الجمعة ٢٠ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم محمد الحريشي

بائعة الأحزان

الصدفة، أو ربما القدر الدفين بين طيات هدا الزمن الأحمق جعله يأخذ دراجته الأنيقة بعد أن مل من طول هدا الصباح: استيقظ باكرا، كان في نيته أن يجلس إلى مكتبه لمراجعة ملفاته.لكن سرعان ما أحس بالضجر، خرج إلى باب البيت دون أن يعرف إلى أي مكان من أمكنة هده المملة سيذهب، فيكر في المقهى، في نادي الموظفين، وأخيرا خطرت على باله فكره: السوق، نعم السوق الأسبوعي ولم لا؟ فمند أن حل بالمدينة لم بزر سوقها ولو مرة وحيدة رغم كثرة ما سمع عنه من حكايات، بهدوء وبملابس رياضية غير مبالية تحرك يقتفي اثأر العائدين، لم تكن وجهته بعيدة ولا صعبة الوصول.دخل السوق من باب جانبي، بعدما آثر وضع دراجته في الموقف عوض اصطحابها في الزحام.كان الجو بدويا، حطب، بيض و حليب كحل وسواك وأشخاص من باعة ومشترين تبدوا على وجوههم قسوة النواحي..إلى جانب هدا (السويق) المنسي كانت هناك حظيرة بهائم تحلق قرب أسوارها أطفال ذكروه بأيام خلت.. أيام الشغب الطفولي.

كان يتحرك بسرعة فلم يكن يبدو له أن شيئا ما يمكن أن يستهويه...

كانت الوجوه البائسة تمر من أمام عينيه دون أن تثير انتباهه.

في ركن قرب الباب المؤدي إلي السوق الأكبر كانت تجلس: فتاه لا تختلف في شيء عن هؤلاء غير أنها كانت صغيرة السن، في العشرين أو اقل ملفوفة كغيرها بعباءة سوداء لا يظهر منها غير وجهها الثاقب: عينان سوداوين كثقب اسود وسط فضاء أجمل. وشفتان صغيرتان مرسومتين بعناية. وجسد حلف مرتب تظهر تضاريسه المرتبة من خلف الجدار الأسود.
حاول أن يمر بسرعة، أن لا يكثر في النظر إلى هدا الوجه الجميل البائس، فليس هدا اول وجه يسرح في تتبع قسماته..بل هي وجوه ووجوه.

تحرك وسط الخضار ين والبقالين دون أن يشتري شيئا إلى أن انتهى إلى أخر السوق، خرج إلى موقف الدراجات وقبل أن يهم بالذهاب أحس برغبة عارمة في العودة وقف للحظة تائها متعجبا، وتحرك مرة أخرى إلى الباب الضيق، تحركت رجلاه وكأنها تعرف الطريق، إلى أن أوقفته أمامها، كان مذهولا متلعثما ينظر إلى جسدها ملاكا طائرا، اقترب منها ألقى تحية جبانة وسألها عن بضاعتها دون أن يعرف ما سيشتري، كان فقط يريد أن يضيع الزمن هنا فبل يتحرك أبدا.

أدركت الفتاة أن بالغريب شيئا ما وكأنها تعودت على تلقف التائهين. أجابته بأدب هدأت من تخبطه وأعطته ما تريد لا ما يريد؟ من بضاعة يعرف مسبقا انه ليس بحاجة لها.

دون أن يجيب وبعدما أدرك انه لم يعد هناك سبب للوقوف ’تحرك إلى دراجته تاركا السوق وصاحبة العباءة السوداء خلف ظهره.

مر اليوم باردا

مر الغد

ومع مرور كل لحظة كان شوقه يشتعل، صورتها لا تفارق مخيلته، توجه أكثر من مره إلى أسواق جانبية دون أن يعثر لها على اثر بحث عنها في المدينة القديمة في أنحاء لم يزرها من قبل في كل تجمع خطر على باله أنها ربما تكون فيه.
ومع نهاية الأسبوع بعد أن مل البحث دون جدوى. لم يعد له غير الانتظار..انتظار يوم الأحد، دون أن يجد وقتا ليسال نفسه مادا؟لمادا؟ كيف؟.

بعد أسبوع طويل من الانتظار وفي صباح بارد غير كل صباحات الربيع، حمل دراجته دون أن يفطر وانطلق إلى السوق.
كان يشعر أن الطريق يزداد تمططا..إلى أن وصل إلى باب السوق، وضع دراجته في الموقف

وتحرك:خطوة... خطوتان.. ارتفعت ضربات قلبه وهو يرى العباءة السوداء من بعيد كما تركها؟

أحس برجليه ترفضان حمله.. وبقطرات عرق بارد تنساب من كل إنحاء وجهه.

لكن خطواته بقيت ثابتة وهو يتقدم إلى الإمام: خطوة، خطوتان حتى وجد نفسه أمامها: "صباح الخير..أنا..أنا..تمتم محاولا صنع جملة مفيدة..فادا بوجه شاحب يستدير وينظر إليه "يا الهي إنها هي.. لقد أصبحت عجوزا..لا ليست هي....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى