الأحد ٣٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم رامز محيي الدين علي

الياسمينة العاشقة

مررت بقرب ياسمينة في أحد شوارع دبي ليلا.. كانت تنشر شذاها رائعا يسحر الأرواح، ويضيء مسالك النفوس باعثا فيها بهجة أيما بهجة ..

وقفت بجوارها أتأملها وأملأ أنفاسي من عبقها الملائكي .. وقفت بجسدي عندها، لكن روحي طارت فرحا مثل الشهاب إلى سماء الذكـريات، فلمحتك يا حبيبتي تأخذيـن بيدي في تلك الليلة التي كنا نجـوب فيها شوارع دمشق الجميـلة المزدانة بأزهار الياسمين التي تتسلق الجدران وتعانقها عناق المحبين..

ذهبت تلك الليالي العاشقة، لكنها لم تنس أن تسجل ذكـرياتها على خدود الياسمين.. وتركت مشاعرها النبيلة تذوب حبا وتحترق لهفة على أنفاس أزهار الياسمين..

أيتها الياسمينة الحبيبة

إنك تعطين بسخاء، دون أن تنتظري مكافأة مـن أحـد .. رائحتك تعبق في السماء، وتنتشر في الأرض.. فهــل يا تـرى تلامس أرواح البشر؟! أم أن الناس منهمكون في تفاهاتهم؟! أم أن أرواحهم باتت سكرى بخمور الحياة الماديـة العفنة، فلم تعـد تتذوق الرياحين؟؟!

إنني أناجيك أيتها الرسولة الحبيبة! فهل تسمعين صوت روحي وضميري؟! وها أنا أهمس إليك بجفوني؛ فهل تسمحين لي بقطف بعض أزهارك كي أسكر بهـا روحي هذه الليلة؟!.. وبعدها أرسلها بين أوراق رسائلي إلى حبيبتي.. لعلـها تكـون أصدق من كل ما أكتبه..! فأنت أيتها الياسمينة لغة لا تعرف صدأ السنين.. إنك لغـة الأرواح الهائمة تنقلين قبلاتها عبر الأثير..

الياسمينة

خذ ما تشاء أيها العاشق الأمين مـن أزهاري.. فأنا أسمعك، وكلماتك باتت تسري فـي عروقي ..! وسأفتّح مكان كل زهرة تقطفها عشرات الأزهار تكريما لحبك ؛ فأنا لـم أخلق من أجل أن أتربع عروش الجدران والحدائق، وأرى نفسي شامخة فـوق كـل الورود والأزهار..

إنني خلقت رسولة للعشق .. ففي كل زهرة من أزهاري آلاف من قصص العاشقين.. وفي كل عبق من رياحيني ملايين من زفرات الهائمين في الغرام ..! تعال أيها العاشق الغريب البعيد ، وضمني إلـى صدرك ، وقبلني ألف..ألف قبلة ؛ لأنني حبيبتك بذاتها .. بروحها.. بحبها.. بأنفاسها..!

وقفت مرتعش الروح، منتشي الجسد، وأمسكت بالياسمينة في رفـق ودعـة، ثم قطفت بعضا من أزهارها .. لكن حيائي مـا كان ليسمح لي بتقبيلـها في الشارع، فحملتها إلى غرفتي، ورحت ألثمها كما لو أنني ألثم خدك الناعـم يا وردة عمـري النضير! وأخذت أستنشق عبيرها في شغف روحي.. وشعرت بالنشوة العظمى التـي تسكر الجوارح وتخدر الأوصال ، وتملكتني استرخاءة جميلة على السرير.. ورحت أضم الأزهار إلى صدري في إغفاءة كأنها الحلم السرمدي!

وبعد إغفاءة الروح الحالمة وسكرة الجسد العذبة ، استيقظت وكأنني في صباح جديد، رغم أن عقارب الساعة كانت تتراقص مشيرة إلى الثانية عشرة ليلا.. ورحت أتأمل هذه الأزهار وأقرأ ما خطت على شفاهها أرواح العاشقين.. ومـا سكبت فيـها قدرة الخالق العظيم من عظمة الخلق والإبداع...

إن هذه الياسمينة تعطي ولا تمل العطاء.. تجود بعطرها الملائكي لكل البشر ولكل مخلوق دنيوي ، دون أن تنتظر وسام تكريم من أحد! فما يقدم لها من جهد في غرسها ومــــن قطرات ماء في ريها، لا يعادل ذرة واحدة من شذاها المفعم بالحب والحياة..!

فهذه الياسمينة تعطي دون مقابل .. إنها لا تعامل الخلق في عطائها معاملة التجار لزبائنهم، بل هي كالبلبل الرائع الجمال..الساحر الأنغام ..! إنه كذلك يشدو صباح مساء ويشجي الربا والوديان، ويطـرب الرائـح والغـادي.. ويسكر النسمات بأعذب الألحان ..!

فلم لا أكون كذلكما البلبل والزهرة؟! ألم يشد بعطائهما فيلسوف الشعراء المهجريين إيليا أبو ماضي إذ قال:

مــن ذا يكــافئ زهــرة فواحــــة أو مـن يثيـب البلبــل المترنــم؟!

أولم يرجح كفة عطائهما على كفة عطاء كل كرماء العالم ؟

عـــد الكــرام المحسنـين وقســهم بهما تجــد هذين منــهم أكــرما

ثم ألم يدعنا إلى تعلم المحبة منهما ؟ :

يا صاح: خذ عـلم المحبـة عنهـما إني وجـد ت الحـب علــما قيـما

فهــا أنا أكتب إليــك يا غاليـتي وياسمينتي الحبيبة، دون انتظار رسائلك .. ولا أستطــيع الانتظار حتى وصول رسائلك لأكتب ! فكلماتي يمكن أن تختنق بمعانيها في روحي، إذا أنا لم أنشرها شذا ملائكيا أعطر بها روحك العاشقة، كما تسكر الياسمينة أرواح العاشقين بَروحها الأخّاذ...

إنني لم أكتب إليك حبـا بالكتابة أو طمعا بحبك أو طلبا لمكافـأة منـــك! بل كتـبت وأكتـب؛ لأنني أحبك .. فليست كلمات عشقي إلا صدى لحبـــك الخالـــد في أعماقي.! وليست إلا غراسا أودعتها يداك الطاهرتان في تربة نفسي...

إنني أرسل إليك كلماتي عبقا ساحرا ينسكب فــي مجاري روحك الزكية ، وأحمّل كل حروفي أنغام روحي العاشقة ، كي تنساب على أوتار روحـك المقدسة أنشودة عشق أبدية المعاني .. أزليــة الألحان .. أسطـورية المشاعر في كل زمــن تشح فيــه القلــوب ، وتنضب ينابيع الأرواح ، وتجف أنهار الوجدان .. .

إنني أكتب إليك يا حبيبتي؛ لأن كلماتي تعبق فـي وجداني عبــق الياسمينة بشذاها الرائع .. فإن لم أكتب ، تحولت تلك الكلمات إلى سموم تميت أوراقها إذا لم تنشرها فـــي الملأ الرحب بسخاء ..!

إنني أبثك ألحان حبي، ومعاني عشقي كلمات تحمل دندنات أوتار الفؤاد، وآهات ومواويل الروح.. ولا أستطيع أن أخبئها في صدري؛ لأنها قد تتحول إلى حشرجات تخنق أنفاس الحياة في كياني!

ولكنني مهما أعطيت من عبق كلماتي، ومهما نشرت من رياحين حبي في ربوع روحك الهائمة إلى الخير والجمال.. لن أستطيع أن أقدم لك إلا جزءا يسيرا مــن شـــذا الياسمين وأنغام البلبل الشادي الذي لا يستكين .. لكنني سأظل أواصل العطاء، فلعلني أستطيع أن أثمل روحك بفيض كلمات حبي.. وإن لـم أستطع فحسبي أنني أرضيت ضميري وأديت واجباتي الغرامية التي تمليها علي شرائع العشق السماوية ..

حبيبتي الغالية

يا بلبلي الحر .. وياسمينتي الطليقة..!

إن كل كلمة مــن كلمات رسائلي إليك تواري فـي أعماقها كتابا كاملا، بل فلسفة متكاملة في الحب .. وقد تكون كلمة واحدة مفتاحا لرسالة أو رسالات متعددة.. وقـــد يكـون بيت من الشعر، انساب في ارتجال على لساني، مفتاحا لقصيدة كاملة مـن قصائد حبـي إليك..

وها أنا أبثك لواعج نفسي، وثـــورة روحي وبــركان عزيمتي وفيضان خاطرة، ألحانا عذبــة تترقرق فـي غدران قصيدة كان مفتاحـها البيت الأول الذي كتبته فــي رسالة سابقة إليك.. لقد هبط هذا البيت في خاطــري دون قصد إلى كتابة الشعر، إذ كـنت أكتب تلك الرسالة.. ثم رحت أردد هذا البيت في نفسي، فإذا به بيت مــن الشعر، راقني لحـنه، وأطربني معناه.. وحاولت أن أتناساه، لكن صداه لم يفارق قريحتي، فسرعان ما وجدتني أتراقص بيني وبين ذاتي.. وراحت المعاني تتزاحم في انتظام كما تنتظم حبات اللؤلؤ فــي عقد رائــع الجمــال.. وأخذت أشحنهــا بزخم الذكريات.. مستمدا لهـا ذخرا مــن المشاعر والأحاسيس.. فانهالت على خاطري غيثا مدرارا من الألحان والمعاني والعواطف.. ثم أينعت ثمارا ناضجة يحملـها كل غصن مـن أغصان قصيدتي التي ألصقت علـى ذؤاباتها بصمة روحي وكتبت عليها بمداد من دمي: (حب وغربة).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى