الأحد ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم ناصر الحجيلان

بكتيريا السعادة

من المؤكد أن عددًا كبيرًا من الناس يمثلون الأغلبية في مختلف المجتمعات يبحثون عن السعادة. وكل فرد أو كل مجتمع له طريقته في البحث عن السعادة التي ربما يجدها في العبادة أو في العمل أو في الزواج أو في المال أو في الأعمال العقلية وربما يجدها عن طريق الخيال. ويعد الخيال من أكثر الوسائل شيوعًا في الوصول إلى السعادة على اعتبار أن السعادة ليست إلا حالة من شعور سيكولوجي قائم على التخيّل بالدرجة الأولى.

ولأن التخيل يحرض العقل على إفراز كيمياء تسهم في جلب السعادة للشخص، لهذا فلن يظفر بالسعادة إلا أصحاب الخيال الواسع أو ما يسمى بالخيال الخصب المبدع. ولأننا في هذا المجتمع ننبذ الخيال ونسخر من أصحابه، فإن أغلبنا سيواجهون مشكلة في استجلاب السعادة. ومعلوم أن المدرسة مشكورة تريد من الناشئة أن يرتبطوا بالواقع الجميل لكي تزهى به نفوسهم؛ ولهذا فهي تقمع أي محاولة للخيال عند الأطفال، ومما يزيد الأمر تأكيدًا أن الآباء والأمهات يمارسون الدور نفسه في قتل أي محاولة عند الطفل للتخيل أو رسم الصور الخيالية وتركيبها.

ولهذا فمن الطبيعي أن ننشأ ولله الحمد واقعيين جدًا ومحبين لواقعنا بدرجة عالية ولم يضرنا في أي وقت من الأوقات أننا محرومون من الخيال. صحيح أن الحرمان من الخيال يعني ضعف الإبداع والابتكار ولكن هذه ليست مشكلة لأننا قادرون على استيراد ذلك من غيرنا ممن ابتلوا بالخيال. ولكن بعد ظهور ما يشير إلى علاقة الخيال بالسعادة فإن الأمر سيصبح موضع تفاوض بيننا وبين أنفسنا.

واللطيف في الموضوع أن العلماء والباحثين في سيكولوجية السعادة وكذلك المختصين في علوم أمراض الدماغ قد أسفوا لحالنا ولحال أمثالنا من المحرومين من الخيال، واكتشفوا اكتشافًا يحل هذه المشكلة وسنكون بكل ثقة أول المستفيدين منه.

وقبل عرض هذا الاكتشاف يحسن بي أن أوضح أننا ولله الحمد والمنّة كنا السبّاقين إلى التعرف على لمحات من هذا الاكتشاف والاستفادة منه دون أن نعي، ولهذا لم نكن أصلا بحاجة إلى السعادة لأنها ببساطة كامنة في ذواتنا؛ ونحن على استعداد لتصديرها إلى الغير سواء بالهبات أو بمقابل رسوم بسيطة.

وإذا كان الاكتشاف الجديد يلمّح إلى أن هناك بكتيريا تؤخذ من أماكن وحيوانات لا تحظى بدرجة عالية من التعقيم والنظافة، ويوضح في الوقت نفسه أن الاهتمام المبالغ فيه بالنظافة والتعقيم قد يقتل تلك البكتيريا- فإن بكتريا السعادة قد وجدت مرتعها الخصب ومنزلها الآمن عندنا ولله الحمد والمنّة.

ولو ذهبنا إلى الأماكن الأكثر تعقيمًا في السعودية وهي المستشفيات والمستوصفات لوجدنا أن البكتيريا هذه وربما غيرها من صاحباتها النافعات يتربصن بنا في الهواء المعطر بروائح المجاري وعلى الكراسي الملوثة وفي الممرات غير النظيفة. وكنت أشعر بالحنق فيما مضى على هذا المستوى المتدني من النظافة الذي نجده في كثير من الجهات الصحية وبخاصة في المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة ولم أكن أعرف السبب رغم ضخافة الميزانية المخصصة لذلك بما فيها عقود النظافة.

ولكني بعد قراءة البحث أدركت مقدار جهلي بخطة وزارة الصحة الإنسانية المتمثلة في سعيها إلى إكساب الناس السعادة من خلال تعريضهم للبكتيريا من جميع الجهات؛ فإن لم تصبهم البكتيريا الموجودة في الهواء فلن يفلتوا من تلك الموجودة على أيدي الأطباء والممرضات الذين لايلبسون القفازات؛ ولو فلتوا من هذه لسبب من أسباب المناعة ضد السعادة؛ فسوف تدركهم هذه البكتيريا عن طريق الأدوية ذات التخزين الردىء أو العلاج الذي انتهت صلاحيته ولا يزال يباع.

وربما يوجد عدد من القراء الكرام يشاركونني في الابتهاج بزراعة بكتيريا السعادة وإنتاجها، وسوف يكنّون في صدورهم بالغ الشكر والثناء لوزارة الصحة الموقّرة التي تعمل بصمت وبعيدًا عن الضجيج في رسم السعادة على محيّانا عن طريق حشونا بعدد هائل من البكتيريا لكي نتمكن من استثمارها فنشعر بالسعادة من دون صحة؛ ولو فاضت السعادة فيمكننا تصديرها لمن يريدها من المبتلين بالنظافة والصحة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى