الخميس ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٠
بقلم خولة كامل الكردي

بخور كيني

استوقفتني سيدة كبيرة في السن ربما شارفت على عقدها السبعين، تسألني عن محل لبيع الأقمشة، تمسك عصا في يدها، وقد بدت لي أنها جاءت هنا لأول مرة، أشرت لها لمحل على الطرف الجانبي من المتجر، هزت رأسها وشكرتني، تركتها وذهبت لأشتري بعضا من البخور.

تجولت قليلا بين بعض المحال، حتى وصلت إلى محل بيع البخور، طلبت من البائع أن يريني البخور الذي عنده، أراني بعض أنواع من البخور المستورد، عرض مجموعة أمامي، أخذت أشتم وأعاين كل واحد على حده....

البائع بدا لي أنه محتار مع زبون لا يعرف ما الذي يعجبه، تنفس الصعداء بمجرد حسم موضوع الاختيار، قال لي "أنه بخور كيني"، سألته عن الثمن، ضحك وقد بدت أسنانه صفراء خلاف ما اعتقدت لأول مرة شاهدته فيها، تمتمت في نفسي "المظاهر تخدع الناس أحيانا".... خرجت من المحل وأنا أتفحص البخور، وأحاول اقناع نفسي أنما قاله البائع صحيح....

لمحت السيدة التي كنت قد ارشدتها إلى محل بيع القماش منذ قليل، تتجادل مع رجل أربعيني، يرمقها بنظرة حادة ويرفع صوته في وجهها وصوتها لا يكاد يسمع، غلب صوت ذلك الرجل على صوتها، استفزني هذا الرجل البغيض، فقررت أن أدخل وألقنه درسا في كيفية التعامل مع سيدة في مقام أمه.... وقبل أن أـتوجه إليه، خرجت السيدة من المحل تبكي، وتمسح دموعها بمنديلها، سألتها هل تود المساعدة، ردت علي بالشكر والامتنان...

جلست على جانب المحل وكأنها تنتظر أحدا، وقد بدا وجهها شاحب وحزين، سألت نفسي "لماذا أنا مهتم بهذه السيدة؟ ربما لأنها تذكرني بأمي التي توفيت منذ عام، تخيلتها هي! نعم كأنها هي!

أحضرت كرسيا ووضعته أمامها، وطلبت منها أن تجلس، فوافقت وساعدتها على الجلوس.

البائع الذي سبق وأن تجادلت معه السيدة، كان يحدق بنا، ونظراته تشي بغلظته ولؤمه!!

أحضرت كرسي آخر وجلست بجانبها، بعد قليل جاء رجل يشبه في ملامحه، ملامح ذلك البائع المتمرد، بدا لي رجل محترم، خاطب السيدة بأمي قلت في سري "إذن الرجل ابنها"، اخفض رأسه وهمست في أذنه، فتغير وجهه وقد بدا متمعرا يملؤه الغضب والحنك، اتجه لصاحب المحل وبدأ معه جدالا قويا، كاد يتحول إلى عراك، لولا السيدة التي طلبت منه ترك البائع، سمعتها تقول "لا تتشاجر مع أخيك يا ولدي!!
تمتمت في نفسي "هذا هو ابنها ويعاملها كالغريبة؟! لم تُرِدْ أكثر من أن يلطف بحالها ويكف عن مقاطعته لها.

قلب الأم كبير لكننا نحن الأبناء قلوبنا قاسية، لا نشعر بعاطفتها الجياشة وحبها العميق لنا.

قلت في نفسي "تبا للنسيان! سأذهب غدا لزيارة قبر أمي"، اكتشفت أنني مشتاق لها كثيرا، مشتاق للحديث معها ولو مع أثر منها...

لم أرد تفويت الفرصة، اشتريت ألبوم صور...

في المساء جلست أرتب صورها في الألبوم، صورة...صورة.... أتأملها وأتذكر أيامها الجميلة وعلى رائحة البخور الكيني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى