الأربعاء ٩ آذار (مارس) ٢٠١١
رحمة أبناء الخضراء
بقلم سحر عمار

امتداد لنشيد الثورة

تولد الرحمة والمودة في أعماق الأرواح، في خلايا الوجدان، في فلك الفؤاد تسبح في ربوعه نجوم وشهب المشاعر والأحاسيس.

تولد كما يولد جنين الحياة في بركة الدماء، كما تولد أسماك مشرقة الألوان في العتمة الباردة المظلمة، كنا تولد الأزهار الوردية والأوراق الندية على الأغصان العارية المرتجفة، كما يولد العشب من بين مفاصل الصخر الداكن القاسي.

هكذا تولد الرحمة الإنسانية التي لا تعرف حدودا ولا جنسية ولا جنسا ولا دينا ولا لونا ولا لغة.

تلك الرحمة التي خاطت لها الشمس من أشعتها أجنحة ملائكية لتنتقل من أرض إلى أرض دون تعب على ظهر غيوم السماء تنشر الضياء في ذرات النسيم، في قطرات الغيث، في ثرى الأوطان. تبني أعمدة الأمل في نفوس اليائسين الذين ثقلهم الجرح الإنساني الطاهر، ترسم في قلوبهم زهرة الياسمين أخاذة عطرة.

رحمة جاءت لتشل سيوف الزمن كأنها العشبة الخضراء الفتية على ظهر الصحراء المنحني، بين قبابها الرملية الحارقة واتخذت من أرواح أبناء الخضراء وطنا لتسري فيهم مسرى الدماء في الشرايين، مسرى المياه في السواقي، مسرى الفراشات بين الخمائل في المروج، أولئك الذين فتحوا الحدود والمعابر وفتحوا الأحضان والمساكن، أولئك الذين حفرت آثار جلاد الحرية على أجسادهم تقاسيم الحرية والبسالة والإنسانية، أولئك الذين يعرفون حقّ المعرفة تلك التراجيديا الدموية التي تحاول يائسة اعتقال التاريخ ووأد الأفكار النيرة وإخماد أناشيد الحريّة وحجب نور الصبح عن الشجيرة التي تحارب ذرات التراب الحديدية لتشق طريقها بين طيات الأرض الجليدية لتغتسل بندى الفجر المنشود.

استقبلوا من قبل أخوانا من أرض الشهداء والأنبياء كانوا ولا يزالون أوّل من علّموا البشرية كيف الدفاع عن الوطن بالأرواح وكيف نخط طموحنا بالدماء الزكية، أبناء سيدة الأرض، مهد المقاومين والصامدين، وهاهم اليوم يستقبلون جيرانا وأشقاء ليقطفوا من حدائقهم وردا، ليأكلوا من جنانهم ثمرا، ليتقاسموا رغيف الخبز وكسرة الكرامة.

استقبلوهم ألوفا أفواجا، يمدون العون، يجودون بما جاد به الإله، ينسجون من خيوط الخيام وشاح الفجر الأسير، من زيتهم يضيئون النجم في مسرح الظلم القاتم، من ظلال أشجارهم يمتصون النكبات ويعيدون لرسمة الحياة ألوانها لتبدومن جديد مشعة. يهبون من كل صوب وحدب فقيرا ثريا في تمازج في تلاحم كأغصان تلك النخلة المشرئبة أعناقها في أعالي السنا، كأغصان تلك الزيتونة المعمرة الشاهدة على كل حروف التاريخ وكل سطر دوّن على صفحاته، متماسكة شتاء خريفا، ربيعا، صيفا وإن سرقت الرياح العاتية وجارياتها النسيمات الوريقات المخضرة المزدانة ففي زئير تلك الزوابع ألحان أغنية النصر القادم وإن ذابت نضارتها تحت جليد البرد القارس ففي طياته لحاف الدفء الأزليّ.

ترى الدنانير تقفز من جيوب التونسي ثريا كان أم فقيرا بفرح عارم لتشدّ على أيادي الإخوة اللاجئين الليبيين، وترى أهرام المساعدات، وجبال الهبات تعانق الأسقف العالية، تزحف بسرعة السيل الجارف لتغزوالأرض، ترى الخيام تلوح في الأفق بيضاء كأعلام السلام امتدادا لنشيد الرحمة وترتيلات الثورة التي ارتفعت وراء تلك الحدود الزائفة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى