الأربعاء ٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم أحمد الخميسي

النقاش والطفلة

نشرت جريدة الأخبار في 20 يونيو الحالي أن شابا في السادسة عشرة من عمره يعمل نقاشا استدرج الطفلة " سمر عبد الحميد " التي لم تتجاوز السادسة إلي بيت معزول تحت الإنشاء في منطقة العزبة البيضاء بالمرج وقيدها واغتصبها وحين هددته بفضح أمره ظل يضرب رأسها بحجر ثقيل حتى هشمه تماما ثم غادر المكان إلي أن تم ضبطه

والنقاش الشاب حسب تعريف القانون هو بحكم سنه " طفل "، فنحن إذن أمام طفل يقتل طفلة وينهي حياتها ومستقبله في لحظة واحدة قد يراجع تفاصيلها عشر سنوات على الأقل وراء القضبان. وهكذا هشم الجوع الجنسي رأس طفلة ودمر حياة طفل آخر، وترك أربعة آباء محطمين. والقضية هنا لا تتعلق بغضب سياسي أو ظرف اقتصادي ولكن بالجوع الجنسي فحسب. ومن حق المجتمعات المتحضرة بل ومن واجبها أن تعلن رفضها إباحة البغاء، لأن تلك إشارة أخلاقية هامة وضرورية، لكن لماذا ينبغي لطفلة في السادسة أن تدفع ثمن ذلك الإعلان؟

عام 1927 قدمت لجنة مكافحة البغاء في مصر تقريرا جاء فيه: " لو ظنّ أحد أن مجرد إلغاء مناطق البغاء المرخص بها إلغاء تاما كفيل بحل المشكلة.. لما كان لظنه سند إلا شدة الثقة والأمل بالمستقبل ". وكانت الدولة قد وضعت قوانين تحكم تلك المهنة منذ تولي محمد علي الذي عاد إلي حظرها جزئيا عام 1834، لكن عباس الأول رفع هذا الحظر، وسنة 1885 صدرت لائحة مكتب التفتيش على العاملات في ذلك المجال المنبوذ، وفي عام 1905 أصدر مصطفى فهمي رئيس مجلس النظار لائحة باسم " لائحة بشأن بيوت العاهرات " التي عينت أماكن الممهنة وألزمت النساء بفحص طبي أسبوعي، ثم أصدر الخديو عباس حلمي " لائحة البيوت العمومية " عام 1916، ومع انتشار الوعي بأن البغاء عار على الأمة طرح عبد الحميد عبد الحق وزير الشئون الاجتماعية في حكومة الوفد ضرورة إلغاء البغاء في مصر، فقامت الدنيا ولم تقعد ضده، كأنه يدعو لإدخال البغاء وليس إلغائه ! وطالب بعض الكتاب الكبار في تلك السنوات بتجربة الإلغاء في القاهرة والسماح في الإسكندرية لمراقبة الأضرار أو المنافع المترتبة على ذلك، وفي عام 1949 صدر القرار بإلغاء بيوت العاهرات وبعدها بعامين خرج القانون 68 لعام 1951 الخاص بمكافحة الدعارة والمعمول به إلي الآن مع بعض التعديلات الطفيفة التي أدخلت عليه عام 1961 عند الوحدة مع سوريا. وهكذا تخلصت مصر رسميا من عار البغاء، أما عمليا فإن تقريرا أمريكيا صدر العام الماضي أدرج 16 دولة – نصفها دول عربية – بصفتها الأسوأ فيما يتعلق بمكافحة أسواق الدعارة ! وعمليا فإن الجميع يعلم حجم وحركة ومواقع الدعارة وأسعار وفئات في كل مكان، بعد أن أصبح تحويل البدن الإنساني إلي سلعة إحدى خصائص العولمة حتى أن المنظمة الدولية للعمل قدرت سنة 1998 أن الدعارة تمثل ما بين 2% إلي 14 % من الناتج المحلي لماليزيا والفيلبين وأندونيسيا، وأن تلك التجارة تشكل 5% من الاقتصاد الهولندي، و60% من ميزانية الحكومة في تايلاند ! ولكن المسألة لدي الأوربيين لا تتعلق بالجانب الاقتصادي فقط، بل بمحاولتهم العثور على حل لخيار صعب: إباحة البغاء ؟ أم موت الأبرياء بالاغتصاب والقتل بسبب الجوع الجنسي ؟.

ولهذا يغض القانون الإيطالي الطرف عن تلك المهنة كما هي الحال في فرنسا، أما في الدانمارك فإن القانون يسمح بذلك كما يسمح به في ألمانيا وهولندا، بينما فضلت دول كثيرة مثل أسبانيا أن تترك الوضع في حالة رمادية. إلا أن العلاقات والاختلاط بين الجنسين في أوروبا يهون من تفاقم الوضع، أما عندنا فإن المأزق أعمق، لأننا – أخلاقيا – لا نستطيع السماح بذلك، بينما ينتشر " ذلك " عمليا على نواصي الشوارع ويتخذ " ذلك " أشكالا أخرى كالزواج العرفي، واقتران المسنين الأثرياء بالصغيرات كما حدث مؤخرا عندما تقدم عجوز عربي بطلب لتوثيق زواجه من فتاة مصرية تصغره ب 75 عاما، فرفضت وزارة العدل المصرية طلبه !

نحن لا نستطيع من كافة النواحي السماح بوصمة البغاء التي كان مسموحا بها من قبل، ولكن لا ينبغي أيضا أن نسمح بقتل طفلة في السادسة لم تعرف من الدنيا شيئا سوى أن جائعا جنسيا قيدها واغتصبها وهشم رأسها ومضي إلي حال سبيله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى