الثلاثاء ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم إياس يوسف ناصر

اِنتظار الصدى

على الشارع المجهول أقفُ منتظرًا! أشمُّ رائحةَ الفجر بأنفاس الجسد الغريق في البرد. أنفُخُ في كفّيّ، فتطفئ الريحُ العاصِفُ جمرَ النَّفَس المحترق. أنظُرُ إلى نفسي فلا أعثرُ على شيءٍ مني غير خيال يَشبَعُ من جوع أولادي وينبثقُ من ثقوبِ ملابسِهم.

على الشارع المجهول أقفُ منتظرًا... أحمِلُ كيسًا فيه رغيفٌ صغير، رغيفٌ تَظهَر على وجنتيه شدَّةُ الجوع الذي يَأكُل من بدني وكفني كل يوم. يُبلّلني المطرُ فأعتصمُ بغيمة الصحو، ويَزرَع الندى ظلَّه في شَعري ومِعطَفي فأنتفض من برد الألم القارس.

على الشارع المجهول أقفُ منتظرًا مَن لا أعرِفُه! فإني لا أطلُبُ أن أعرِفَ من أنتظرُه، ولكني أطلُبُ أن أرجعَ إلى أولادي بخمسة أرغفةٍ وسمكتين. أنظُرُ إلى السيارات المسرعات فآكُلُها بناظريّ، لعلّما واحدةٌ منها تريد الوقوف لتأخذَني إلى حيث أعمَلُ وأزرَعُ عَرَقي فيَنبُتُ رزقي اليوميّ.

أنتظر وأنتظر... كحمامةٍ تنتظر صيّادَها! أبحثُ في العالم المجهول عن صيّادٍ لي، يَقتُل برصاصته رقّةَ حالي، ويَمسَح بفلسِه المتعالي عيونًا تَدمَع كل يوم. أبحثُ على الطريق منتظرًا، عن دفتر لطفلي، وعن دواء لأمي، وعن بسمة لامرأتي، وعن رفقاء طفولتي الذين سجنتهم الفاقةُ في صحراء الارتزاق.

على الشارع المجهول يقول لي صاحبي منتظرًا: "الفرج قريب". فأنظُرُ إلى السماء وأقول في نفسي: الانتظارُ خمرةُ المسافرين إلى الصدى. فلي مع الصدى قصصُ الطفولة الأليمة، ولي مع الصدى ملاعبُ الأولاد في الأزقّة، ولي مع الصدى قصّةُ الوطن الجريح المنتَزَع، ولي مع الصدى غيابُ المرحَّلين وغربةُ المستقبل، ولي مع الصدى انتظارٌ طويلٌ كل يوم على شرفات الأمل الكئيب.

(كفرسميع)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى