السبت ١٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم نادية بيروك

الهروب من خنجر مسموم

نــــــاديـــة بيـــروك

الهروب من خنجر مسموم

لفح الصمت لسانه الجريح، عندها أشاح بوجهه عن الناس جميعا بوشاح من العزلة والحزن. ظل يحبس نفسه وسط غرفته السطحية الحقيرة، إنه لا زال يستعرض ذلك المنظر الفظيع، لازال يحدج أخاه الأصغر بعيون حائرة ملتاعة مزقها الشك وشتتتها الصدمة، فتملكها الذهول، لم يقو على قتل أخيه ولا قوي على اغتيالها هي الأخرى. لقد طعناه من الخلف بخنجر مسموم، فأحسنا تصويبه. وسرعان ما خر صريع الغدر والثقة العمياء. هجر المسكين ذلك الوكر الملعون، حاملا قلبه الكسير بين جوانحه الدامية، هاربا من جور الزمن وظلم الأيام، وها هو الآن قابع داخل حجرة قاتمة يقضي يومه في تأمل جدرانها الرهيبة في بلاهة ومرارة. كان الألم أقوى من التحمل وكانت صفعة الخيانة أشبه بصفعات إعصار محيط. لقد أصبح راهبا داخل معبد غريب، يحلم بالوفاء والحب المتبادل في دنيا غير هذه، يرنو إلى أخ حبيب يربت على كتفه، وزوجة تؤنس وحدته، وتطيب خاطره، لكنه يفيق على الحقيقة التي يراها في غفواته، عندها ينتشله صوت أقدام مرتبكة متعثرة تخطو نحو حجرته اليتيمة، ليقرع بابها في تردد

وحيرة ظاهرة. ينهض سالم في تثاقل واستغراب ليفتح الباب في بطء شديد، لكنه يخرج عينيه من هول المفاجأة، ويفتح فاه من الدهشة:

 أنت! قال ذلك ثم دفع الباب بكل ما أوتي من قوة في حين تمتد يدها لتشل حركته ولسان حالها يقول:

 تمهل أرجوك! لقد بحثت عنك طوال هذه السنين لأخبرك الحقيقة لن آخذ من وقتك إلا القليل. ألا يهمك أن تعرف الحقيقية؟

 الحقيقية! ادخلي.

دخلت فاطمة وهي ترنو إلى المكان في حذر وترنو إليه في رأفة حانية:

 لم أخنك يوما يا سالم؟!

 أهذه خدعة جديدة؟

 إن تفكيرك المريض هو الذي خدعك، صدقني لم يحدث بيني و بين أخيك شيء يذكر إنه أخي أيضا.

 و القبلة؟

 كانت قبلة بريئة من أخ يواسي أخته.

 و ...

 لا! لا ! ذلك كان من وحي خيالك أنت؟

 لقد قضيت في مستشفى الأمراض العقلية سنة و بضعة أشهر، لكني لم أفقد عقلي بعد!

 وإذا قلت لك أنني لازلت أحبك؟

 الحب وحده لا يشفى جراح الخيانة يا فاطمة؟

 و ابننا يا سالم!

 قد يكون ابنه.

لم تتمالك فاطمة نفسها عند سماعها لهذه الكلمات المسمومة، انفعلت وإمارات الأسف بادية على وجهها الصادق، تم صرخت في وجهه وهي تنتفض غيضا:

 أحمق! حقير! كيف تجرؤ! أنت والده ولا أحد غيرك كم كنت غبية حين أخلصت لمعتوه مثلك!؟

خرجت فاطمة وهي تركض كالمجنونة، و ظل سالم يسبح بين الحقيقة والخيال، دون أن يعلم أيهما الحقيقة وأيهما الخيال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى