السبت ١٩ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم عبد العزيز زم

المُسَافِر

أمّي مُنهمِكة فِي تَحضِيرِ وَجبَةِ الغَدَاءْ
تَـتَنقلُ كَالمَكُوكِ بَينَ المَطبَخِ وَغُرفَةِ
الكَرَاكِيب
حَيثُ كَانَ الفِرنُ القَدِيم مُلقَىً
تَرأفُ ثُقُوبُهُ بِالدَجَاجِ فَتَسمَحُ
للهَوَاءِ بِمُدَاعبتهِ بينَ الفينةِ والفينة
الدّجاج الذي كَانَ يُحمَرُ مَع احمِرَارِ الشَمس
كَانَ القَلقُ واضحاً في عَينيها
أنْ يَأتي أبي مِنْ عَمَلهِ جائعاً
وَيَرَى الطعَامَ جَاهزاً
كانَ أكبرُ هَمِهَا
البَابُ يُفتَحُ بِسُرعة ويُصدِرُ صَوتاً
وهيبةُ الوَقَارِ وَالأمانِ تُخَيمُ عَلَى البَيت
إنّهُ أبِي (كُنّا نَتَأرجَحُ عَلى الفِرَاشِ ليلاً
ولا نَستطيعُ النَومَ حَتَى نَسمعَ هَذا الصَوت)
يدخلُ أبي وآثارُ التعبِ واضحةً عَليه
ويَتجه الى المَغسَلة لِكَي يَتَوَضأ
مَعْ شِدَةِ انهِمَاكِهَا لا تَنسى طَبعاً أمي أنْ تَـتَفقدَها؟
المِنشفَة فِي مَكَانِها؟؟
والجوابُ بِالطبعِ؟؟ لا !! كانَتْ يَداً سِحرية
تمنعُ وُجودَها في المَكانِ الذي يُرِيدُهُ أبي
وتشير إليّ برمشِ عَينيهَا كَي أحضِرَهَا إلى مكانها
وبعد أن مسح آثارَ الجِهادِ عن يَدَيه
أطلَقَ رَصَاصَةَ الرحمة إليّ
وَقَال بصوتٍ تُخالجُهُ دُموعُ الكبرياء
(لقد وافقتُ على سَفَرك للدِرَاسة)
وعندها وَضَعَت أمي لَمسَتَهَا الأخيرة عَلى الطعامْ
وَلمْ تَكُنْ بَهَاراً أو مِلحاً
بل كانت دَمعَةً من عينها
وَتَنَاغَمَ الحُزنُ في البيت
وتحشرَجَت عيونُ أختي بِالبُكَاء
أختي التي جِئنا إلى الدُنيا في يَومٍ وَاحد
وَمَع أننِي سَبَقتها بِخَمسِ سَنَوَات
وَدُرتُ حَولَ الشَمسِ خَمسَ مَرَاتٍ أكثرَ مِن دَوَرَانِها
كَانت تَعرِفُ عَنِ الغُربَةِ أكثَرَ مِمَا كنتُ أعرِف...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى