الثلاثاء ١٧ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم غزالة الزهراء

الوهم

هنا بين هاته المدينة الباريسية الشقراء تتعثر خطواتك المتزنة، وتضمحل أحيانا كاضمحلال أحلام هاربة مزيفة، وأحيانا أخرى ترتسم دوائر انفعال شاحبة مهزوزة لا عطر لها. مسكون أنت بطحالب أوجاعك، وأناتك، وآهاتك،يعذبك جلاد الشوق الملثم حتى تكاد تقيء، وتفر فرارا لا رجعة فيه من عالمك الضبابي اللاسع المشحون توترا،وقتامة، وأسى.

قطرات الأسف تتساقط بلا هوادة كزخات المطر فوق سياج ذكراك،يداخلك ضعف طاغ يكتسح أعماقك، ويهد قواك عن آخرها. تحاول في جهد جهيد التقاط شتات أنفاسك لمقاومة وضعك الراهن لكن محاولاتك كلها تبوء بالفشل الذريع الذي لا مناص منه، تحضن أحلامك الممزقة، وتحتسي كؤوس الخيبة معتقة بالعلقم المر.

تسع سنوات عجاف انسحبت مقهورة، متخاذلة، سقيمة من عمرك البكر، وأنت تبحث بجنون بشع عن اسمك، عن تاريخك، عن موقعك، ولكن رحلة البحث المجوفة تتلاشى كتلاشي الأبخرة السخينة في الهواء، وتعود مجددا إلى نقطة البدء وأنت تستكين لهشاشة الأحلام، وصدى الوجع الآتي من عمق الماضي السحيق.

تتذكر كلامك المعسول لوالديك: سأعود من هناك مثقلا بأموال طائلة،سأحقق أحلاما وردية كثيرة ما زالت تعشش بداخلي، وتتناسل في دماغي لحد الساعة.
وجاءك الرد الأكيد من والدك شفافا كالبراءة، طاهرا كالندى: الحلم جميل يا ولدي، وما أبهى رونقه!
ولكن عندما يصطدم بأرضية الواقع تتطاير شظاياه الحارقة كبلور الزجاج،ومن ثم يستحيل في رمشة عين إلى سراب مريع لا جدوى منه.

تنهدت تنهيدة عميقة محفوفة بالأسى الفتاك، والندم الجارح، حدثت نفسك التائهة بصوت شجي ممزق يقارب النحيب: والدي معه حق لو.. كنت في هذه اللحظة ماثلا بين يديه لعانقته بقوة، ولأجهشت بكاء فوق صدره، ولقبلت قدميه اعترافا بنصيحته الثمينة،وتفكيره الصائب.

تسع سنوات بكل دقائقها وثوانيها انقضت هكذا كالكوابيس المزعجة، وتطايرت من سماوات عمرك هباء منثورا.

ستبقى هكذا تحترق في أتون النار،وتبقى تحترق وتتبخر إن لم تبحث عن طريق يأخذ بيدك إلى بر الأمان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى