالدعوات أمام حشد من المصلين، لا يهم من تكون الأهم قيمة ما تدفع لتحصل على التلميع المناسب، مشيت في الجنازات قرأت بضعة آيات في المقبرة ترحما على الأموات الذين لا تعرفهم ولم يكونوا من طينتك وعجينتك، دخلت بيوتا لتقديم العزاء محملا بأكياس السكر والطحين والزيت والشاي، ولجت أعراسا لتقديم الهدايا والدعاء للعائلات باليمن والبركات، كل شيئ يهون في سبيل استدرار العطف،الصناديق المليئة بالضبع/ الرمز جواز المرور إلى المجالس الخلاسية، الزئبقية، المطاطية، قيل أنها تمثل الشعب وتدافع عن مطالبه المشروعة،كلام سخيف بدون معنى، اغلب ممثلي الشعب لصوص مع سبق الإصرار والترصد إلا ما رحم ربك، يدخلون إلى مؤسسات الشعب حفاة، عراة، يعانون من نقص التغذية، غارقون في الديون، يخرجون أثرياء، مستكرشين من الأمام والوراء، انه استثمار مربح، جميعهم يرفعون شعارات، اسرق، اختلس، زور، بدر،يحيا الوطن، ملايير نهبت من أموال الشعب طوال عقود ولا محاسبة ولا سقطت أقنعة الزيف، القانون معطل في الوطن، يشتغل بالتعليمات، لا يفرم سوى الصغار وبعض الطيور التي تغرد خارج السرب، المحقق خبير في غرز مسلة التهم في ظهر المحتضرين، يقرع أجراس الهمة فوق أجساد الموتى وقوفا.
أسبوع ونصف أسبوع من اللغط والهرج وشراء الذمم في مهرجان الحرية، مترشحون يلبسون ألوان الطيف السياسي في كل عرس انتخابي، يهشون قطيع الأغنام بدزينة وعود عرقوبية لا تسمن ولا تحمي من كساد وبطالة ومعدلات الجريمة، ترقع مخلفات السهام وندوب أحجار الرجم بالمرق والأوراق الزرقاء،ولا دخان يتصاعد في الهواء للقانون، مهندسو الخرائط الانتخابية يتقنون اللعبة في الزمن المكشوف، لا يكفي تعاطف القوة الناخبة ورضاها لتقطف ثمرات النصر لابد أن تنال عطف الدوائر الرسمية حتى لا تسقط بالضربة القاضية وتتدلى عاريا من أنشوطة النفي، وتمضغ في قرف ورعب أسباب السقوط، التزوير آفة من آفات تمييع الاستحقاقات الدستورية في الوطن وسلاح فتاك لذبح هامش الديمقراطية.
في حي شعبي يفتقر إلى البنيات الأساسية، لا طرقات ولا ماء شروب ولا كهرباء ولا قنوات الصرف الصحي، استقبلتك جماهير غفيرة بالتصفيقات والزغاريد، الخيمة المنصوبة في الساحة الواسعة تزدحم بالناس،اشتعلت فرحا وغبطة، ثمة نوادل يوزعون كؤوس الشاي والحلوى، افردوا لك مكانا وسط الحشود، عريس في اليوم الكبير، تستمع للمديح والثناء وتنتفخ فرحا،ينفخون في هالات الدخان المتصاعدة من الأحلام، في رمشة عين تنبث لك أجنحة، تسافر على مثن الريح إلى الفردوس المطلوب، يمتد الطريق بطول الرؤوس المدربة على الاستدراج والنصب، تتناسل طيور الغربان، لا وسيلة للنجاة من المصيدة سوى مجارات الإيقاع، تفتح أسطوانة الحنجرة، تلقي بضعة كلمات على المسامع، ترفع شارة النصر لتذيب صدى المسافات، القراصنة يشعلون الخيمة تصفيقا حارا، قبل أن تغادر أحاط بك ثلة من الشباب، طارت الأوراق الزرقاء في سماء منكوبة الكرامة.
– الانتخابات غير مسرحية...المخزن عارف اش كيدير وغادي انجح لي بغا
– بصح الخريطة مرسومة والمترشحين بيادق في الرقعة
– واش هذا شعب تعطيه الحرية
– نهار تعطيه القرار وحق التصرف عول تنوض الفوضى
تطوف على الأزقة والشوارع تمزق مصارين الغضب بالابتسامات البلهاء،تسمع ضربات الطبل والزغاريد وارتفاع صوت المزامير، انعطفت بالسيارة توجهت مباشرة إلى الخيمة، رائحة التصفيق والثناء لا تزال مدفونة في الدماغ، الدم يغلي في العروق، الأوراق الرمز تطير في الهواء، عشرات الشباب يعتمرون قبعات بيضاء وأقمصة تتخللها حبات اليقطين، الملاعين يستقبلون مترشحا آخر بنفس الحماسة والتصفيقات،عرفت يومها أن القوة الناخبة تمارس نفس الألاعيب السمجة والسخيفة ردا على ممارسات مماثلة للمترشحين، الجميع استوعب الدرس جيدا، الكل يعقد صفقات المصلحة على وجه الوطن، سماء الساسة تمطر طلقات فارغة، وحده الحر المسكون بحب الأرض ينثر رياحين الخلاص يدون على رزنامة التاريخ شهادات ارتفاع معدلات الابتسار، يرقعون أبجدية الركود الشامل بالتطمينات، يستحيل أن تستقيم أمور الوطن دون محاربة الخفافيش ودفن الفساد والإفساد.
تمر بالقرب من المنصة جماهير غفيرة لمترشح يساري طاعن في النضال ينادي بالثورة ومحاكمة رموز الفساد، ينادي خيول المستحيل من العدم لتعيد ترتيب الأشياء في سماء الوطن الجريح والكسيح، يرفض التخلص من صخرة سيزيف، تصدح الشعارات المناوئة للأحزاب القزمة والإدارية، يجلس الاتباع على الأرض بإشارة من قائد المسيرة، يترجل الأستاذ من السيارة ملوحا بيديه، تصفيقات حارة من الواقفين على الرصيف، تحية لجمجمة أفلتت من لوثة التدجين،أبواق السيارات تبتلع جميع الأصوات، زغاريد نسائية وصور المترشح ورمز الهدهد تزين بوابات طابور المركبات، عشرات المخبرين و أعين الأجهزة السرية ترصد الحركات والسكنات تدون الكبيرة والصغيرة، لا قياس مع وجود المبدئي في كل شيئ، تطل على هدير التابعين الذين يعدون بالآلاف،في الهتافات يأتي الطوفان والإحساس بالحرقة، الغضب يرقص في جنون، الأرصفة غاصة بالمتفرجين، سرب من الرؤوس المذعورة مشرئبة الأعناق، قذائف انشطارية تنفجر في كل اتجاه، صفارة الإندار تعوي تعلن أن ثمة ربيع قادم، لا يمكن لأية قوة إيقاف زحف الربيع، اليسار الملتزم الخيار المتبقي لحماية الوطن الذاهب إلى تخوم الهاوية والسكتة القلبية، اللافتة المشدودة بالأيدي تجثو فوق أرخبيل التغيير تنصب تمثالا للحرية المفقودة، سحابة غائمة تزحف بالمدينة نحو تباشير الخصوبة، وحقول ملبدة بالأشجار المثمرة.
– ربعين عام من النهب وسرقة مال الشعب…ربعين عام من الفساد وغياب العدالة الاجتماعية وغياب المحاسبة... باركة... باركة الوطن قريب ينفجر وضروري من التغيير … ضروري من محاكمة رموز الفساد وأعداء الديمقراطية... لا مصالحة مع الفساد
الكلمات القاسية تلعلع في الهواء، تثقب السماء، تجلجل في الصدور،تطن في الأذان، تطلق الآهات من العقال، في غفلة تنضم إلى المسيرة الشعبية والعفوية أسراب من البشر الحانقين، تشتهي وصلة البوح وجلد القابضين على جمرة المسؤولية، عشرات الأصابع ترفع في الهواء، تستحضر أسماء المتآمرين على المدينة،تعدد الخراب والدمار وتطلب من الساكنة الإدانة، علقوك من أرنبة الانف بعبارات الغمز واللمز، مصفد بين النطيحة والمتردي وما طرد من صفوف المناضلين الأحرار، رشقوك بطلقات الاستبخاس والفضح واختلطت في الدماغ الأوراق، شابة محمولة فوق الأكتاف، يندلق الصدر ويرفرف الهدهد الرمز، في اليد مكبر صوت،أطلقت العنان للكلام القاسي يشق سراديب الهواء، بكربونات اللطم تبصق على الوضع المزري، الجمهرة عزفت بحماسة لحن الإدانة الشعبية، ترسم حدودا لجغرافية الإرادة الحرة الضامنة للمستقبل المشرق، تحاكم التجارب السابقة التي رهنت الوطن وأغرقته في الديون، الأنفاس مشدودة ومتوترة بفعل الحماسة، بإشارة من اليد ارتفع صوت الموسيقى، انطمس صراخ الشابة واختفت ذبذبات العواء، تراك كل مرة تحترق تتلقى اللكمات في سوق نخاسة يغلي بخلطات سياسية ملغومة، أنكرتك كل العيون والذوات في باقي الأمكنة، مسحت واجهة الدور السكنية وطفقت تنحت من تخيلاتك تجاعيد الانتكاسة، بلعت الأسى واستترت بإرادة الله، لأول مرة تبتهل إلى الله خوفا من الاحتفال بالرماد، الإنسان العربي المسلم خاصة يثوب إلى الله حين تحاصره الأزمات ويعاني من كبوات صحية، حين يجتاز المحن يتحول إلى شيطان رجيم.
تحبو كما المترشحين على صراط الوجع،تتحرك الجوقة المختارة بعناية خلف شقشقات مترشح شاذ جنسيا، حاولت مرات عدة إشهار تجاعيد الانتماء للقبيلة، منحوك فرصة لترد الجميل وتخدم المدينة، لا ذكريات على شواطئ التمثيل سوى صراعات على مناطق العليق، طيلة ستة سنوات لم يسمعوا لك صوتا ولا ترافعا ولا موقفا جريئا يصطف بجانب الساكنة، لم تسع لإصلاح مصباح كهربائي في الزقاق ولا استنفرت عمال النظافة لإزالة ركام الأزبال من الأحياء الشعبية، سجل الرأي العام تمردا وتبرما وجحودا انقذف من مؤخرة هتافات ولدت من وفرة العطايا، أجنحة بذيئة ولدت تحت اللسان، حراس وردة النسيان لا زالوا يرتشفون في حنق دخان المقلب، أصبت بطلقات رد الصاع صاعين في المرة الثانية ونصبت خيمة اللعنات والشتائم، شحذت السكاكين على القوم المنقلبين، حملوا رفوش الهدم في سماء تمطر طلقات خسيفة، اقسموا فوق الكتاب المقدس أن يقفوا في صفك، يملؤوا الصناديق الزجاجية برمز الضبع الذي يحيل مباشرة على الخيانة والغدر واستغلال الآخر لتحقيق مكاسب شخصية لكنك تفتش فيه عن مقاسات النصر، ترقص على أنفاس الحاقدين الجاثمين على أطراف اللسان لتذيب الحسرات في الأوردة وتفتح الأبواب مشرعة على مزابل الحي، لم ينفع لسانك المعقوف في تنميق هالات الوعود المطرزة بالأحاديث والآيات القرانية في استمالة قلوب الناس، صعب أن تنتشل الرحمة من مخالب الغاضبين،كان عليك البكاء أمام الناس في مشهد بائس، مضحك، تقسم بأغلظ الإيمان انك ستكون مناضلا مدافعا عن القضايا المصيرية، كلمة مناضل يتشدق بها الخائن والوطني والزنديق، انتهى عصر المناضلين الأحرار وحل عصر المتناضلين والتافهين، سقطت مند عقود شعارات فرسان النضال على أجساد العاهرات وغيبتها كؤوس الخمر في النوادي الليلية والخمارات، في شارع مزدحم بالمارة والسيارات والمعروضات اشتبكت مع تاجر أجهزة إلكترونيه فارع الطول قوي البنية رغم الكبر، تطور الخلاف إلى تراشق بالكلام النابي، فروج الأمهات، أديان الأمهات تستحضر في وقاحة بمقاييس متفاوتة العجرفة، في سرعة البرق كبرت حلقة المتفرجين، اتهمته بشراء الذمم وتوزيع المال الحرام على القوة الناخبة للفوز بالمقعد، تلقيت صفعة قوية، ركلة على الصدر ودفع قوي، سقطت على الرصيف تعوي مثل جرو، العدسات تحنط اللحظة، نزلت بسرعة البرق مخدوشا، مهزوما إلى القاع، الجرح ينزف والطريق يضيق، تحس بالاختناق والتمزق الداخلي،حين يشتد الضجر حول الحوباء تهرب إلى الفندق مصحوبا بشاب مختار بعناية فائقة، لترمم الشروخ في الجسد، الخراطيم البشرية تحملك إلى ثكنات الياسمين، الليل يفتح أجنحته من نوافذ عارية، تصطاد فراشات بمناجل الحصاد، لتفك شيفرة الانحراف بين قبضات اشد قسوة،تستغيث من عمليات المد والجزر وتصرخ من شدة النشوة، تدفع رزمة الأوراق النقدية، تخرج في الصباح منتشيا، المخيلة صافية متقدة، مستعد لتشعل الساحات بلعلعات الشعارات، لكنك لا تحفظ سوى بعض الآيات والأحاديث.
– المشبوح كيفرق لفلوس على الناس كلهم كيشريو الاصوات
– المخزن كيتفرج عادي لي كيهم المخزن هو ترتفع نسبة المشاركة
تسوي ربطة العنق، الورقة الخطاب يئن من لهاث الانتظار في اليد المرتعشة ترفع شارات النصر مرتجفا، تبتلع غصة الخوف، لا احد يصفق ويستمع، الجمهرة منشغلة في الحوارات الثنائية، الهزيمة تسير ببطء، شابان يثرثران يطلقان المستملحات، يقهقهان، تسري عدوى الضحك بين الحضور،يهدمان بخبث ما بنيته بمناديل العبث، الخوف يسري في المسام، علامات الإحباط تلوح في الوجه المخضب بحمى الهزائم، الخطاب لا يحرك عواطف ولا تصيب عباراته بالدهشة والإبهار، لا يقدم حلولا للازمات الصغيرة المستفحلة في البلاد التي لم تستطع حكومات كراكيز طيلة عقود بعد الاستقلال الناقص تقديم الأجوبة وبالأحرى أن تنجح الأحزاب الذيلية التي تولد في الإدارات والمخافر والأقبية السرية، دورها أن تحوقل وتشكر وتدعو بطول العمر للحاكم، تقتل الضمائر والعزة والحرية وتسقي الشعب من كاس التبعية، تستنفر الطامعين في كسرة خبز مغمسة بالذل والمسكنة، الدولة بحاجة دائما إلى أبواق الدعاية والمبرنقين والملمعين، تشحنهم في الحافلات والشاحنات في المناسبات الوطنية والتصدي للمواقف العادية للوطن لترد على انتقادات الغرب بالوقفات الاحتجاجية ورفع شعارات مخرومة.
متأنقا، منتفخا، منتشيا بالجمهرة الصغيرة، وببقايا حفلة الإيلاج ليلة امس، الريح عصفت بأوتاد الصمود لكنك لم تستسلم، طفت يومها على الأزقة والشوارع والأحياء الشعبية، تقبل الرؤوس وتستجدي كبار السن بإلقاء بضعة آيات وأحاديث، متفرسا في الوجوه باحثا عن ضالة تركب صهوة الشوق والمعاصي، تستجيب لنون النشوة، يتسلل بدون أسئلة إلى التفاصيل المدثرة، يقتحم أسوار المدينة المتفسخة والمتحللة، مدججا بوميض الصمت والفتوة، يقطف ثمرة محرمة من شجرة الممنوع لتنير الدرب المظلم، وتوقظ في النفس اللجوجة أناشيد الحماسة،رغم الجمهرة واللقاءات المطبوخة سلفا والهرج والضجيج، تشعر بالغربة الداخلية، لاشيء يفكك من اسر الغربة سوى الخراطيم البشرية، مند الطفولة تعلمت ثني الركب واستقبال الماء الأجاج، تمسح حبات العرق المتساقطة على الوجه المبلط بالأصباغ، تتمدد فوق الورقة الخلاص التي تعد جواز المرور إلى القلوب والعقول، والصناديق الزجاجية، يتوقف الطبال عن قرع الطبل، تصمت الموسيقى الصاخبة، تزحف الكلمات المنمقة على مدخنة العقم، تسقط جمل هاربة على الرؤوس، عبارات مهلهلة لا رباط يشد بين الأسطر، عرق دافئ يهبط من الإبطين، تسمع صوت السقوط في الداخل، سقوط مخز أمام عيون المنتظرين لقراءة الفاتحة على منحرف جنسي يريد الصعود إلى القمة راكضا خلف غيمة مثخنة بجنون العظمة، متزحلقا كما العادة على ناصية الحروف، العيون الضيقة ترعى في الورقة المضمخة بعبارات مفككة، الميكرو أمامك ينثر لعلعة الكلمات الخائبة التي لا تلامس الأوتار الحساسة وصعب أن تحملك والحلم الشقي إلى مضارب الجاه والنفوذ، خمسون عاما تحمل الهيكل المتحلل مسافرا في تخوم المستحيل تحلم بالمنصب السياسي الرفيع.
– الا ما جاتش بالقلم تجي بالقدم ولا الفم ولا النغم ولا الترم
مستواك الدراسي محدود، الجمجمة مثقلة بنعال الجبن والخطيئة، وقفت سابقا في الساحة أشبه بدجاجة مقرورة كان عليك أن تبكي لتستدر العطف طمعا في بضعة أصوات تسمن الصناديق، غيرت صبغة الوجه لتساير كل الحضور، في شاشة التلفزة تبدو منفعلا، حالما، خائفا، المتلقي يحصي الحركات ويترصد الزلات، الاختبار صعب والصمود في وجه المال الحرام أصعب، قدمت شكايات إلى الأجهزة الرسمية عن الميوعة وشراء الذمم، لكنك تحتاج إلى الأدلة، لا خيارات أمام من يداه مصفدة بترسانة الجبن وراسه مغمس في خاصرة النواح، لا صرخة تنتشل الديمقراطية من أنياب الفساد،، باقي المترشحين يشتكون من الإنزال الكثيف للمال القذر لكنهم تورطوا في لعبة سمجة ووقحة قيل عبر الإعلام الرسمي أنها ستكون نزيهة، النزاهة لا توجد إلا في المخيلات وفي البرامج.
بضعة رؤوس جيئ بهم من المقاهي والشارع ومواقف العمال، لا يفرقون بين اليمين المتعفن واليسار المتجدر، لم يقرؤوا يوما عن الالتزام والقيم الإنسانية والنضالات الشعبية التي تطالب بالعدالة الاجتماعية، لا تهمهم لا ديمقراطية ولا حقوق الإنسان، نفحتهم أوراقا نقدية ليحتلوا الكراسي وتبدو الساحة مليئة بالتابعين والمنخرطين، ثمة مصورين يلتقطون الصور يحنطون اللحظات، موسيقى صاخبة تصم الأذان، أغاني الثورة والثوار تشدخ المسامع، لم تكن ثائرا ولا تحمل فكر الثوار، تنسخ التقليعات السياسية المذرة للعطف والاستحمار الشعبي، محاولا نقش فوق صفحة السنين بضعة مواقف متذبذبة لملامسة الوتر الحساس، حين تعجز عن استمالة المغفلين وضحايا الأحزاب تركب موجة البكاء وشراء الذمم، نفس الصور المشوهة عن الأحزاب السياسية في الوطن الكسيح يتم تداولها مع اقتراب الاستحقاقات الدستورية، بدأت في ترميم الجسر المهدم، بحثا عمن يمنحك جناحين لتطير، بضعة أنفار كافية لتقبض الملايين من الدولة، يكفي أن تغطي عبر الوطن نسبة معينة من المترشحين لتقبض الثمن، عمليات البيع والشراء في التزكيات تجارة مربحة، ما قيمة الأحزاب الصغيرة الميتة سريريا في المشهد السياسي العام سوى الزيادة في جرعة الابتذال والتمييع والعزوف، لماذا تصر الدولة على الترخيص لهذه الثآليل التي لا يتعدى عدد أفرادها عدد أصابع اليد الواحدة.
في الصورة العامة الآن انت تحت رحمة ركام الأسئلة المستفزة، تحترس من فرقعات الناقمين والحاقدين والمدسوسين الذين يحملون معاول الهدم، قادرين على نسف الشكل النضالي الملتبس، اللغو القاسي داخل الجمجمة لا يتوقف، الورقة/ الخطاب سهرت لساعات طوال في تدبيج تعابيرها الركيكة، ولم تنس استحضار كلمات ذات حمولات قانونية وسياسية نظير الديمقراطية و النزاهة والشفافية، كلمات لا تفهم كنهها ولا مغزاها سوى لإلهاء القطيع المدجن، انها أشبه بالجزرة التي يركض خلفها حمار جامح، تفرست في الساعة وسويت ربطة العنق، في الركن القصي من القاعة ثمة مدعوين يطلقون القهقهات، أصوات تشبه غبار الحروب في الأحياء، نقرت نقرات متتالية على الميكرو، سكون متقطع يعم الساحة، انطلقت الكلمات المبرنقة، مستعطفة، متخاذلة، تغازل القطيع مفعمة بالأكاذيب والاستدراج الفاضح.
– انا ولد لبلاد... صوتو عليا وديما غنكون في جنبكم في نهار ولا بالليل
تمضغ في صمت الهزائم السابقة،تمزق الحروف تمزيقا وترفس كلاما منقوعا في السخافة للاستخفاف بالعقول لتبصم على خريطة الخديعة، تغيرت العقليات مند سنوات، المشهد السياسي لم يعد كما هو في بداية الاستقلال، الصراع القوي بين الأحزاب الوطنية الديمقراطية والقصر تراجعت، تراجع منسوب الفكر التقدمي وماتت المعارضة، ما زلت تبحث في الجوار عن الضحايا الغارقين في التيه المسلوبي الإرادة بقوة الفقر والجوع، لم تسمع تصفيقا ولا ضجيجا وصوتا عاليا يمجد اسمك، مسحت حبات العرق من على الجبهة، التصفيق لم يكن ضمن الاتفاق الأولي،، في الجانب الأيسر للمنصة يقف مرادشي محملا بآلات التصوير من مختلف الأحجام، الظهر محدودب ورائحة نتنة تكتم الأنفاس، خرطوم مجرب تتكأ عليه في الأيام القاسيات، يأوي النهار إلى المغيب ويشعل شمعة النبضات في الشرايين، مرادشي حارس المرفأ المهجور، خبير في تشحيم الثقوب، يكفيه بضعة أوراق وصحن مرق ليقوم بالمهمة على احسن وجه، عاش سنين طويلة في أحداق الحرمان، يغوص ويقتات من العفن، حين استدرجه المشبوح بمبررات التقاط صور في الأنشطة الحزبية بأجر محترم، اعتقد أن أبواب الرزق انفتحت، ظل مستمتعا بالسفر بالخيال يتلو للآلهة الصلوات والأدعية، في الأيام الأولى كان اكثر سخاء ولطفا وتفهما، يصرف على الأبناء بغير حساب، تجلس في المقعد الأمامي للسيارة تأكلان في نفس الصحن وتشربان في نفس الكأس، تتشاركان نفس الفراش في الفنادق، مرادشي قنديل ينير سنوات عمرك، يسافر في كل ليلة إلى بلاد الصقيع الحبلى بالتأوهات، في الرجفة الأولي خرجت اللعنات بين فخديك،سافرت على مثن الرعشة إلى شقاوة الطفولة ومر أمام المخيلة شريط قديم أطلقت مجموعة آهات على قصص غزوات من العشق المحرم، رايته ممددا على الظهر مثقل بكومة النبضات، الليل بطولة لم يتوقف في إشعال جمرات التدفئة و يمطر طلقات وقذائف مركزة، خيوط الفجر تنهار فوق العيون المحمرة، دخلت الحمام اغتسلت وصوبنت الجسم بصابون معطر، جلست أمام المرآة متفرسا في الوجه الذي غزته التجاعيد المخيفة، سحبت حقيبة صغيرة وبدأت في التبرج.
– سير عوم ونقي حالتك
– دابا نيت اسي احماد
– اليوم الأخر في الحملة خصنا نجمعو الناس
– مرحبا
الدرس ما قبل الأخير في المهرجان الانتخابي، حولت المنزل في الحي الشعبي إلى فندق يستقبل القوة الناخبة، ذبحت عجلا واشتريت خمسون دجاجة، صناديق من الفواكه، تفاح،برتقال،بطيخ احمر واصفر،عنب اسود، وقفت في الباب مرتديا لباسا تقليديا، جلبابا ابيض ونعل اصفر وطاقية حمرا تنتهي بأهداب متدلية على القفا، تقبل رؤوس العجزة وتفرد لهم مكانا في الصالة المفروشة بالزرابي الأمازيغية، صحون من الحلوى وبراريد الشاي، صوت مقرئ في الحجرة المجاورة، يشنف الأسماع بآيات من الكتاب المقدس، رائحة البخور تغزو المكان،كل شيئ مرتب بعناية لغسل الأدمغة بالترهات والأكاذيب، قصع الكسكس تغسل الأبدان، الدجاج المحمر يطير من الصحون، تتمزق الصدور وتطير الأفخاذ، لم يبق سوى العظام ومرق اصفر، شابات يطفن بأباريق ومغسلات، تجشؤات هنا وهناك، نفحت المقرئين مبلغا ماليا محترما، أمطروك بالدعوات وطول العمر، اقسموا فوق الكتاب المقدس انهم سيقفون بجانبك ويشربون معا نخب الانتصار، افرغ المنزل عن أخره وعم الهدوء، لم يبق سوى بضعة أفراد من العائلة يمسحون الجدران، يجمعون بقايا الطعام، دخلت السيارة وأغمضت العيون، تحتاج إلى حمام دافئ لاستعادة النشاط والحيوية.
في الساعة الثانية عشرة ليلا انتهت الحملات، بضع ساعات على اليوم الموعود، مكاتب الاقتراع محمية بالأمن والقوات المساعدة، شيوخ ومقدمين، يحرسون المكاتب من الهجمات المباغتة والبيع والشراء، في اللحظات الأخيرة، صور مضحكة ومسرحية رديئة الإخراج، ولو قام المترشح بشراء الأصوات علانية يوم الاقتراع فانه لن يفلت من مسلخة التزوير التي تمارس في المكتب المركزي حيث تهندس الخريطة الانتخابية، حتى الجمعيات الحقوقية المعنية بمراقبة الاستحقاق الدستوري تقدم تقارير مغلوطة ليستمر تدفق العليق، كل شيئ في الوطن ملغوم، كل شيئ تحت الرقابة والتفتيش، العقول خدرتها الوعود والمواعيد، لم يعد هناك من يمشي على الجمر، والمدينة خرساء ابتلعت اللسان، لا احد ينهض من الحفرة ويزيل الكمامة ويرفع شارة النصر يحطم القيد والسلاسل، والأقلام جف فيها الحبر والكلمة تمشي في بلاط التملق، والساحة مليئة بالابواق.
– كل واحد كيضرب على راسو ما بقاتش الثقة
– صحيح
– ما بقات أحزاب ما بقات جمعيات ما بقات نقابات كلشي باع
– المخزن دجن كلشي وتميع كلشي
– زمن الأقزام
تجول بالسيارة في الأحياء متوترا، حانقا، ساخطا، الأخبار التي ترد من ممثلي حزب الضبع في مكاتب التصويت لا تبشر بالخير، شاهدت المئات من السماسرة يعترضون سبيل المصوتين، يرقصون فوق جراح الوتر المعطوب، يقبضون القليل ويشوهون وجه الوطن، السيارة الموشومة رابضة بدون حراك، حراس الديمقراطية يتفرجون على المسرحية السمجة، قرب مدرسة طاردت سيارة الأمن سمسارا يشتري الذمم، وجودا في حوزته رزم من الأوراق النقدية، حملوه إلى المخفر، تكلمت الهواتف واخلي سبيله، السمسار يشتغل مع احد تجار الانتخابات، الساعة الخامسة بعد الزوال، بدأت الحركة تقل أمام مكاتب التصويت ونشطت في الأزقة والشوارع التجارة الحرة،وارتفع في رمشة قيمة الصوت، لا فرق بين الجاهل والمتعلم في عملية البيع، نساء،رجال،شباب يتسابقون للقبض، يقفون في طوابير ينتظرون نوبتهم أمام النخاس ليسلسل أياديهم، يكاد التفسخ وانهزام الضمير يتوج في الوطن بطلا، تهرب الحقيقة إلى باطن الأرض منكسرة
– الصوت وصل 300 درهم
– صافي لمدينة تباعت
– لمدينة تباعت سنين هذي شراو الأراضي بقا ليهم بنادهم شراوه
– غدا يبقاو يشكيو
– خصنا وخصنا
– شكون سمع منهم
في العاشرة ليلا بدأت أولى النتائج تظهر من المطبخ المخزني، فاز الضبع والقرد وفشل الهدهد في تحقيق النصر، المشبوح في قمة السعادة والانشراح, حمل مرادشي رمز البهجة والسرور في السيارة السوداء، اغلق الهاتف واختفى عن الأنظار.