الأحد ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم إبراهيم قويدر

المعارضة جزء من النظام

أكد الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري- ويعتبر من كبار علماء العرب في القانون ((أن المعارضة جزء أساسي من النظام وهى الوجه الآخر للعملة)) وذلك في حديثه الذي نقلته صحيفة الشرق الأوسط يوم 21 ديسمبر 2010.

ويقول الأستاذ الكاتب والمحلل النقدي العراقي علي حسين عبيد، عضو الاتحاد العربي للأدباء والكُتَّاب، في دراسة تحليلية حول موضوع المعارضة والنظام نشرت في موقع النبأ الإخباري: "تحرص الأنظمة السياسية في الشعوب والأمم المتطورة على تكريس دور المعارضة ورعايته وتطويره كونه يشكل دعامة أساسية لحماية النظام السياسي من الاعوجاج والنكوص الذي يقوده إلى السقوط في آخر المطاف، بمعنى أن دور المعارضة في الأنظمة السياسية الراسخة في الديمقراطية لا يصب في تعويق الحراك السياسي ولا يهدف أبدًا إلى إسقاط الحكومات الجيدة، بل يتلخص هدف المعارضة بديمومة مراقبة صنّاع القرار السياسي ومدى نجاحهم أو إخفاقهم على أرض الواقع وتقويم القرارات الخاطئة منها..

ويستطرد قائلا: "إن مشكلة الأنظمة السياسية الفردية تتركز بخوفها من تأشير مكامن الخلل في عملها السياسي وما سيتبعه من إخفاقات عدة تتركز في الجانب الخدمي وتوزيع الثروات والمساواة في المداخيل المالية وما شابه، بمعنى أن الخلل لن يصدر من المعارضة بل من إدارة الحكم الفردية التي تبدأ بحالة الاستحواذ على كل شيء وإلغاء نهج المساواة والعدالة في توزيع الفرص والثروات وحصرها بأفراد الحزب أو الكتلة الحاكمة، من هنا تأتي أهمية أن يكون الحكم ديمقراطيًّا داعمًا للمعارضة التي تصوّب الأخطاء وتراقب الزلل لتشكل حماية دائمة لنظام الحكم وتؤدي دور الموجه والمنبه على الأخطاء والحث على تصحيحها، وفي أحيان كثيرة تشكل المعارضة حكومة ظل داعمة للحكومة الأصل، وبهذا تكون عنصر إدامة وتصحيح ومراقبة إيجابية تهدف إلى قمع النفوس (الحاكمة) التي قد تحاول الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها وتحصرها بحزبها أو الأفراد المقربين من قادتها كالبطانة والحاشية وما شابه، ناهيك عن إيماننا بأن الأنظمة السياسية التي تدعم المعارضة وترعاها وتنظر لها بعين الشراكة الإيجابية لا بعين العدو المتربص بالحكم، هي الأنظمة الأكثر تطورًا وقدرة على السموع بشعوبها وأممها إلى مصاف الدول الحكيمة المتطورة". (انتهى تحليل الأستاذ على عبيد)
وهكذا يبدو لنا جليا الدور الهام الذي تتكفل به المعارضة، مثلما تبدو لنا أهمية أن ترعى الأنظمة السياسية مقومات المعارضة وترسيخ دورها الفاعل في بناء تجربة ديمقراطية لا تقوم على الحس أو التصور الفردي الرافض لرؤى وتصورات الآخرين الهامة حتمًا.

كما أن شخصية عربيه أعتز بمعرفتي وعلاقتي بها.. وقد تعلمت منها كثيرًا في حياتي العملية وأعتبره كما يعتبره كل من عرفه بأنه رجل من رجالات الدولة الأوائل الحريصين كل الحرص على خدمة وطنهم وأمتهم قال لي بعد أن اطلع على مقالي ((أنا لست معارضًا)): إن المفهوم الصحيح لهذه القضية عند الباحثين والمهتمين بهذا الشأن والملمين بعلوم السياسة الحديثة ((أن المعارضة في الحقيقة هي جزء من النظام)).

وحقيقة عندما نتعمق في هذه العبارة، فسنجد أنها واقعية جدًّا، وبغضّ النظر عمَّن يعارضها أو يعتد بها، فالذين يمارسون احترام الرأي الآخر، بطبيعة الحال، يرون فيه توجهًا يخالف توجُّههم؛ ولكنه صادر عن بشر مثلهم، ويحترمون تفكير من يختلف معهم، خاصة إذا كان هذا التوجه أو التفكير- في بعض الأحيان- يختلف من حيث الطريقة أو الأسلوب فقط، ولكن الأهداف واحدة.

ودعونا نتعمق قليلاً في هذا الموضوع، فالهدف الأساس لأي نظام في أية دولة من العالم هو خدمة الشعب، لأن بدونهم يفقد النظام أحد مكوناته الرئيسة والمهمة، فبوجود الناس يكون النظام، وبالتالي فإن هدف النظام- أيّ نظام- هو إسعاد الشعب ورفاهيته، حتى وإن كان ذلك مجرد شعار ترفعه بعض الأنظمة الفاسدة، حتى وإن كان للنظام أهداف خفية أخرى، إلا أنه يجد نفسه ملزمًا بضرورة الاهتمام- ولو قليلاً- بناسه وشعبه في مناحي الحياة المختلفة من: تعليم وصحة ورعاية اجتماعية وتوفير سبل الحياة الكريمة لمواطنيه.

ومن هذا المنطلق، فالمعارضة ترى أن الأسلوب الذي يتبعه النظام من أجل تحقيق هذه الأهداف أسلوب غير صحيح، وفيه ممارسات خاطئة تصل في بعض الأحيان إلى انتهاك حقوقهم كمعارضين؛ وذلك لعدم إلمام النظام ولعدم قدرة المسئولين فيه على استيعاب مواقف المعارضين لهم، وبالتالي تحدث الصراعات المعروفة، غير أنه حتى تلك الأنظمة التي تقمع معارضيها أو أنهم يرون في توجهات أنظمتهم أمرا لا يستطيعون التكيف معه او الحياة تحت مظلته لاختلافهم معه ويؤدي ذلك إلى هجرتهم لأوطانهم، وتكوينهم لجماعات مهاجرة معارضة ضد النظام الحاكم- ولكنهم لا يعلمون أن في هجرتهم هذه وتكوينهم لمعارضة بالخارج يمنحون الفرصة لأى نظام قمعي ان يحقق السيطرة على المجتمع وثبات أعمدة نظامه؛ لأن القمع الجبري للرأي المعارض يؤدي إلى خوف من يفكر في إبداء أي رأي مخالف في المستقبل، وبالتالي تبقى الساحة بكاملها ولفترة زمنية في قبضة النظام ميسرة لسلوك التوجه الذي يتبناه.. وحتى هذه المعارضة التي تُواجَه بالعنف، هي في حقيقة الأمر حتى بعد هجرتها إلى خارج الوطن- جزء من النظام؛ لأنها بفعلها هذا وبدون رغبتها في ذلك تكون قد حققت استمرارية ولو مؤقته لذلك النظام الذي تعارضه، خاصة إذا نجح النظام في إقناع عدد كبير من ناسه بأنهم خونة وعملاء لدول معادية في الخارج وهنا يلعب النظام على وتر أساسي في سيكولوجية الشعوب وهو التصدي لكل معادٍ من خارج القبيلة قديمًا ومن خارج الوطن حاليًّا ....وبالتالي فالنظام مدين لها باستمراره وحشد الناس ليقفوا معه ضد المعارضين الذين يقدمهم للناس باعتبارهم أعداء للشعب وخونة للوطن.

كما أن العديد من الأنظمة في دول العالم الثالث عامة والدول العربية خاصة نتيجة سوء تصرف أجهزتها المخابراتية وكتاباتها لتقارير عن مواطنيها بالخارج تعطي لهم وزنا غير حقيقي وتعمل على مراقبتهم ومحاولات التخلص منهم بهذا العمل الجاهل غير الملم بحقيقة هؤلاء المتواجدين بالخارج- يحوِّل هؤلاء إلى رموز للمعارضة، وبالتالي ساهم في تكوين هؤلاء رجالات النظام دون أن يدركوا ذلك.
أما الأنظمة التي تستوعب بفكر زعماتها وسعة أفقهم الرأي المعارض، فإنها تسمح لهذا الرأي بالتعبير في كافة وسائل التعبير المختلفة، وتعتبر الرأي المعارض جزءًا منها؛ لأنها تعمل على الاستفادة من آراء المعارضين في توجهاتها العملية، وبالتالي فلأنها تقوم بعملية تعديل في مساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يخدم الناس، وهنا يستمر استقرار النظام وتكون المعارضة جزءًا إيجابيًّا في هذا الاستقرار.

وبطبيعة الحال، ففي الأنظمة المتقدمة ديمقراطيًّا نجد أن الصراع يتحول إلى منافسة شريفة بين الجماعات المعارضة، سواء كانت أحزابًا أو تنظيمات أخرى، وقلَّما يتحول إلى النزول إلى الشارع أو أعمال عنف إلا في حال تعنت أحد الأطراف المعارضة أو النظام وتمسكه برأيه وشعوره بأن موقف الطرف الآخر يضر بمصالحه، ولكننا نجد الأمور تتغير مع الأيام ومع التداول في الحكم، فيختار الشعب الاتجاه الصحيح عندما يحين موعد الاختيار، وتجد المعارضة هي التي تجلس على كراسي النظام، وتجد رجالات وجماعات النظام يتحولون إلى معارضة.

وهكذا فإن المعارضة دائمًا تكون جزءًا من النظام وتخدم بشكل مباشر أو غير مباشر استمرارية النظام، خاصة في دول العالم الثالث كما أشرنا سلفًا إلى المعارضة التي تجبر على الهجرة للخارج.
إن كل ما يتمناه أي إنسان حريص على مجتمعه وناسه أن يعم التفاهم بين الجميع من أجل مصلحة الوطن- أي وطن كان في العالم العربي- لأن المواطن العادي يريد نقاطًا محددة وواضحة المعالم أذكر بإيجاز أهمها:

أولاً: الحياة الكريمة التي يتمتع خلالها الفرد والأسرة بالاستقرار والشعور بالأمن والسلام الاجتماعي واحترام حقوقه وآدميته وممارسته لحياته اليومية من كافة جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إطار من العدل والمساواة .

ثانيًا: تنفيذ العالة الاجتماعية في توزيع المشروعات التنموية داخل خريطة الوطن مما يؤدي إلى الشعور بالرضا في عدالة توزيع ثروة المجتمع بالتساوي بقدر الإمكان بين أفراده ومناطق سكناهم من قرى ومدن دون تحيز أو انحراف في مسارات الإنفاق المالي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع.
ثالثًا: العمل على تقديم الرعاية الكاملة من تعليم وصحة ورعاية اجتماعيه لكافة الأفراد والأسر والجماعات دون تمييز.

رابعًا: تكافؤ الفرص في حق العمل والإقلال من الهوة بين مخرجات التعليم والتدريب المهني وفرص العمل المتاحة في سوق العمل الذى يتطلب التخطيط السليم للقوى العاملة وتشغيل الشباب مما يؤدي إلى الحد من مشكلة البطالة.

خامسا: ضمان المشاركة السياسيه الفعليه (الحقيقيه) فى أقرار القوانين والبرامج الاقتصاديه والاجتماعيه والسياسات المتعلقة بكافة شئون الوطن الداخليه والخارجيه من خلال الشكل الديمقراطى الموجود فى نظام كل دولة عربيه بدون تزييف و ضحك على الناس بانهم يمارسون هذا الحق نظريا ولا يمارسونه فعليا .

هكذا بمراعاة هذه العوامل، التي هي من الأهمية بمكان، مع احترام الرأي الآخر واعتباره جزءًا من تقويم مجتمعنا- نستطيع أن نضع أنفسنا على المسار الصحيح الذي يحقق المستقبل الواعد لوطننا العربي الكبير.

ولا شك أن التفكير المتعمق في كل الأحداث التي تمر بها المجتمعات من قمع للرأي المعارض يقودنا إلى حقيقة مهمة، وهي أن الجهل بأصول الحوار واحترام الرأي الآخر والابتعاد عن تعاليم ديننا الحنيف في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم يكرس للاستبداد والطغيان، تلك التعاليم التي تؤكد دائمًا على احترام الحاكم لآدمية وإنسانية وكرامة المحكوم، واحترام المحكومين لحكامهم باعتبارهم مسئولين عنهم.. ولو قام كل رموز الأنظمة العربية بفسح المجال وسعة الصدر والحوار في كل المواقف التي أدت إلى وجود آراء معارضة لهم، لَمَا حدث ما يولد الكراهية والحقد والثأر بينهما، ولو أن حكامنا تحملوا تلك الانتقادات الموجهة إليهم كما كان يفعل الخلفاء الراشدين واصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع خصومهم عندما كانوا يناظروهم ويقارعوهم الحجة بالحجة ، بل لنا في عمر بن الخطاب عبرة عندما اعترف بخطئه أمام رعاياه قائلاً: "أصابت امرأة وأخطأ عمر". لو اعترف حكامنا ومعارضوهم بالخطأ ما وصل الأمر إلى القتل والإبادة والتصفيات التي ينهانا عنها الله سبحانه وتعالى: من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً [سورة المائدة، الآية 32]، وقوله تعالى: والذين لايدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النّفس التي حرّم الله إلا بالحق [سورة الفرقان، الآية 68]، وقوله: ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً [سورة النساء، الآية 93]، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه".

فهل سنستوعب الدرس ونتعظ من تجاربنا الماضية ونسمح للرأي الآخر بتقديم رؤاه، وندافع عن رؤانا بالحوار والحجة، ونلتزم بسلوكيات وأخلاقيات الكتابة والحوار ونعترف بأن الفيصل في النهاية لرأي الشعب وما يحقق مصالحه وليس ما يحقق مصالح شخصية فردية للحكام وبطانتهم أو المعارضين وبطانتهم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى